ليس هناك سبب واحد لبقاء السيد سلام فياض رئيسا للوزراء أو حتى وزيرا للمالية

ليس هناك سبب واحد يجعلنا نتمسك بالسيد سلام فياض رئيسا للوزراء و لا حتى وزيرا للمالية …  بل  يوجد عشرات الأسباب و المبررات االتي تستوجب رفض هذا الطرح بشكل كامل  . إن الإرادة السياسية للشعب الفلسطيني و قواه السياسية التي رفضت كل الضغوط الخارجية بعدم المصالحة و قررت  أن تكون صاحبة قرارها و تنفذ إرادة الشعب بالمصالحة … يجب أن تتوسع  إرادتها لتشمل التحلل والتخلص من الابتزاز المالي أيضا . إنه من الخطورة بمكان ما أن نوقف عملية المصالحة تحت ضغط إبتزاز مالي غير موجود سوى في ذهن البعض الذي يريد ان يوظف الشعب الفلسطيني و مستقبله من أجل مستقبلهم هم. إن الازمة المالية المصطنعة و المختلقة  أثارت الشك لدى الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني حول جدوى المصالحة  مما سبب تلاعبا خطيراً في مشاعر الناس و تهديداً لإستقرار المجتمع … هنا  لا أجد أي فرق بين مصطنعي الأزمات من هؤلاء و بين الرئيس اليمني أو السوري أو الليبي الذين  يوظفون إمكانات دولهم بما فيها الجيش  و الرصاص ضد مواطنيهم  من أجل البقاء على الكرسي،
إن عشرات المقالات و التقارير الدولية و الحملات الاعلامية مدفوعة الثمن التي تحاول  منذ أربع سنوات أن تمارس غسيلاً لدماغنا بالقول بأن السيد سلام فياض هو الشرط الوحيد لإستمرار التمويل الدولي  هي مجرد إدعائات سخيفة تفتقر للعلمية و الجدية و للحد  الادنى من الاطلاع . هنا اورد بعض الاسباب و الشواهد على سبيل المثال لا الحصر :-
• إن الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية  قد تم بقرار دولي لدعم اتفاق السلام  بين منظمة التحرير و إسرائيل وقد تم إقرار ذلك في مؤتمر المانحين الاول للسلطة الفلسطينية و الذي عقد في واشنطن في أكتوبر من العام 1993 . لذا فإن الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية مرتبط بالنظام السياسي الفلسطيني و بالسلطة الفلسطينية الذي ولدت من رحم إتفاق أسلو . حيث أكد مؤتمر المانحين الاول أن الدعم الدولي للسلطة الوليدة يهدف إلى تمكينها من القيام بدورها ألا و هو تعزيز السلام في المنطقة .   لذا فقد تواصل الدعم الدولي للسلطة حتى في وجود الرئيس الراحل ياسر عرفات  بالرغم من إعتراضات الدول المانحة على سياساسته  ومواقفه التي لم تتفق مطلقا مع متطلبات المجتمع الدولي .  بالتأكيد سيتوقف الدعم الدولي في حال انحرف النظام السياسي الفلسطيني عن وظيفته و التي هي من إختصاص برنامج السلطة و ليس الاشخاص بغض النظر عن مؤهلاتهم , ينطبق ذلك بشكل كامل على السيد سلام فياض الذي لم يكن له و ليس مطلوبا منه و لا من حكومته أي دور سياسي .
• إن مجرد الربط بين استمرار دعم المجتمع الدولي و بقاء  السيد  سلام فياض رئيسا  للوزراء  أو وزيرا للمالية هو ربط لا يقل خطورة عن الضغوطات التي تمارس على السلطة و الشعب الفلسطيني بعدم الربط بين استمرار إسرائيل في الاستيطان و مواصلة السلطة الفلسطينية  لمفاوضات السلام الفاشلة.  فالمجتمع الدولي يشترط الربط في الاولى و يشترط عدم الربط في الثانية … مثال صارخ على ازدواجية المعايير .. و إذا كان الرئيس محمود عباس و الشعب الفلسيني قد رفض الربط غير الشرعي بين مواصلة الاستيطان  و مواصلة مفوضات السلام , فالاحرى بنا أن نرفض الربط غير الشرعي أيضا بين بقاء سلام فياض و إستمرار التمويل . إنهما مسألتان تتعلقان  بالسيادة و إستقلال القرار الفلسطيني و الكرامة الوطنية .
• التصريحات المتوالية للسيد سلام فياض و في كل مناسبة سواء عند إفتتاح ماسورة مياه أو شارع أو مدرسة أو حتى في إفتتاح ندوة حول التوعية الانجابية ان السلطة ستكون في حل من إعتمادها عن الدول المانحة بحلول العام 2013 اي بعد أقل من عامين فقط، و بحسبة أخرى في أقل من عشرين شهرا .. السؤال كيف يمكن تفسير الوضع الحالي في ظل هذه التصريحات و أيهما نصدق ؟؟  . إن التناقض الصارخ بين تلك التصريحات و الواقع الحالي يندرج ضمن الخداع السياسي الذي يجب أن يحاسب عليه  القانون الرسمي و المسائلة الشعبية …
• إن التحويلات الضريبية المستحقة لنا على الحكومة  الاسرائيلية و التي تم تحويلها قبل أيام هي نتيجة لعملية المقاصة بين مشترياتنا منهم و مشترياتهم منا , فقد تم تحويل 300 مليون شيكل أي ما يعادل 88 مليون دولار كما ذكرت صحيفة هآرتس في عددها الصادر أمس .   في حين تبلغ فاتورة السلطة الوطنية شهريا حوالي 600 مليون شيكل أي ما يعادل 170 مليون دولار تغطي مرتبات 114000 موظف مدني و 63000 موظف عسكري و المصروفات التشغيلية. أي  أن تحويلات المقاصة لا تفي سوى ب 50% من إجمالي الفاتورة الشهرية للسلطة أي كان يمكن دفع نصف مرتبات الموظفين دون انتظار للتحويلات من إسرائيل  . و الاهم من ذلك أن التحويلات هي عبارة عن الضريبة التي يدفعها الفلسطيينيون على مشترياتهم من إسرائيل , اي بعبارة أخرى نحن الشعب ندفع  لانفسنا .. و كلما زادت مشترياتنا من إسرائيل ستزيد قيمة التحويلات الضريبية  المحولة من إسرائيل لنا .. و لو قرر الشعب الفلسطيني التوقف فرضاً و لمدة شهر عن الشراء تماما من إسرائيل  سيتوجب على السلطة الوطنية عندها ان تدفع تحويلات ضريبية إلى إسرائيل  لا قدر الله .
• إن سياسة السيد سلام فياض و منذ اللحظة الاولى التي جيئ به فيها للنظام السياسي كوزير للمالية في نهاية عام 2002 كانت تعمد دائما على  التضخيم المتعمد و غير المبرر للموازنة العامة بما كان يؤدي إلى زيادة الاعتماد على الدول المانحة .  لقد استطاع الرئيس الراحل ابو عمار المحافظة على موازنة عامة قيمتها مليار دولار سنويا فقط في ثمان سنوات ( 1994-2002 ) بنسبة إعتماد على المانحين لا تزيد عن 15%   و كان عليه من يبدأ من الصفر .. في حين عمل السيد سلام فياض على تضخيم الموازنة  بشكل كبير لتبلغ 2 مليار و مائتي مليون دولار سنويا في ثلاث سنوات (2002-2005) بنسبة إعتماد على المانحين وصلت إلى 65%  دون أن يبدا من الصفر فقد إستلم إقتصادا منتجا مزدهرا بلغت نسبة النمو فيه للعام 2000 حوالي 8% و قد بلغت موازنة  حكومة   السيد سلام فياض للعام الحالي أكثر من ثلاثة مليارات دولار  طبعا دون أي مشاريع تطويرية في قطاع غزة
• إن ما يحدث في الضفة الغربية منذ الانقسام في يونيو 2007 من ضخ هائل للدعم الدولي كان يهدف بشكل اساسي إلى تعميق الانقسام و جعل  خسارة المستفيدين منه كبيرة بما يدفعهم لإتخاذ مواقف ضد المصالحة . إنها رشوة من المجتمع الدولي للبعض كي يقفوا ضد الوحدة الوطنية . لكم أن تتخيلوا كيف سيكون الوضع الفلسطيني لو لم يسارع المجتمع الدولي لتغذية الانقسام بضخ تلك الاموال الهائلة. إن المقارنة بين الفشل الذريع لمؤتمر السلام في انابوليس في سبتمر 2007 و النجاح غير المتوقع لمؤتمر المانحين في 17 ديسمبر في باريس من العام ذاته كاف للتدليل على نوايا المجتمع الدولي تجاهنا. إن ما يحدث في الضفة الغربية و خاصة في مدينة رام الله من أنشطة إقتصادية هو تعزيز للإقتصاد الريعي غير المنتج .. هو لا يعدو كونه إزدهارا وهميا و سطحيا لا علاقة له مطلقا بالتنمية البشرية المستدامة و قد وصفته في مقالاتي بــ” إقتصاد الكابتشينو ”  فهو مثل رغوة مشروب الكابتشينو الذي يبدو جميلا منتفخا  لكن سرعان ما يختفي.
• في مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في الثاني من مارس من العام 2009 بعد الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة و بهدف إعادة إعمار ما دمرته الحرب و الذي شاركت فيه 90 دولة و مؤسسة لم يحضر أحد من قطاع غزة .. و السبب الذي أعطي حينها كان ”  ضيق المكان ”  من المفارقة أن قاعات المؤتمر إتسعت لممثلي من 90 دولة و ضاقت على بضعة أفراد من قطاع غزة و هم أصحاب الشأن . الادهى من ذلك أن الخطة الني قدمها  السيد سلام فياض للمؤتمر قد بلغت 2.5  مليار دولار منها 40% كان مخصصا لقطاع غزة و الباقي لدعم الموازنة العامة للسلطة و الصرف على المشروعات  التي تتضم دعائيا .  مصائب قوم عند قوم فوائد …
• لقد أكد النائب العام الفلسطيني و كذلك رئيس لجنة مواجهة الكسب غير المشروع أن العديد من وزراء حكومة السيد سلام فياض تشوب حولهم شبهات قوية بالفساد و أنهما يتنظران رفع الحصانة عنهم كي يبدأوا تحقيقاتهم معهم. السؤال لماذا لم يتم ذلك؟؟
• إن تصريحات السيد سلام فياض الاخيرة لوكالة معا الاخبارية ( و هي وكالة احسده على حبها اللا محدود له ) حول وجود ديون على السلطة تبلغ 2 مليار دولار  مضيفا أنه على رئيس الوزارء القادم أن يفكر بكيفية سدادها … هنا تطرح الكثير من  الاسئلة نفسها ….  لماذا لم تقل ذلك مسبقا !! و لماذا سمحت لهذا الدين أن يتضخم!!  أين تم صرف تلك الديون !!  و ولماذا تطلب من رئيس الوزراء القادم ان يتحمل وزرها !! أليس ذاك تهديدا مبطنا معناه يا أنا ….يا تخرب !! … و ما هي  الضمانات التي يمكن أن تعطيها لنا بأن إستمرارك في رئاسة الوزراء لن يصل بهذا الدين إلى أربعة مليارات دولار  مثلا !! و إذا كانت الدول تحتفظ بإحتياطيات من النقد الاجنبي في البنك المركزي  رهنا لتلك الديون .  الرجاء أن تخبرنا … ماذا لدينا لنرهن  مقابل هذه الديون غير قرارنا السياسي و حريتنا . .
• تمثل المصروفات النثرية  لحكومة السيد سلام فياض نسبة كبيرة  لا تتسق مطلقا مع الوضع المالي للسلطة  و تتناقض كليا مع الحديث المتكرر و الذي أصاب رؤوسنا بالصداع  عن الشفافية و التقشف. حيث تتعاقد حكومة  السيد سلام فياض مع  عشرات المستشارين المحليين و الدوليين و بمكافآت خيالية تصل إلى عشرة آلاف دولار شهريا للمستشار . أكاد اجزم أن هذه  المكافآت لم تنتظر تحويل إسرائيل للمخصصات الضريبية كي تدفع .. من الجدير بالذكر هنا أن هذه العقود لا تندرج ضمن الموازنة و لا يتم الاعلام عنها  في الصحف بما ينتهك مبدأ تكافؤ الفرص و وهي من الوسائل التي تستخدم  لكسب الولاء و المديح . كما هي الحال مع بعض المواقع الاعلامية، و هذا ما أكده بسام زكارنة رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية في الخير الذي نشرته وكالة معا يوم الثلاثاء الموافق 17 مايو حيث تحدث عن “صرف رواتب بعقود للبعض أربعة آلاف دولار أكثر أو أقل و شراء سيارات عدد 23 لوزارة المالية في هذه الظروف وصرف مبالغ تزيد عن 250 مليون شيقل خلال هذا الاسبوع دون مبرر عاجل، منها حوالي 120 مليون للوزارات كمصاريف نثرية وصرف رواتب موظفي العقود وقضايا أخرى لا نعملها حتى أن أحد البنوك صرف من حساب وزارة المالية 40 مليون شيقل في يوم واحد خلال الأسبوع الماضي”.
• إن السيد سلام فياض يتوجه دائما نحو الغرب… ففي نظره أن الشمس تشرق من الغرب … فهو دائم الزيارات لدول الغرب و نادرا ما زار الدول العربية أو الاسلامية رغم أنها الحاضن الطبيعى لنا كشعب و قضية . و إذا كان الغرب يرى في السيد سلام فياض شخصية عبقرية غير مسبوقة .. أقترح أن يتم إختياره رئيسا  للحكومة في بلجيكا أو فرنسا أو حتى في الولايات المتحدة الامريكية التي ليس لديها  منصب رئيس الوزراء .. أقترح على أمريكا أن تخترح هذا المنصب , كما فرضته علينا في العام 2002 و تعينه رئيسا لوزرائها خاصة أنه يحمل  جنسيتها , و بالمناسبة فهذا سبب كاف لعدم توليه مثل هذا المنصب لدينا .. فالقانون المصري مثلا يمنع من يحملون جنسيات أخرى من تول أي منصب سيادي  .
*عمر شعبان, خبير إقتصادي و رئيس بال ثينك للدراسات الاستراتيجية بغزة
www.palthink.org  omar@palthink.org

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى