الحلقة الاذاعية الثانية: الاحداث وثقافة اللاعـنـف

الحلقة الاذاعية الاولى: “اللاعنف والصراعات المجتمعية”
19 مايو، 2019
بال ثينك تفتتح تدريباً ضمن مشروع “التجمع الفلسطيني من أجل ثقافة اللاعنف”
13 يونيو، 2019

الحلقة الاذاعية الثانية: الاحداث وثقافة اللاعـنـف

 

ضمن مشروع “تجمع المؤسسات الأهلية من أجل نشر ثقافة اللاعنف” والممول من مؤسسة FXB الفرنسية ، بال ثينك تنفذ ثاني حلقات البرنامج الإذاعي ” اللاعنف منهج حياة” ، والذي يهدف الى نشر وتعزيز ثقافة اللاعنف في المجتمع الفلسطيني.

في ظل كل ما تعانيه مراكز التوقيف والسجون في قطاع غزة من اشكاليات تقلل من فعالية التأهيل والاصلاح المقدم لهم، هناك فئة من المحتجزين تدفع فاتورة مضاعفة، هي ما تعرف بالأحداث وهم الأطفال دون سن الثامنة عشر وعلى خلاف مع القانون، فإلى جانب الظروف السيئة التي يعانونها إثر احتجازهم في مراكز تأهيل “بحاجة إلى التأهيل بحد ذاتها” فهم في مرحلة عمرية حساسة تتبلور وتبنى فيها شخصياتهم، وبالتالي ستنعكس عليهم كل الأجواء السلبية الموجودة في قطاع السجون، من احتكاك مباشر مع مرتكبي الجرائم الكبار، وسوء في الخدمة والبرامج التأهيلية، إلى جانب الوصمة التي سيحملونها معهم خلال محاولاتهم للإندماج مع المجتمع وغيرها من الأجواء السلبية التي تسهم في انهيار الهدف الذي من أجله أرسل الحدث للمركز التأهيلي وتمنعه من انتهاج سلوك لاعنفي في حل خلافاته مع الآخر.

ولما لهذه القضية من أهمية في مشهد مجتمعي خالٍ من العنف تهدف لتعزيزة مؤسسة بال ثنيك ضمن مشروع “تجمع المؤسسات الأهلية من أجل نشر ثقافة اللاعنف”، جاءت محاور الحلقة الثانية التي تنفذها بالشراكة مع راديو ألوان لتناقش “تأهيل الأحداث وتعزيز مفاهيم اللاعنف لديهم”.

إن أسوأ ما قد يكتسبه الحدث نتيجة وجوده مع نزلاء كبار في مراكز التوقيف هو الخبرة الإجرامية التي تساعده وتشجعه على العودة لارتكاب الجنحة مرة أخرى هذا ما ذكره المحامي والباحث القانوني عبدالله شرشرة، مضيفا أن عدم التصنيف للمتهمين ليست الإشكالية الوحيدة التي تعاني منها هذه المراكز بل أن سوء ظروف الرعاية فيها يعتبر امتهان للمتهمين الذين لما تثبت إدانهم، وقضاءهم وقتا في هذه المراكز ذات البيئة السئة تمثل بحد ذاتها جزءا من عقوبته.

وتعاني الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل، بحسب شرشرة، من فهم بدائي في ما يتعلق بالتثقيف والتعليم مما لا يسمح للحدث باستكمال تعليمه وزيادة وعيه وصقل مهاراته بشكل يساعده في الانخراط مع مجتمعه بعد قضائه مدة محكوميته، كما أن القانون الخاص بتنظيم السجون رغم كفاءته ومعالجته للكثير من الإشكاليات إلا أنه بحاجة إلى تفعيل وتطبيق على الأرض لتغيير الواقع الذي يعيشه الأحداث.

أما الأخصائية النفسية سمر قويدر قالت أن الهدف من احتجاز الحدث داخل أسوار مركز التأهيل هو وضعه ضمن بيئة إيجابية وإصلاحية يتفاعل معها ليصبح انسانا أفضل لذلك يشترط أن يتقبل النزيل/الحدث البيئة تفسيا ليستجيب مع البرنامج التأهيلي ويجب أن يتقبل الحدثُ الشخصَ القائمَ على تقديم الرعاية له وألا تكون العلاقة بينهم علاقة الجلاد والمجلود، وأن يكون البرنامج التاهيلي مدروسا ومرنا ومعدا بحيث يقدم الرعاية المناسبة لكل حدث مراعيا الاختلافات الفردية بينهم والبيئة التي جاء منها كل واحد منهم، منوهة على ضرورة متابعة تطور كل حدث واستجابته للرعاية النفسية المقدمة له.

أما حول أثر البيئة المحيطة بالأحداث، فيقول الباحث شرشرة أن العبء النفسي والاجتماعي والوضع العام في قطاع غزة أدى إلى تزايد تنبي العنف من قبل الأفراد إجمالا فنحن بحاجة إلى الإلتفات لهذه البيئة وإصلاحها لتعزيز مفاهيم اللاعنف بين أفراد المجتمع أولا ومن ثمة محاربة النزعة الإجرامية لدى الأحداث، معرجا على أن الطفل الفلسطيني ينشأ على سيادة الحكم العشائري على حساب سيادة القانون، وهذا ينعكس على مستوى ارتكاب الجرائم بسبب سهولة الحل العشائري، مؤكدا أنه إذا أردت تعزيز مفاهيم اللاعنف لدى الحدث عليك أولا تحليل البيئة العامة التي أدت إلى خلق بيئته الخاص “الأسرية” التي مهدت بدورها إلى ارتكابه الجنحة.

كل هذه العوامل تعمل على نسف البيئة الإيجابية المعززة للأساليب اللاعنفية في السلوك، هذا ما أكدته قويدر، إلى جانب عامل الاستعداد لارتكاب الجنحة الموجود لدى الطفل الذي يعزز إن كانت البيئة والتنشئة سلبية، وضعف المتابعة والتقويم المستمر لسلوك الطفل الذي ينمي النزعة إلى العنف، مضيفة أن معالجة هذه النزعة تبدأ بأن يفهم الطفل أن وجوده في المركز التأهيلي ليس بغرض العقاب إنما للتأهيل وهنا يجب أن نتعامل مع ارتكابه للجنحة بأنها نتيجة للظروف التي مر بهه وليس كأنه مجرم، وبناء على هذه الرؤية نبدأ بعملية التأهيل اطلاقا من الاستقبال الأول للحدث بحيث ألا يتعرض للعنف خلاله، ومن ثم نطمئن الحدث الهدف من وجوده هنا وهو التأهيل لا العقاب، ليعود من بعدها للانخراط مع مجتمعه شخصا أفضل مما هو عليه الآن، وذلك لنضمن تقبله للبرنامج التأهيلي الذي سيخضع له في المركز, وبعدها نحرص على مراقبة سلوك الحدث مع أقرانه في المركز وقياس استجابته لمفاهيم اللاعنف وتطبيقها في حل الخلافات بينهم، ولا بد من متابعة سلوكه بعد اطلاق سراحه. بالإضافة إلى ضرورة ادماج المهارات الحياتية والمهنية التي تساعد الاحداث على تمكين انفسهم اقتصاديا بعد خروجهم من المراكز.

ولكن هل يقبل أصحاب المحال على اختلاف مجالات عملها تشغيل الأحداث بعد قضائهم مدة تأهيلهم..؟؟ هذا ما سأله فريق الاعداد لعينة من أصحاب المحال لاستطلاع آرائهم، وكانت إجابات 70% منهم أنهم لن يقبلوا بهم وذلك لعدة أسباب أولها الخوف من عودة الحدث لارتكاب الجنحة مرة آخرى، والخوف من الإضرار بمصلحة العمل، وتجنبا للمشاكل التي قد تنجم إن حاول الغارمون من الحدث القصاصَ منه، وبعضهم أرجع رفضه بأن ذلك لا يتناسب مع سياسة العمل، وآخرون رفضوا صيانة لسمعة المحل، أما 30% ممن استطلعت آراءهم وافقوا على اعطاء الحدث فرصة عمل اشترطوا ذلك بمعرفة نوع الجريمة مع فرض رقابة ومتابعة عليه.

وهنا اتفق ضيوف اللقاء على أنه يجب العمل على تحسين الصورة النمطية للأحداث المؤهلين مجتمعيا لضمان عدم عودتهم لاتباع الاساليب العنفية، وأضافوا أنه من الممكن اتباع أساليب تأهيلية بديلة عن العقوبة ابداعية من خلال اخراطهم في الخدمة المجتمعية أو إلزامه السكن في منزله على سبيل المثال إن كانت فترة محكوميته قصيرة، أما الأحداث ذوي المدد الطويلة فيجب الحرص على اخضاعه لبرامج تثقيف وتدريب مهني كي يخرج انسانا مختلفا، أو استبدال عقوبته السالبة للحرية بإلزامه التطوع بدار للمسنين –على سبيل المثال- لمدة تساوي مدة محكوميتة، وهذا يعزز لديه الشعور بأن المجتمع سيغير نظرته تجاه بناءً على سلوكه الجديد.

كما أوصى الضيوف بأن تقوم جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية بدورها في تحسين ظروف الأحداث وتأهيلهم ليصبحوا أفراد فاعلين في المجتمع.

Comments are closed.