في مؤتمر عقده بال ثينك للدراسات الإستراتيجية حول إعادة إعمار قطاع غزة: ضرورة عدم تسييس إعادة الإعمار وتشكيل لجنة مستقلة تشرف عليه
الاثنين- 4 أبريل- غزة- لم يمنع الجو الممطر الذي فاجأ مدينة غزة أمس الإثنين عشرات الأكاديميين والمختصين ونشطاء المجتمع المدني من المشاركة في مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي نظمه بال ثينك للدراسات الاستراتيجية، حيث جاء المؤتمر تحت عنوان “عامان على مؤتمر شرم الشيخ.. عملية إعمار قطاع غزة لم تبدأ بعد” و بهدف مناقشة قضية إعادة اعمار قطاع غزة و الوعود الدولية المتعلقة بالاعمار.
المؤتمر الذي حضره أكثر من مائة شخص من ممثلي القطاعات و مؤسسات المجتمع المدني والمحلي يأتي ضمن مشروع “تعزيز الشراكة المجتمعية من أجل المصالحة الوطنية” الممول من الحكومة السويسرية، حيث سلط المؤتمر الضوء على احتياجات قطاعات الإنتاج المختلفة لإعادة الإعمار وكذلك استعراض وتقييم الجهود الدولية والمحلية الحكومية وغير الحكومية في إعادة الإعمار منذ انطلاقها عقب مؤتمر شرم الشيخ للمانحين الذي عقد في الثاني من مارس 2009، حيث تركزت الدعوات خلال المؤتمر على عدم تسييس عملية إعادة الإعمار وتشكيل هيئة مركزية مستقلة تشرف عليه.
ضمت اللجنة التحضيرية للمؤتمر جهات ومؤسسات فلسطينية ذات أهمية تشمل جامعة الأزهر بغزة، جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين, اتحاد المقاولين الفلسطينيين, جمعية الإغاثة الزراعية, اتحاد الصناعات الفلسطينية,
افتتح المؤتمر عمر شعبان, مدير بال ثينك للدراسات الإستراتيجية, حيث رحب بالحضور وثمن جهود اللجنة التحضيرية في إعداد أوراق العمل والتحضير للمؤتمر، و أكد على أهمية عقد هذا المؤتمر بعد عامين من مؤتمر شرم الشيخ لاعادة الاعمار، وشدد على ضرورة متابعة الجهود المبذولة لإعادة الإعمار وتقييمها ومدى تحقق توصيات المؤتمر.
الجلسة الأولى: احتياجات قطاعات الإعمار المختلفة
في الجلسة الأولى للمؤتمر والتي أدارها طلال عوكل, باحث ومحلل سياسي، تناولت الجلسة احتياجات قطاعات إعادة الإعمار حيث قدمت فيه أربعة أوراق عمل تتناول احتياجات القطاع الصناعي والزراعي والأعمال والبنية التحتية والإسكان.
عرض السيد خضر شنيوره, مدير مكتب اتحاد الصناعات الفلسطينية, احتياجات قطاع الصناعات لإعادة الإعمار وقدم تحليلاً للأضرار وتبعاتها على القطاع الصناعي كما استعرض أهم البرامج المنفذة من قبل الاتحاد العام للصناعات وتقييم أدائها. و أوصى شنيورة بإعطاء الأولوية لتسديد ديون القطاع الصناعي في غزة المستحقة على السلطة الوطنية و ضرورة وجود برامج لدعم العمالة في المصانع وصقل المهارات وتعزيز بقاء العمالة ضمن القوى البشرية الصناعية بالإضافة إلى بلورة وتفعيل اتفاقيات اقتصادية جديدة من شانها تشجيع الاستثمارات وتدعم الصناعة الفلسطينية .
تلى ذلك ورقة عمل تتناول احتياجات قطاع المقاولات للإعمار قدمها السيد أيمن جمعة نيابة عن رئيس اتحاد المقاولين الفلسطينيين, حيث عرض متطلبات نجاع عملية الإعمار ومنها إنشاء صندوق حكومي أو رعاية حكومية لمنح قروض ميسرة للمقاولين وبدون فوائد بنكية وتحسين شروط التمويل من الدول المانحة بعدم اشتراطها تنفيذ المشاريع من جانب شركاتها المحلية فقط. كما استعرض جمعة احتياجات محافظات غزة من الوحدات السكنية والمنشآت و الاحتياجات الاستثمارية للعشر سنوات القادمة بالإضافة إلى قصص نجاح في مشاريع الإسكان.
من جانب آخر قدم السيد على أبو شهلا أمين سر جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين ورقة عمل تتناول احتياجات قطاع الأعمال للإعمار حيث ذكر أبو شهلا انه لا يمكن اعادة اعمار المساكن والمباني قبل اعادة اعمار المصانع التي تزودها بالخرسان والمستلزمات. وقال ابو شهلا ان هنالك من المؤسسات الدولية من تتعامل مع الاعمار بشكل حزبي حيث توضح مؤخرا أنها تقدم المساعدات للسكان المتضريين حسب انتماءاتهم السياسية. وفي معرض حديثه عن آلية إعادة إعمار المساكن المدمرة اقترح أبو شهلا أن يتم توفير الدعم المالي اللازم لكل صاحب مبنى تم تدميره أثناء الحرب على غزة حيث تترك له الحرية في تنفيذ العمل , وفق مخططات وضوابط ومعايير يتم وضعها من قبل هيئة الإعمار. ونوه أبو شهلا انه كان على الحكومة ألا تزيل انقاض المباني المدمرة قبل السماح باعادة فتح المعابر , لما كانت تمثله هذه الانقاض من شاهد حقيقي وواقعي على شراسة الحرب على غزة . كما أن عملية إدخال البضائع المختلفة عبر الانفاق في رفح قد ساهمت في تخفيف الضغط الدولي عن الحكومة الاسرائيلية لفتح المعابر , وفي ختام حديثه أوصى أبو شهلا بضرورة تشكيل هيئة مستقلة متفق عليها في غزة والضفة الغربية لإعادة إعمار غزة.
من جانبه, تقدم السيد عبد الكريم عاشور, نائب رئيس جمعية الإغاثة الزراعية, بورقة عمل تتناول احتياجات القطاع الزراعي للإعمار حيث أشار إلى الأضرار المباشرة التي لحقت بالقطاع الزراعي جراء العدوان الإسرائيلي على غزة وذكر أن الوضع الفلسطيني الداخلي من اهم العوائق التي تعيق عملية الاعمار كون الانقسام الفلسطيني يمنع الدول المانحة من ضخ اموالها للقطاع بالاضافة الى ان القطاع الزراعي يتمتع بخصوصية كونه مرتبط بعنصرين اساسيين وهما الارض والماء اللذان يدور حولهما نزاع مع اسرائيل منذ سنين. كما نوه الى ان القطاع الزراعي خلافاً عن القطاعات الاخرى لم يقدم له تمويل ودعا الى ايلاء الاهتمام لموضوع الامن الغذائي ومكافحة الفقر. و أوصى عاشور بضرورة تشكيل لجنة وطنية عليا تشرف على عمليات إعادة الإعمار الزراعي و إقرار سياسة زراعية جديدة في قطاع غزة تأخذ بالاعتبار المستجدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى المحددات البنيوية الأخرى.
الجلسة الثانية: الجهود الدولية والمحلية لإعادة الإعمار
تناولت الجلسة الثانية للمؤتمر بإدارة السيد مروان الأغا, عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الأزهر, ملخص عن مؤتمر شرم الشيخ وتوصياته وورقتي عمل تستعرضان برامج إعادة الإعمار الدولية والمحلية.
قدم عمر شعبان , مدير بال ثينك للدراسات الإستراتيجية, موجزاً عن مؤتمر شرم الشيخ وتوصياته والمبالغ التي وعد بها و أشار إلى أن معظم تمويل شرم الشيخ كان تمويلا عربياً وأن هنالك خلط بين الأموال التي رصدت لدعم الشعب الفلسطيني ما بين موازنة السلطة ودعم إعمار غزة. كما ووضح شعبان أن أحد أخطاء مؤتمر شرم الشيخ انه لم يعد الية واضحة لاعادة الإعمار ودعا لأن يكون هنالك جسم مستقل يشرف على عملية الإعمار.
من جانب آخر استعرض السيد معين رجب, أستاذ اقتصاد “غير متفرغ” بجامعة الأزهر, الجهود المحلية المبذولة لأعمال البناء وإعادة الإعمار في قطاع غزة مشيراً إلى خطط الطوارئ، والإعانات الاغاثية، و أعمال الترميم والصيانة لعدد كبير من المساكن والمنشآت. و أوصى رجب بإعطاء أولوية لحشد كافة جهود المؤسسات المحلية للمشاركة في إعادة الإعمار بمشاركة أكبر للنقابات والاتحادات المهنية مع إعطاء أهمية كبيرة لوحدة معلومات مركزية محدثة، وايلاء العنصر البشري الفني الاهتمام الكافي، مع السعي حثيثا لإنجاح جهود المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني.
وفي نفس السياق, تحدث السيد محمد مقداد, أستاذ مشارك في الاقتصاد بالجامعة الإسلامية, عن البرامج الدولية الحكومية وغير الحكومية في إعادة الإعمار منوهاً إلى المؤتمرات والقمم التي عقدت بهدف تنظيم الجهود وتمويل عملية إعادة إعمار غزة والنهوض باقتصادها وقال أن تلك الجهود والوعود كانت نظرية وبقيت إلى الآن بعيدا عن التنفيذ مرهونة بشروط واعتبارات سياسية ومرهونة بالقبول الإسرائيلي الذي لا يزال يحاصر غزة ويمنع دخول مواد البناء ومتطلبات إعادة الإعمار. وأشار مقداد إلى أن القرار الإسرائيلي بتخفيف الحصار ساهم في توفير العديد من السلع الغذائية إلا أن المواد الرئيسية اللازمة لإعادة الإعمار لم تدخل ولم يتم السماح بها حتى الآن. وأوصى مقداد بضرورة إعادة إعمار الاقتصاد الفلسطيني كلياً وعدم الاقتصار فقط على إعمار المباني, و كذلك رفع دعاوي قضائية ضد الإجراءات الإسرائيلية التي تزيد من حجم الأزمة في قطاع غزة.
المداخلات:
قال مأمون أبو شهلا, أمين سر المجلس التنسيقي لمؤسسات القطاع الخاص, في مداخلة له أن إعمار غزة لن يتم بتجميع أموال المانحين فقط وإنما الأهم أن تفتح المعابر ليتم الاستفادة من هذه الأموال وتوظيفها في إعادة الأعمار. كما دعا إلى أن تشارك الهيئات الدولية في هيئة مستقلة لإعادة الإعمار وأن يكون هنالك هيئات مالية تقدم الأموال عبر قنوات قانونية سليمة.
في حديثه عن قطاع الطاقة, نوه المهندس سهيل سكيك, مدير عام شركة توزيع كهرباء محافظات غزة, أن أزمة غزة الحالية في الطاقة تجاوزت الـ 30% وأن حاجة القطاع للطاقة في الوضع الطبيعي هي 280 ميجا وات في حين تسمح إسرائيل بدخول 90 ميجا وات فقط. وأشار إلى أن هنالك مشروع لربط كهرباء غزة بمصر وقد يحتاج تنفيذه عامان إلا أنه يواجه معيقات سياسية حيث اشترطت الحكومة المصرية سابقاً موافقتها على الشروع بتنفيذ هذا المشروع بالتوقيع على الورقة المصرية للمصالحة.
توصيات المؤتمر:
1) تشكيل هيئة مستقلة تقوم بالتنسيق والتعاون مع الجهات الممولة لوضع آلية للإشراف والشروع في إعادة الإعمار.
2) إنشاء وحدة معلومات مركزية مستقلة تقوم بتزويد الهيئة بمعلومات وبيانات دقيقة ومحدثة.
3) تأهيل العنصر البشري ورفع كفاءته في جميع القطاعات من خلال برامج التدريب والتطوير.
4) تكثيف الجهود الدافعة إلى إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية.
5) فتح معبر رفح والمعابر الأخرى بشكل دائم بما يضمن دخول المواد الأساسية لإعادة الإعمار للقطاع وإعادة إعمار الاقتصاد الفلسطيني ودعمه وتأهيله.