في متابعة لمسألة العنف ضد الطفل وللبحث عن سبل علاجه، تسلط مؤسسة بال ثينك الضوء على المناهج الدراسية في فلسطين ومدى انسجامها مع مفاهيم اللاعنف وتعزيزها له ممارسة وتطبيقا بين الجيل الجديد، مستضيفة كلا من الكاتب والباحث د. ناصر اليافاوي، ومنسق البرامج والمبادرات في مركز بناء الشبابي خالد أبو جامع.
في البداية ذكر د.ناصر أن عملية تطوير المناهج الدراسية في فلسطين عملية مستمرة وكان آخرها قبل سنتين، يهدف تعزيز فلسفة السلام والحوار وتقبل الآخر سياسيا، وإثنيا وعرقيا، ودينيا، مشددا أنها تحاكي التقبل الديني بشكل مطلق بحيث لا تخون ولا تكفر ولا تعزز مفاهيم الكراهية، فتجد في مبحث المواد الاجتماعية للصف الثاني عشر درسا يتحدث عن وصية الصحابي أبو بكر الصديق “لا تقتلوا طفلا، لا تقلعوا شجرة، لا تقتلوا شيخا، لا تقتلوا امرأة”، وتجد أيضا مبادئ القانون الدولي التي وضعها المفكر هنري كونان في أعقاب معركة سولفرينو: “التسامح، عدم التمييز، الكرامة، الانسانية”، إضافة إلى جملة المبادئ التي نص عليها القانون الدولي والصليب الأحمر وواقع السلام والحقوق الدولية التي نص عليها في مؤتمر روما، هذا ما ينشأ عليه الطلاب الفلسطيني ويراه في مناهجه الدراسية، على عكس ما تجده على الطرف الآخر في المناهج الاسرائيلية مثل زراعة فلسفة الحقد وبنائه على بعد توراتي، وهذا ما أعلنه دكتور في جامعة بار إيلان عندما وجد نصا مجتزءا من التلمود يدرس في منهج الصف الخامس (الذي يعتبر طلابه في سن التمكين) النص يقول :”اذا دخلتم القرية اقتلوهم امحوا تصاويرهم دمروا مدنهم فإن استبقيتم منهم احد سيكونوا مناخز في جنوبكم”، الدكتور أجرى احصاءً اجرائيا وعرض اسطورة يوشع بن نون على طلاب السنوات الدنيا وسألهم هل تؤيدون قضاءه على الفلسطينيين وكانت النتيجة صادمة بتأيدهم للفعل بنسبة مئة بالمئة.
وقال اليافاوي ان المدارس بصفتها احدى المؤسسات المتخصصة بالتنشئة الاجتماعية ليست وحيدة بهذا المجال فالطفل يختزن العنف الممارس عليه من كل المؤسسات الأخرى ابتداء من الأسرة النووية إلى الاسرة الممتدة إلى المسجد إلى الشارع والمجتمع وصولا إلى المدرسة وليس انتهاء بها، فتجد الطفل يستخدم العنف اللفظي والجسدي مع زملائه الأضعف منه، بل وتلاحظ بعض الممارسات مثل الخربشة على المرافق الخاصة بالمدرسة من مقاعد وطاولات وحوائط، والطفل بهذه الممارسات يعاقب المدرسة كنتيجة للكبت الداخلي، مضيفا أنه لا يمكن تحميل المنهاج الدراسي وحده تبعات كل هذه الممارسات وكل العنف الذي يتعرض له الطفل.
ونوه إلى أن عملية وضع المنهاج الدراسي تخضع لعدد من المعايير أهمها محاكاة الواقع فلا يجوز أن تناقش مناهج قطاع غزة الواقع المعاش في الاتحاد السوفيتي، بل يجب ان تنسجم مع بيئة المتعلم وتعزز قيم وأخلاق ومواطنة الفلسطيني وواقعه الاجتماعي، معقبا أن المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئبن الفلسطينيين اصدرت مؤخرا تعميما يمنع تعنيف الطلاب لفظيا إلى جانب منع التعنيف الجسدي الذي كان في السابق، وهذا الأمر مطبق في مدارس وزارة التربية والتعليم الحكومية، وهذا يدل على الانسجام بين المنهج ومقرر المنهج ومنفذه داخل الحجرة الصفية، أما بالنسبة للعنف الذي يأتي كإفراز مجتمعي فنحن بحاجة لخطة عمل وجهد نهضوي تبدأ من رياض الأطفال حتى الجامعات.
ومن جانبه تحدث خالد أبو جامع عن المبادرة التي نفذها مركز بناء الشبابي بالشراكة مع بال ثينك تحت عنوان “معا لتعزيز ثقافة اللاعنف لدى طلبة المدارس”، التي جاءت فكرة تنفيذها بعد ملاحظة وجود وتزايد نسب العنف المدرسي بين الطلاب أنفسهم، فقرر المركز تقديم مبادرته على شكل نشاط لامنهجي خارج القاعات المغلقة لتحقيق أهداف أهمها زيادة احترام الطلبة لحقوقهم فيما بينهم من خلال تعزيز التسامح والعفو والتعاون والمحبة ونبذ الأنانية التي تقود في ما بعد إلى العنف، مضيفا أن تراكم وكبر المنهج الدراسي والقاعات المغلقة والمكتظة بالطلاب عوامل تقيد المعلم بجدول زمني وتحد من دوره في تعزيز ممارسات اللاعنف لدى الطلاب.
وذكر ان من أهداف المبادرة التي حُققت جعل الطلاب أدوات تساهم من أجل التغيير الايجابي في المدارس والدوائر المجتمعية القريبة منهم، وذالك يسهم في استدامة أثر المبادرة وأهدافها في نشر السلم المجتمعي، منوها أن ما ساهم في تحقيق هذا الهدف عمل المركز ضمن استراتيجية جديدة وهي نموذج قرين إلى قرين، وذلك من خلال دمج الطالب الذي يعتمد ويتبنى ثقافة اللاعنف في المجتمع مع الطلاب الذين يتبعون العنف كأسلوب حياة وأن يوجههم من خلال طرحه قصة نجاحة في تطبيق اللاعنف وكيف تغيرت حياته إيجابيا من العنف إلى اللاعنف.
وأضاف أبوجامع أن نشاطات المبادرة طرحت على شكل لقاءات تخييم وتعايش في ساحة إحدى مدراس منطقة عبسان الكبيرة شرق محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، دُمجت في اللقاءات اعداد من طلبة المدارس من كافة مناطق شرق خان يونس وهي عبسان الجديدة، عبسان الكبيرة، بني سهيلة، وخزاعة، مستدركا أن النشاطات شملت ممارسة الرياضة وتطبيق اللاعنف من خلالها، ونقاشات بين الطلبة حول كيفية تعزيز منهج اللاعنف داخل الفصول الدراسية، ورسم جداريات على حائط المدرسة وأكثر من حائط في منطقة عبسان الكبيرة.
ونقل رغبة الطلبة المستهدفين وأهاليهم والمدرسين في اسمرار واستدامة المبادرات من هذا النوع وذلك إيمانا منهم بأهمية اللاعنف وتعزيزه وضيق الوقت داخل حدود الدوام المدرسي لطرحه كنهج لحل النزاعات والخلافات بين الطلبة، مشيرا أن مبادرة واحدة لا تكفي لمتابعة سلوك الطلبة ونمو وعيهم تجاه اللاعنف، داعية مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية للمساهمة لتبني مبادرات تصب في وعاء اللاعنف.