ثلاث سنوات على مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار قطاع غزة بين وعود التمويل و آلية الامم المتحدة وبقاء المعاناة

– عمر شعبان
بال ثينك للدراسات الاستراتيجية
غزة , فلسطين

اليوم 12 من اكتوبر هي الذكرى الثالثة لمؤتمر المانحين لإعمار غزة الذي عقد في القاهرة في العام 2014 .لمدة 51 يوما، في صيف 2014، شهد قطاع غزة الهجوم الأعنف منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، مسبباً كارثة إنسانية اقتصادية
اجتماعية الأسوأ على الإطلاق منذ عقود. بعد وقت قصير من الحرب بتاريخ 12 أكتوبر 2014، انعقد في العاصمة المصرية القاهرة مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة، برعاية مصرية نرويجية، وتعهد المانحون بمبلغ قدره 5.4 مليار دولار حسب العديد من
التقارير الدولية والمحلية ذات المصداقية، فإن عملية إعادة ما دمرته الحروب الثلاث التي تعرض لها قطاع غزة في السنوات الماضية بطيئة جدا ولا تتماشى مطلقا مع حجم الدمار والتحديات. إن عملية إعادة الاعمار ليست بطيئة فقط بل يشوبها
الكثير من شبهات الفساد وسوء الإدارة والهدر الملحوظ لأموال المانحين والتي هي شحيحة أصلا.

مقدمة:

قبيل أن تضع الحرب الإسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة أوزارها و قبل ان يهدأ ضجيجها القاتل كتبت: ” إن نهاية الحرب قد تكشف عن واقع أشد إيلاماً من الحرب نفسها” كنت أخشى أن أكون محقاً، اليوم وبعد مرور ثلاثة سنوات على مؤتمر القاهرة
لإعادة إعمار غزة والذي عقد في القاهرة في 12 اكتوبر من عام 2014 والذي تعهدت فيه الدول المانحة بدفع تبرعات بقيمة 5.4 مليار خصص نصفها لإعادة إعمار قطاع غزة ، ومع قيام الامم المتحدة بطرح نفسها كوسيط لمراقبة المواد الخام و كيفية
استخدامها والاعلان عن آلية الأمم المتحدة لإعادة الاعمار و رفع عشرات التقارير الصحفية و الاجتماعات المتعددة ، يمكن القول تمخض جبل المؤتمرات والتقارير فولد عملية إعادة إعمار تسير ببطء السلحفاة . فمازالت 7000 عائلة فقدت منازلها تعيش في أماكن غير منازلها إضافة إلى مئات المصانع و المزارع و البنية التحتية، مما يثير تساؤلات وشكوك حول وعود المانحين والنوايا الحسنة والتضامن الظاهري. إن عملية إعادة الاعمار ليست بطيئة فقط بل يشوبها الكثير من شبهات الفساد وسوء الإدارة والهدر الملحوظ لأموال المانحين والتي هي شحيحة أصلا.

قطاع غزة : مثلث الرعب: الحصار و الانقسام و الحروب :

يخضع قطاع غزة الصغير والمزدحم بالسكان لحصار شديد منذ يونيو 2007، حيث منعت بموجبه دخول آلاف السلع وقيدت حركة السكان منه والذي ترافق مع ثلاث حروب دموية 2008-2009، 2012، 2014 ، مما أدى إلى أزمات إنسانية متراكمة ومعقدة حيث أصبح أكثر من 80% من سكانه يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وبلغت نسبة البطالة بفعل سنوات الحصار نحو 42.8%، مقارنة 17.4% في الضفة الغربية، وأدى الحصار الإسرائيلي إلى منع دخول معظم المواد الخام لقطاع غزة، ما تسبب بإيقاف حوالي 90% من المشاريع التي كانت تديرها المنشآت الصناعية، وفقْد أكثر من 75 ألف موظف – يعيلون حوالي نصف مليون شخص- وظائفهم منذ العام2007.

في الفترة ما بين 7 يوليو و27 أغسطس 2014، شهد قطاع غزة حربا دامية بين إسرائيل والتنظيمات الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة أطلق عليها إسرائيليا عملية “الجرف الصامد. بلغت نسبة الخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين ما مجموعه 2220، من بينهم 1492 مدنيا (551 طفل، 299 امرأة) ، كذلك أدت إلى تدمير 17,132 منزلاً، منها 2,465 منزلاً دُمِّرت بشكل كلي، و14,667 منزلاً دُمِّرت بشكل جزئي، إضافة إلى 39,500 من المنازل لحقت بها أضرار. كما تسببت الهجمات الإسرائيلية بتدمير 171 مسجداً، دُمّر 62 منها بشكل كلي، و109 بشكل جزئي، الجدول التالي يوضح عدد الوحدات السكنية المهدمة /المتضررة بسبب الحروب الثلاث الاخيرة :

عمليات عسكرية

(وحدات سكنية) مهدمة بالكامل (وحدات سكنية)
أضرار جسيمة بالغة
(وحدات سكنية)
لحقت بها أضرار
2014 – الجرف الصامد 2,465 14,667 39,500
2012 –  عامود السحاب 184 198 10,000
(2008-2009)
الرصاص المصبوب
3,425 2,843 54,800

بعد عدة جولات من المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية بمشاركة مندوبين عن حركتي حماس والجهاد الإسلامي تمخضت عن هذه الجولات موافقة الوفدان على وقف إطلاق النار وفقاً للورقة المصرية التي أجريت
عليها عدة تعديلات، وبموجب الاتفاق يلتزم الطرفين على وقف فوري ودائم وطويل لإطلاق النار ويتعهد الطرفان بوقف أي أعمال عدائية، وفتح كامل للمعابر والتنسيق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على آلية عملها، دون أي قيود على البضائع،
وإدخال البضائع وفق الحاجة. كما تضمن الاتفاق على التدرج في إخلاء المنطقة العازلة على أن يسمح للفلسطينيين باستخدامها على الفور، وأبقت على التدرج في مساحة الصيد البحري من 6 أميال إلى 12، على أن يتم العودة بعد شهر لنقاش مسائل الميناء والمطار ومسألة جثث الجنود الإسرائيليين التي يعتقد أنها بحوزة المنظمات الفلسطينية.

مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار القطاع (المقررات)

بتاريخ 12 أكتوبر 2014، انعقد في العاصمة المصرية القاهرة مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة، برعاية مصرية نرويجية، وشارك في المؤتمر أكثر من 50 دولة، و20 منظمة إقليمية ودولية، وذلك بهدف تعزيز قدرة الحكومة الفلسطينية في تحمل مسؤوليتها
بشأن إعادة تأهيل قطاع غزة، إضافة إلى توفير الدعم المالي الخاص بإعادة إعمار القطاع. وقد تعهدت الدول المانحة خلال المؤتمر بتقديم 5.4 مليار دولار، خُصص نصفها لجهود إعادة إعمار القطاع. وقد ربطت رئاسة المؤتمر تقديم الدعم المالي
الدولي بثلاثة شروط، هي بسط حكومة الوفاق الوطني سيطرتها على القطاع، وأن لا يجري استخدام المساعدات في أغراض غير مخصصة لها، والعمل على فتح المعابر الحدودية بين اسرائيل وقطاع غزة. اللافت أن مؤتمر المانحين جاء في ظل حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني وهي أولى حكومة وفاق وطني منذ الانقسام السياسي عام 2007، التي تشكلت في 2 يونيو 2014 بعد مشاورات مع كافة الفصائل الفلسطينية. وقد شرح البيان الختامي للمؤتمر الحاجة العاجلة إلى 414 مليون دولار للإغاثة الإنسانية، ثم 2,1 مليار دولار لتعافي الاقتصاد في المرحلة الأولى، إضافة إلى 4,2 مليار دولار، التكلفة المبدئية لإعادة الإعمار، وأعلنت الدول المانحة موافقتها على خطة حكومة الوفاق الوطني بشأن إعادة الإعمار، وضرورة أن يواكب ذلك
دعم موازنتها نفسها للتنمية في الضفة الغربية.

آلية الأمم المتحدة لإعادة الإعمار – الإجراءات المعقدة والانتظار اللامتناهي

في 16 سبتمبر من العام 2014، أعلن السيد روبرت سيري، منسق الأمم المتحدة الخاص السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، عن آلية الأمم المتحدة لإعادة إعمار غزة، وأوضح أن الأمم المتحدة وإسرائيل والسلطة الفلسطينية قد توصلوا إلى اتفاق يسمح ببدء العمل في إعادة إعمار قطاع غزة، بوجود رقابة دولية على استخدام المواد، وبمشاركة القطاع الخاص، مع إعطاء السلطة الفلسطينية دوراً قيادياً في جهود إعادة الإعمار، وكشف السيد سيري أن الاتفاق يقدم الضمانات الأمنية من خلال آلية للرقابة على المواد، للتأكد من استخدامها بالكامل لأغراض مدنية. وأشار أن آلية إعادة الإعمار المؤقتة خطوة هامة تعطي الأمل للشعب الفلسطيني في غزة، ويأمل أن ترفع إسرائيل الإغلاقات للمناطق المتبقية في غزة.

هذا الاتفاق يقدم الضمانات الأمنية لإسرائيل، من خلال آلية للرقابة على مواد البناء المدخلة لقطاع غزة، للتأكد من استخدامها بالكامل لأغراض البناء فقط، لكن الأمم المتحدة كانت تتأرجح بين الحاجة إلى التخفيف من صعوبة الأوضاع الإنسانية، وبين كيفية تقديم ضمانات أمنية لإسرائيل، وترمي الخطة إلى توزيع العشرات من المراقبين الدوليين في قطاع غزة ، لمراقبة مناطق إعادة الإعمار الأساسية، كالأحياء السكنية، أو المباني العامة الكبيرة، وسيتم توزيع هؤلاء المراقبين عند
“مواقع تخزين مواد البناء كالإسمنت والخرسان والمواد الثنائية الاستخدام، كالأنابيب المعدنية، أو القبضان الحديدية، وكذلك عند مواقع “ركن الجرافات، وغير ذلك من المعدات الميكانيكية الثقيلة “، وتقضي مهمة المراقبين الدوليين بضمان أن
مواد البناء والمعدات الميكانيكية الثقيلة يتم استخدامها لإعادة بناء غزة فقط، وليس من قبل حركة حماس لحفر الأنفاق، وبناء الملاجئ تحت الأرض. الخطة التي قدمها السيد سيري لإعادة إعمار غزة، تقوم على تسهيل دخول جميع مواد إعادة
الإعمار، وتتضمن الآلية رقابةً وفق نظام حاسوبي، تشرف على إدخال واستخدام جميع المواد اللازمة لإعادة إعمار القطاع، ووفقاً لمسئولين فلسطينيين كبار، فإن السلطة قبلت بالخطة، لأنها تسهم في تسريع إعادة الإعمار، وتقدم ضمانات للدول
المانحة في شأن هذه العملية، أضاف إلى تشجيعها على تقديم العون اللازم لإعادة الإعمار في المؤتمر المقبل، وفي الوقت ذاته طالبوا برفع الحصار كاملاً عن قطاع غزة.

وتشير المعطيات المتاحة إلى أن إدخال مواد البناء سيتم عبر ثلاث قنوات:

1- متابعة دخول المواد المخصصة للمشاريع في القطاع، وتخزينها في مخازن خاصة للحراسة على مدار الساعة، مع وضع كاميرات مراقبة تشرف عليها إسرائيل.

2- إدخال المواد لفائدة إعمار البيوت المهدمة، عبر مقاولين معروفين، وبعد تقديم كشوفات مفصلة عن الكميات والأمكنة، وتمنع مصر وإسرائيل إدخال الأنابيب الحديدية، ويتم استبدالها بأنابيب بلاستيكية .

3- تشكيل طاقم خاص من الخبراء والمهندسين، بهدف فحص المواد ذات الاستخدام المزدوج، ومنع وصولها للقطاع

تفاصيل ألية الأمم المتحدة لإعادة الإعمار

آلية الموافقة على إعادة بناء أي مبنى تم تدميره يحتاج إلى رفع ملف طلب من التضرر عبر وزارة الشئون المدنية إلى اللجنة المختصة التي تم الاتفاق عليها بين السيد / رئيس الوزراء والإدارة المدنية في نوفمبر 2014، بحيث يتم عرض أي طلب
على هذه اللجنة والتي تتكون من مندوبين من (رئاسة الوزراء ، وزارة الشئون المدنية ، الإدارة المدنية الاسرائيلية– مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع )، وهذه اللجنة تقوم بدراسة الطلبات الخاصة بإعادة البناء للمباني المدمرة أو إقامة مباني جديدة بحيث تكون شاملة لكافة البيانات المطلوبة وهذه الطلبات تمر بالآلية التالية:

1. استلام الطلبات المكتملة لكافة المعلومات المطلوبة من حيث اسم المستفيد – اسم المقاول – إحداثيات موقع البناء – إحداثيات شركة المقاولات – مدير المشروع – أرقام هويات وجوالات كافة العاملين الاساسيين في المشروع –كشف يوضح كميات المواد اللازمة لإعادة البناء – كشف آخر يحدد المواد ثنائية الاستعمال -عدد مراحل التنفيذ ………. الخ ويتم وضع المشروع للدارسة من قبل أعضاء اللجنة .

2. بعد استلام الطلبات واستيفائها لكافة المعلومات المطلوبة يتم إدراجها وتحميلها في الموقع الالكتروني الخاص بذلك للدراسة من قبل اللجنة المختصة Uploading of Information Underway

3. بعد إدراج المشروع في الموقع يتم وضعه للبحث Under Consideration

4. بعد ذلك يعطي المشروع أو المبنى في حال الموافقة على استكمال الملف موافقة مبدئية Approved in principle .

5. تعيد اللجنة بحث المشروع في وضعه النهائي حيث يتم اعتماد الموافقة Fully confirmed وعندها يكون المشروع أو المبنى قد تمت الموافقة عليه وأنه بإمكان صاحب المشروع أو المبنى المراد إعادة بنائه أو إقامة مبنى جديد ويعطى الموافقة
لشراء مواد البناء اللازمة لإعادة بناء المبنى أو المشروع من التجار المعتمدين .

6. يقوم المواطن بإبلاغ مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع UNOPS بأنه جاهز للتنفيذ وشراء المواد ، حيث يكون قد تم التعميم على الجميع من خلال موقع خاص على الإنترنت grm.report بالمراحل التي مر بها المشروع .

7. يقوم مندوب من مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع UNOPS بزيارة الموقع والاطلاع على التجهيزات الخاصة بعملية المراقبة لإعادة البناء ويعطي موافقة لإعادة البناء ، ويعطي تعليماته من خلال موقع GRM بأن المشروع أصبح نشيط Active
وعندها فقط يكون صاحب المشروع له الحق في شراء مواد البناء بموجب الكشف المقدم مسبقا وحسب مراحل العمل التي تم الموافقة عليها من خلال تجار مواد البناء المعتمدين من الجانب الإسرائيلي .

8. عند البدء الفعلي بإعادة البناء تبدأ عملية مراقبة استهلاك مواد البناء ضمن برنامج الكتروني خاص يشرف عليه مكتب الأمم المتحدة السابق ذكره في البند (6) للتأكد من أن مواد البناء تستخدم لإعادة إعمار المشروع أو المبنى فقط…. وفي
معظم الحالات يتم تعيين مراقب من مكتب الأمم المتحدة في موقع المشروع لرفع تقارير يومية من أجل ضمان عدم تسرب الإسمنت أو مواد البناء لاماكن أو لأغراض أخرى !!

تقييم آلية الامم المتحدة لإعمار قطاع غزة :

وجهت آلية الامم المتحدة للرقابة على إعادة إعمار قطاع غزة بالكثير من  الانتقادات القوية و من جهات متعددة، حيث وصفت بأنها اتفاقية سياسية تمنح الحصار غطاءً دولياً و أن الامم المتحدة تستبدل دور الاحتلال الاسرائيلي في محاصرة قطاع غزة فهي تتعدى كونها آلية لإدخال مواد الإعمار ، كذلك بأنها فاقمت من معاناة السكان المدنيين، خاصة أصحاب البيوت المدمرة، ،حيث تشترط معرفة المتضررين والجهة المنتفعة من الإسمنت، وتحدد الموزعين من نواح أمنية، علاوة عن أن هناك تجار ممنوعين أمنياً من استلام الإسمنت وتوزيع. كان سكان القطاع ينتظرون أن تقوم الأمم المتحدة بدورها في دعم الاحتياجات اللازمة لإعمار قطاع غزة دون عراقيل، بدلاً من مراقبتها لدخول مواد البناء. هذه الآلية معيقة ومعرقلة لجهود إعادة الإعمار، سيما وأنها ستطال مشاريع إعمار استراتيجية، يتوجب في مناطق مختلفة من قطاع غزة، علاوة علي أنها لم تأخذ بعين الاعتبار احتياجات الإسكان في القطاع لفترة ما قبل الحرب الاخيرة . فقد نشرت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية تقريراً عن أسباب التأخر في إعادة إعمار القطاع، والتي تعود لأسباب كثيرة، منها الحصار “الإسرائيلي”، والآلية المتبعة وفقا لخطة المبعوث الأمم المتحدة السيد “روبرت سيري” التي اعتبرتها الصحيفة قد تشكل نافذة لانتشار الفساد والرشوة بين الشخصيات المتنفذة والمسئولة عن إيصال مواد الاعمار، من ناحيتها نشرت مؤسسة “أوكسفام” الخيرية تقريراً أفادت فيه أنه رغم التعهدات بدفع مبلغ 5.4 مليار دولار أمريكي خلال مؤتمر المانحين، والوصول إلى اتفاق بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” والأمم المتحدة، للسماح بإدخال مواد البناء إلى قطاع غزة، إلا أنه لم يتم إدخال سوى كميات قليلة من مواد البناء، وتلاحظ “أوكسفام” أنه حتى لو تم توظيف الآلية بالكامل، فهذا لن يكون كافيا لتلبية الاحتياجات الهائلة للسكان في غزة، وشددت المؤسسة علي الجهات المانحة والمجتمع الدولي بأن لا يسمح لآلية إعادة الإعمار أن تكون بديلا عن وضع حد للحصار،

وقد انتقد مؤلف هذه الورقة و العديد من منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص بشدة هذه الآلية فور الإعلان عنها، واعتبر المركز أن الآلية تعتبر مأسسة للحصار وغطاءً دولياً له، كما اعتبرها بمثابة انها تعمل على تدويل الحصار و تحول الامم
المتحدة من راع لحقوق الشعوب إلى شركة مقاولات و حراسات دولية باهظة التكلفة ، كما يعتقد أن هذه الألية سوف تفاقم معاناة السكان المدنيين، خاصة أصحاب البيوت المدمرة، ولن تساهم في إعادة الإعمار.
ونظراً لأنّ الآلية لم تحقق نتائج فعلية علي الأرض وفاقمت من الظروف الإنسانية في القطاع، باشرت بعض الدول من الانسحاب من الاتفاقية، حيث انسحبت  قطر من هذه الاتفاقية علماً بأنها رصدت 250 مليون دولار في مؤتمر المانحين
بالقاهرة لمشاريع الإعمار في غزة، ساهمت آلية الأمم المتحدة قد ساهمت في تفاقم حالة الغضب والاحباط بين قطاعات مختلفة من الناس والأحزاب السياسية، ووجه الناس غضبهم وسخطهم في وجه الأمم المتحدة، ففي زيارة لروبرت سيري إلى القطاع في 11 ديسمبر 2014 فقد تم مواجهته من قبل مجموعة من الشباب الساخط والناس التي أصبحت بلا مأوى، مما دفعه إلى مغادرة القطاع على الفور.

  • اشتكي العديد من المواطنين الذين تسلموا حصصهم من مواد البناء، أن كمية الإسمنت المخصصة لهم لا تفي باحتياجاتهم الحقيقية ولا تكفي لترميم منازلهم، مما اضطر العديد منهم إلى بيع الكمية المحدودة التي استلموها في السوق السوداء لحاجتهم للسيولة النقدية وعدم كفاية مواد البناء، هذه المواد يعاد بيعها مرة أخرى لمحتاجين آخرين بأسعار مضاعفة عدة مرات، وتم استثناء باقي الشرائح الأخرى، بمن فيهم أصحاب المنازل والمنشآت المدنية الأخرى المدمرة كلياً، فيما لم تدرج أصلاً المشروعات الإنشائية الخاصة ضمن الآلية. على الصعيد الأخر فإن التجار وشركات مواد البناء يواجهون الكثير من المشكلات، تبدأ بالفحص الأمني والموافقة الإسرائيلية، والرقابة الشديدة على مراكز توزيع الاسمنت، وإغلاق مراكز توزيع بيع الإسمنت،
  • التضارب في الادوار بين الجهات المتعددة أدى إلى هدر الطاقات البشرية و أموال المانحون و تأخر عملية الإعمار، هذا كان واضحاً في الحربين السابقين، إعادة الاعمار كانت ستمثل فرصة تاريخية لتمكين السلطة الوطنية في قطاع غزة وإرساء عملية تشاور بين المانحين والسلطة الفلسطينية من جهة، وبين المنظمات الفلسطينية خاصة حماس والجهاد الإسلامي من جهة أخرى، وذلك لإدارة عملية الإعمار بشفافية ومصدقيه ووفق لجدول زمني محدد.
  • إن الطريقة المتبعة حاليا يجعل من احتمالية حدوث جولة قتال جديدة قد تندلع في أية لحظة أمراً متوقعاً، نظراً لما خلفته هذه الآلية من فشل لإعادة إعمار القطاع، وما نتج عنها من تفاقم الأزمات الإنسانية، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، بما قد يجعل من غزة منطقة خصبة لتفشي التطرف والفوضى في المجتمع الغزي.

عملية إعادة الاعمار .. الفرصة الضائعة :

ثبت بالدليل أن آلية الامم المتحدة فشلت في مواجهة تحديات ما بعد الحرب فقد شرعنت الحصار على قطاع غزة. إعادة إعمار قطاع غزة كانت فرصة تاريخية يجب استغلالها من كل أطياف اللون السياسي الفلسطيني و ذلك من خلال المشاركة الفاعلة
و الكاملة للسلطة الوطنية الفلسطينية و القوى السياسية بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي و منظمات المجتمع المدني . حيث بالإمكان تحقيق نتائج فعلية في كلا الاتجاهين، الأول إعادة الإعمار ستكون فرصة لتنفيذ خطة وطنية شاملة تتجاوز البعد الاقتصادي والإسكاني في بناء ما تم تدميره وتعويض المتضررين، لتشمل كافة الأبعاد السياسية والاجتماعية، بما فيها تحقيق المصالحة والوحدة الوطنية، الثاني من الممكن أن تكون عملية إعادة الإعمار وسيلة لتعزيز وبناء الثقة بين
الإسرائيليين والفلسطينيين، للبدء بمفاوضات جدية فورية، والوصول إلى تهدئة طويلة الأمد، إذا تم توظيف هذه الوسيلة في إعادة اعمار القطاع.

ولتكون عملية الإعمار جدية ووطنية، كان من المفترض تشكيل مجلس أعلى للإعمار يضم ممثلين عن المؤسسات الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي والمجتمع المدني)، وممثلين عن المتضررين، والقطاع الخاص، وممثلون عن دول إقليمية ووكالات الأمم المتحدة، للإشراف على عملية إعادة إعمار القطاع، ويكون مسؤولاً عن تسهيل عملية الإعمار، ومراقبة مواد البناء للحد من مخاوف إسرائيل من أن يؤدي هذا التخفيف إلى إعادة تسليح حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وإعطاء الضمانات لإسرائيل في هذا الجانب، ويضمن هذا المجلس توزيع فوائد إعادة الإعمار توزيعاً عادلاً على سكان القطاع استناداً على مبدأ الحاجات القائمة الانتماء السياسي، والمطالبة لاستكمال تنفيذ المشاريع القطرية والحفاظ على انسياب دخول مواد البناء عبر معبر رفح البري، بسبب عدم قدرة معبر كرم أبو سالم على تلبية متطلبات إعادة إعمار الدمار.

بالإضافة إلى ذلك، على الصعيد المحلي، يجب أن تكون عملية الإعمار عادلة، وهذا يتطلب عدم السماح لشركة واحدة في احتكار توزيع مواد البناء، والسماح لكافة التجار بالتنافس على شراء مواد البناء وفقاً لإمكانيتهم المالية والإدارية.
وعلى المانحين الوفاء بالتزاماتهم المالية، وفقاً لما تم الإعلان عنه في مؤتمر القاهرة والتحذير من تكرار سيناريو مؤتمر شرم الشيخ ذلك مصلحة لكل الأطراف. وأخيراً، على المجتمع الدولي وضع الضمانات الكافية بعدم تدمير ما يتم إعادة
بناؤه.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى