“العنف اللفظي ضد الأطفال” نافذة جديدة للنقاش يفتحها برنامج اللاعنف منهج حياة ضمن تسلسل بثه كأحد أنشطة مشروع تجمع المؤسسات الأهلية من أجل نشر ثقافة اللاعنف المنفذ من مؤسسة بال ثينك.
وبحسب الأخصائية النفسية والباحثة الأكاديمية فاطمة أبو مدين فإن العنف اللفظي ضد الطفل يندرج تحت العنف النفسي، وهو عبارة عن مجموعة الألفاظ المسيئة تحمل دلالات توبيخ واستهزاء وازدراء واحتقار من الوالدين أو أي فرد تجاه الطفل، بالإضافة إلى تعابير الوجه، والألفاظ السوقية والتنابز بالألقاب ونعتهم بأسماء الحيوانات، ودعاء الأهل على أطفالهم، أو تسميت الاشارة إلى مرض أو أعاقة أو سمة جسدية يملكها.
من جهته قال وسام قطناني المدير التنفيذي لجمعية نساء عربيات من أجل القدس أن نعت الطفل بالغبي أو الأهبل فهذا يمهد لأن يكون الطفل شخصا مُعَنِّفًا في المستقبل القريب والبعيد عند نضوجه والمشكلة الأكبر أن ممارسة العنف اللفظي على الطفل يجعله معتادا عليه وهذا لا يضمن إلى بقاء العنف في المجتمع وتراكمه جيلا بعد جيل، مستغربا من تبرير العنف اللفظي بأنه لم يقتل الطفل ومشددا أنه بالعنف قتل أشياء كثيرة داخل الطفل كالثقة بالنفس والإبداع وروح المبادرة.
وهنا أوردت أبو مدين نتيجة دراسة علمية تفيد أن جزءا من الدماغ يسمى “المادة الرمادية” ينتاقص بتزايد تعرض الطفل للعنف خلال مراحل نموه، هذه المادة تعمل على زيادة الذكاة وقدرة التحليل وبناء الخطط الاستراتيجية، مضيفة أن السنوات الأولى من حياة الطفل (أقل من خمس سنوات) تعتبر محددة لشخصيته وهويته فإن تعرض للعنف اللفظي فما يحصل هو تشبيعه بكل مفردات وأساليب العنف اللفظي الممكنة ويؤثر ذلك على مفاهيم الحب ويشوهها خاصة وأن الطفل في هذه المرحلة يحتاج لادراك مفاهيم الحب غير المشروط من الوالدين للأبناء فيزرع الخوف كحاجز أمام إطلاق العنان لمشاعر الطفل، ومن ثم ينتقل الطفل للمرحلة الثانية (رياض الأطفال وسنوات المدرسة الأولى) وإن لم يعالج الطفل من الآثار النفسية للعنف اللفظي سيبدأ بشكل تلقائي بممارسته على أقرانه، هنا يجب أن يلعب المعلم دورا تربويا لتصحيح سلوك الطفل وممارساته لا أن يساهم في هدم ذات الطفل بممارسات جديدة مثل وسمه بالتأخر الدراسي، منوهة إلى أن العنف اللفظي الموجه للأطفال في المدرسة والشارع أخطر لأنه يحدث على الملأ وليس كما في البيت بين أفراد الأسرة الواحدة.
وعن عمل المؤسسات في رفع حساسية المجتمع تجاه قضايا العنف اللفظي ضد الأطفال ذكر قطناني أن الجهود المبذول من كافة المؤسسات الأهلية والحكومية في ما يتعلق بتعزيز القيم الإيجابية يجب أن تكون تراكمية من أجل إحداث تغيير نوعي وحقيقي ولا يمكن التعويل على الجهود المؤقتة المنفذة ضمن مشروع مؤقت، ويجب على المؤسسات تقديم متقرحات تعمل ضمن تتابع استراتيجي مدروس لضمان احداث التأثير المطلوب، مشيرا إلى أن البيئة تلعب دورا محوريا في تعزيز أو مناهضة العنف اللفظي ضد الأطفال حيث ومن خلال تنقله بين الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة لاحظ ارتفاع حدة العنف اللفظي في القطاع وهذا يرجع لعدة عوامل منها البطالة وسوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والمشكلة السياسية القائمة هنا وكل هذا العنف الموجود في الأجواء يؤثر مباشرة على شكل تنشئة الطفل ومستوى العنف الذي يكتسبه وينتجه ويتفاعل معه بشكل يومي.
ونصح الأهالي بعدم ترجمة الضغوط التي يتعرضون لها إلى عنف موجه ضد الأطفال لأن لذلك أثار على الهوية الشخصية للطفل وتكوينها قد تظهر أشكالها كتأتأة في الحديث، الخوف، الاختباء والهرب من المواجهة، وعدم الثقة بنفسه، وخلق حدود لتفكيره وعقله، منوها أن تعنيف الأطفال يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون في الدول الراقية قد تصل عقوبته إلى حرمان الأهل من أطفالهم، ونحن هنا لا نطالب بوجود قانون عقوبات بس نعمل على رفع الوعي لدى الأهالي فنحن نملك عادات اجتماعية بمجملها جيدة، فالأطفال بحاجة دائمة لدعمنا واسنادنا مهما اختلفت فئاتهم إن كانو أغنياء أو فقراء، أيتام أو مساكين، كلهم نعمة يجب استثمارها بأفضل طريقة ممكنة.
وتطرق قطناني للحديث عن مبادرة “احموا مستقبلهم” التي تنفذها جمعية نساء عربيات من أجل القدس بالشراكة مع بال ثينك لتعزيز ثقافة اللاعنف بين الطفل والطفل، بهدف تحسين الحوار والتعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة وطبيعة المصطلحات المستخدمة ورفع الحساسية تجاه قضية مواءمة الأماكن والخدمات الخاصة بهم، مشيرا إلى أن المبادرة ستعقد يوما خاصا لأهالي أطفال الروضة التابعة للجمعية في غزة والقدس والضفة من أجل إعلاء صوت الحوار البناء بين الأطفال أنفسهم من جهة والأطفال ومكونات المجتمع الأخرى من جهة أخرى.