28 أغسطس، 2019
ﻏﺰﺓ– نظمت بال ثينك للدراسات الاستراتيجية جلسة حوارية في نشاط عنوانه “تجارب دولية في اللاعنف والسلم الأهلي” والذي يأتي ضمن مشروع التجمع الفلسطيني من أجل نشر ثقافة اللاعنف؛ والذي تهدف بال ثينك من خلاله الى نشر ثقافة اللاعنف في المجتمع الفلسطيني.
هذا وعقدت بال ثينك جلستين عبر السكايب وحضر 85 من قادة وممثلي المجتمع المدني والأكاديميين بالإضافة إلى نخبة من طلبة الجامعات والصحفيين والمحللين السياسيين؛ استضافت بال ثينك في الجلسة الأولى السيد غوران بوتشيفيتش وهو ناشط سلام من كرواتيا؛ ويعمل السيد بوتشيفيتش في مجال اللاعنف وبناء السلم الأهلي في المجتمع المدني الكرواتي منذ العام 1993؛ هذا ولديه باع طويل من الخبرة الميدانية والتثقيفية في مجال العمل السلمي والوساطة بين الأطراف المتنازعة.
أفتتح الجلسة مدير بال ثينك للدراسات الاستراتيجية السيد عمر شعبان، وأشار شعبان الى دور بال ثينك في معالجة قضية بناء السلم الأهلي بين مكونات المجتمع الفلسطيني، والمضي قدماً بعجلة المصالحة الفلسطينية؛ ويتجسد ذلك في العديد من الجهود والانشطة التي هدفت بال ثينك من خلالها الى نشر ثقافة الحوار، حل النزاع، المصالحة المجتمعية والوطنية في المجتمع الفلسطيني. جدير بالذكر أيضاً دور بال ثينك في مقترح الورقة السويسرية، العمل المستمر مع الشباب والمرأة، والأهم هو الدور الفعّال في التشبيك وتسهيل التعاون فيما بين المؤسسات الأهلية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
دامت الجلسة الأولى لمدة ساعة وقدم السيد بوتشيفيتش ملخصاً يوضح فيه تجربته في المجتمع المدني في سبيل بناء ثقافة اللاعنف والعمل مع متطوعي وفرق السلم الأهلي، تضمن ذلك: بيئة الصراع في كرواتيا، الأطراف المؤثرة والمتأثرة بالنزاع، آليات بناء السلام التي تم إتباعها، والدروس المستفادة. أكد بوتشيفيتش أن قضية اللاعنف ليس من القضايا التي يسهل مواجهتها او اتباعها كأسلوب حياة، بالضرورة تطبيق المنهج اللاعنفي على أرض الواقع يحتاج الى مجهود عظيم وعمل دؤوب.
إضافة لذلك، ناقش بوتشيفيتش الصراع في كرواتيا والتي كانت جزء من يوغسلافيا مع خمس جمهوريات أخرى، في العام 1991، حدث انهيار لأسباب داخلية وخارجية أدى الى انقسام كبير بين هذه الدول، ولقد كان الخوف الأكبر ليس من الانقسام نفسه وإنما من تداعيات هذا الانقسام؛ حيث كان هناك حديث عن حرب طاحنة مع الصرب، وتوجهت كرواتيا نحو التدخل بالحرب ضد الصرب بالرغم من طلب الشعب إلى نبذ الحرب والاتجاه نحو السلام، وأعتُقد آنذاك أن ذلك يساعد في جعل كرواتيا دولة ذات سيادة، وبالتأكيد سوف يُكسبها مكانة بين الدول الأخرى الكبرى. يرى السيد بوتشيفيتش وقد عمل على دعم المصالحة والسلم الأهلي بكرواتيا أكثر من 20 سنة، أن القيادة السياسية لا تريد المصالحة وذلك للمحافظة على مصالحها المالية ومناصبها الإدارية؛ بينما يدفع المواطنون البُسطاء الثمن وتستفيد النخبة السياسية من الانقسام.
في العام 1995، قامت كرواتيا بحملة عسكرية كبرى و حررت المناطق المحتلة من أراضيها والتي يتواجد فيها الصرب وأصبح يوم الخامس من أغسطس من كل عام هو عطلة سنوية احتفالاً بالاستقلال الكرواتي. بالرغم من الانتصار العسكري العظيم ونيل الاستقلال، يرى السيد بوتشيفيتش أن كرواتيا لم تحقق أي انجاز وذلك لان الانتصار العسكري لم يحقق أي نجاح على الصعيد التنموي لكرواتيا، ورغم أن كرواتيا استطاعت الانضمام الى الاتحاد الأوروبي في العام 2013، إلا أنها دولة ذات اقتصاد ضعيف و يستشري فيها الفساد.
أشار السيد بوتشيفيتش ومن خلال خبرته بالعمل مع المدنيين ممن تعرضوا للتعنيف في حياتهم، هناك نوعين من الناس ممن يتعرضون للعنف، النوع الاول يتمسك بدور الضحية وتصبح حياته متمركزة حول المعاناة، بينما النوع الآخر يتمثل في أولئك الذين يخرجون من عباءة الضحية الى الفاعلية والمساهمة في تطوير مجتمعاتهم، وهذا ليس سهل ابداً.
متحدثاً عن اللاعنف، أوضح السيد بوتشيفيتش أن اللاعنف هو منهج حياة، هو كيف تتعامل وتنظر الى نفسك؛ لكنه ايضاً يشير أنه لا يدّعي ان ثقافة اللاعنف هي الترياق لجميع مشاكل الفلسطينيين، فإن اللاعنف والسلم الأهلي ليست مفاهيم يتم تسويقها أو بيعها بين أوساط المجتمع المدني من أجل التنظير، وأنه فقط يشارك رحلته في بناء السلام في بلده، ويقول “عندما يسألني الناس ماذا حققت خلال رحلتي التي دامت أكثر من 20 عاماً في نشر ثقافة اللاعنف، اقول: ان كنت لم أحقق الا شيئاً واحد فهو مقابلة والتقاء ناس رائعين حول العالم، فإن اللاعنف هو العمل على المستوى الفردي البسيط وليس من خلال مؤسسات الصفوة والمناصب السياسية.
أسئلة الحضور:
– هل يعكس حديث الباحث تجربة فردية محضة ام كان هناك عمل تشاركي شمل التعاون مع المؤسسات الأهلية والحكومية؟
بين السيد بوتشيفيتش أننا كأفراد لدينا طاقة كبرى ونستطيع إنجاز الكثير؛ لكن أن يكون الفرد جزء من عمل جماعي هو الأساس، التعاون والتضامن هو جوهر وروح العمل من أجل اللاعنف والسلم الأهلي؛ خاصة اذا كان هذا العمل الجماعي مبني على أساس الاحترام المتبادل وليس المصالح الشخصية. إضافة لذلك، إن جهود ومبادرات نشر السلام موجودة في كل مكان من العالم، دائماً يوجد من يعملون في هذا الاتجاه، حتى وإن لم يكن ذلك جلياً في وسائل الإعلام الرئيسية. إنه من المهم بمكان ان يتم اشراك من تعرضوا ومن ساهموا في العنف في نشر السلام كونهم أصحاب تجربة، ومن الأخطاء في مبادرات نشر السلام هو اللجوء الى نبذ الطرف الآخر وعدم امتلاك القوة والقدرة للتحدث مع من يخالفونك الرأي أو يصنفون كأعداء.
– بالرغم من عدم وجود سياسات حكومية لأجل المصالحة الوطنية، هل يمكن القول أن كرواتيا كانت في حال أفضل في الماضي مما هي عليه اليوم؟
في الحقيقة نعم، لا توجد أي سياسات عامة سعت نحو تحقيق المصالحة الوطنية في كرواتيا، وإن الكثير ممن حاربوا من أجل كرواتيا كان لديهم آمل أن بلادهم سوف تعم بالاستقلال والرخي الاقتصادي والاجتماعي؛ يشعرون اليوم بخيبة امل كبيرة، لكونهم أرادوا كرواتيا دولة ديمقراطية، أفضل مما هي عليه الآن.