شد الحبل بين حكومة حماس والمؤسسات الدولية في قطاع غزة
بقلم: عمر شعبان
ملخص:-
إتصفت علاقة المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة مع حكومة حماس بالتوتر الشديد وعدم الثقة كون الاولى تبنت ذات الموقف الذي إتخذته معظم الدول الغربية بما فيها أمريكا وإسرائيل بعدم التعامل مع حكومة حماس والمؤسسات ذات العلاقة بها في حين تسعى هذه المؤسسات لمواصلة عملها في قطاع غزة.
موقف سياسي بإمتياز:-
شكل الحصار والحرب الاسرائيلية على قطاع غزة والازمات الناتجة عنهما فرصة ذهبية للكثير من المؤسسات الدولية سواء تلك الباحثة عن عمل لها في مناطق الكوارث والنزاعات اوالتي تسعى للتضامن مع الشعب الفلسطيني. حيث تدفق إلى قطاع غزة، خاصة بعد عملية الرصاص المصبوب الاسرائيلية في ديسسمبر 2008 عشرات المؤسسات الدولية التي لم يسبق لها العمل في غزة. حتى وصل عددها إلى 88 مؤسسة دولية. تنوعت هذه المؤسسات بين مؤسسات إسلامية قادمة من الخليج وتركيا وماليزيا ومؤسسات غربية قادمة من أوروبا وأمريكا إضافة لتلك الموجودة في قطاع غزة مسبقا. إتخذت هذه المؤسسات الدولية، خاصة الغربية منها موقف المقاطعة لحكومة حماس، وهوموقف سياسي بإمتياز رغم أن مواثيقها تنص على أنها لا تعمل في السياسة. فرضت حكومة حماس على المؤسسات الدولية أن تتعامل معها، مما سبب توترا شديدا في علاقة المؤسسات الدولية الغربية مع حكومة حماس .
موقف ومطالب حكومة حماس :-
في علاقتها مع المؤسسات الدولية التي تبنت المقاطعة، تأرجح موقف حكومة حماس بين حرصها أن يستمر عمل هذه المؤسسات بما يعنيه ذلك من إعتراف ضمني بها وكسر العزلة عنها من ناحية والاستفادة من خدماتها بما يساعدها في تخفيف آثار الحصار الاسرائيلي على سكان قطاع غزة من ناحية ثانية. تتلخص مطالب حكومة حماس من المؤسسات الدولية فيما يلي 1) التسجيل في دائرة المؤسسات العامة بوزارة الداخلية 2) تقديم تقارير مالية وإدارية 3) الحصول على تأشيرة دخول لموظفيها قبل دخولهم للزيارة اوللعمل في قطاع غزة. تستند حكومة حماس في موقفها على أنها حكومة منتخبة ديموقراطيا وهي الجهة الحاكمة لقطاع غزة، لذا يقع ضمن صلاحياتها تنظيم عمل المؤسسات الدولية وتوفير الحماية لها. من هذا المنطلق تستغرب حكومة حماس رفض المؤسسات الدولية التنسيق معها في حين كانت هذه المؤسسات الدولية تنسق مع الاحتلال الاسرائيلي على الرغم من موقف القانون الدولي الرافض للإحتلال. كذلك تدلل على صحة موقفها أن جميع الحكومات الغربية والشرقية تلزم المؤسسات المتواجدة على أراضيها بالتسجيل القانوني. تستشعر حكومة حماس أن رفض المؤسسات الدولية التعاون معها يمس بكرامتها ويشير إلى عدم إحترام لها. وتنظر إلى موقف المؤسسات الدولية على أنه يمثل تعاليا مرفوضا وتوظيفا غير أخلاقي للمعاناة التي سببها الحصار والحرب.
موقف المؤسسات الدولية :-
تدرك المؤسسات الدولية مخاطر تعاونها مع حكومة حماس والذي يعني بالضرورة إنقطاع التمويل عنها وتعريض موظفيها للمسائلة القانونية من قبل حكومات بلدانهم. لذا وجدت المنظمات الدولية نفسها في مأزق كبير، فمن ناحية هي بحاجة ماسة للتمويل الحكومي الغربي كي تواصل خدماتها وتحافظ على وجودها ومن ناحية أخرى عليها أن توائم بين السياق السياسي الذي تعمل فيه وحاجات المجتمع عامة. إستندت المؤسسات الدولية في موقفها الرافض للتعاون مع حكومة حماس على أهمية ما تقدمه للمجتمع الفلسطيني الذي يعاني أزمات إنسانية عميقة بسبب الحصار المفروض منذ يونيو2007. تحت هذه الضغوط, تنوعت ردود فعل المنظمات الدولية، فمنها من إتخذ قرارا بوقف العمل في قطاع غزة والانسحاب خوفا من العقوبات في حال كسرها للشروط الدولية, في حين حاولت بعض المؤسسات الاخرى البحث عن حلول وسط تسمح لها بالعمل دون كسر موقفها كأن تلجأ إلى مدقق حسابات مستقل يتواصل مع حكومة حماس بالنيابة عنها. مع مرور الوقت ونظرا لحاجة كل منهم للأخر، خفت حالة التوتر بعدما وافقت المؤسسات الدولية على التسجيل لدى حكومة حماس وتقديم تقارير مالية منتظمة لها. رغم ذلك، ما زالت الكثير من المؤسسات الدولية خاصة الغربية ترفض التعاون مع المؤسسات ذات العلاقة بحكومة حماس وحركتها. كذلك مازالت تمتنع عن تقديم خدماتها للأفراد الذين يعتقد أنهم موالون لحماس والتنظيمات الاخرى المدرجة ضمن قائمة الارهاب.
موقف المجتمع الفلسطيني :-
– بما لا يقلل من أهمية عمل المؤسسات الدولية في الاراضي الفلسطينية، فقد كان عملها محط تساؤل, حيث رأى البعض أن قيام المؤسسات الدولية بمشاريع البنية التحتية أثناء سنوات الاحتلال الاسرائيلي على أنه تخفيفا لمسؤلياته وهو الذي كان يفرض ضرائب عالية، لذا فقد كان من الاجدر به أن يعيد هذه الاموال إلى المجتمع الفلسطيني عبر تنفيذ مشاريع البنية التحتية حسب ما تنص عليه معاهدة جنيف التي تلزم القوة المحتلة برعاية المواطنين القاطنين تحت سلطتها .
– قد يتفهم البعض في المجتمع الفلسطيني رفض المؤسسات الدولية التعاطي مع حكومة حماس بسبب الاشتراطات السياسية، لكنه لا يتفهم التمييز الذي تمارسه بعض المؤسسات الدولية بين فقير وأخر بسبب الانتماء السياسي. كذلك يظن البعض أن رفض المؤسسات الدولية للرقابة قد فتح المجال واسعا أمام الفساد المالي والاداري، الذي تؤكده مؤشرات مثبتة عن حالات فساد تشوب عملها سواء بالتواطؤ مع شركائها المحليين أودون علمها أو الاثنين معا.
– يشعر الكثير من المجتمع بالفلسطيني بالغضب الشديد من سلوك الكثير من المؤسسات الدولية وموظفيها سواء الاجانب أو المحليين الذين يتعاملون بإستعلاء وغرور شديدين مع الفئات المستهدفة. وهوما يتناقض كليا مع مبادي وأسس العمل الانساني. كذلك إرتفاع مرتبات ومكافأت موظفيها ومستويات معيشتهم بما يميزهم عن غالبية المجتمع. كذلك تفرض بعض المؤسسات الدولية على من يرغب بزيارتها الخضوع لإجراءات أمنية مشددة ومهينة في معظم الاوقات بما يصورها على مؤسسات أمنية وليست خيرية.
– يشكك البعض في الاجراءات التي تطبقها حكومة حماس كونها تتم بشكل إنتقائي لا تشمل في نطاقها المؤسسات الدولية العربية والاسلامية ولا تلك المرتبطة بعلاقة ما مع حكومة حماس. كذلك لا تطبق على عشرات وفود التضامن التي تزور غزة وتحمل معها مساعدات عينية لا يعلن عن قدرها وكيفية توزيعها.
– يثمن المجتمع الفلسطيني الدور الهام الذي تلعبه هذه المؤسسات في تخفيف المعاناة الانسانية، حيث سيكون الوضع كارئيا دونها. لكنه لا يرى ما يمنع هذه المؤسسات الدولية من التعاون والتنسيق مع حكومة حماس بما يعزز من زعمها في خدمة المحتاجين لها دون تمييز.
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/opinion/2013/02/tension-ngo-hamas-gaza.html