ما وراء الارقام في موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2013
بقلم: عمر شعبان
عادة ما يصاحب إعداد الموزانة والمصادقة عليها الكثير من الترقب المحلي والدولي، وذلك بسبب الازمة المالية المزمنة التي تعانيها السلطة الفلسطينية والتي أثرت سلبا على شعبيتها في المجتمع الفلسطيني. كذلك تعكس موزاين القوى داخل المجتمع الفلسطيني من شركات كبيرة و نقابات ومنظمات مجتمع مدني، كذلك تؤشر لمستوى البرودة أو الحرارة في علاقة السلطة الفلسطينية بإسرائيل. هذه المرة جاءت المصادقة في ظروف مختلفة.
ظروف بعضها قديم و بعضها جديد
تأتي المصادقة على موازنة العام 2013 في ظل ظروف سياسية ومالية بعضها قديم وبعضها الاخر جديد، فالسلطة الفلسطينية تئن تحت ضغط أزمة مالية مزمنة منذ سنوات، وإن زادت حدتها في العام الماضي، مما سبب إنفجار مظاهرات عنيفة في محافظات الضفة الغربية مطالبة بتخفيف نسب الضريبة ومكافحة غلاء المعيشة في حين طالب البعض بإقالة حكومة فياض. كذلك تأتي المصادقة على الموازنة في ظل خلافات حادة بين الرئيس محمود عباس و رئيس وزرائه سلام فياض على خلفية إستقالة وزير المالية د نبيل قسيس و الذي قدمها يوم التاسع من مارس. الاستقالة التي قبلها سلام فياض بسرعة دون استشارة رئيس السلطة محمود عباس الذي كان متواجدا حينها في المملكة العربية السعودية. في حين رفضه الرئيس عباس طالبا منه العودة لمنصبه، مما سبب في توتير جديد للعلاقة بين رأسي السلطة الفلسطينية. ما زالت استقالة وزير المالية في السلطة الفلسطينية تتأرجح بين قبولها من رئيس الوزراء و رفضها من قبل رئيس السلطة. الطريف هنا أنه تمت المصادقة على الموازنة التي تعدها وزارة المالية دون البت في استقالة وزير المالية ذاته.
في ظل هذا الاجواء، حملت الاحداث أخبارا سعيدة للسيد سلام فياض، فقد أقرت لجنة الاتصال للدول المانحة للسلطة الفلسطينية (AHLC) في إجتماعها الذي عقد في 19 مارس في بروكسل إلتزام الدول المانحة بضخ مبلغ 1200 مليون دولار خلال العام 2013 . كذلك تعهدت السيدة كاترين اشتون، منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بأن يواصل الأخير دفع 300 مليون يورو، مضافا إليها 20-25 مليون يورو كدعم مباشر للموازنة. لذا فقد عاد السيد سلام فياض من بروكسل إلى رام الله راضيا بما حققه بعد أن غادرها غاضبا بسبب التوتر مع الرئيس عباس. ولأن الأخبار السعيدة تأتي مرة واحد أحيانا، فقد أعلن الرئيس الأمريكي أوباما أثناء تواجده في رام الله أن الإدارة الأمريكية ستحرر مساعدات أمريكية مجمدة بقيمة 500 مليون دولار، كان الكونغرس الامريكي قد جمدها عقابا للسلطة الفلسطينية لذهابها إلى الأمم المتحدة للحصول على عضوية دولة في نوفمبر الماضي. سيخصص منها 170 مليون دولار للدعم المباشر للموزانة. الدعم المباشر للموازنة يعني تمكين الحكومة من دفع مرتبات الموظفين و المصاريف التشغيلية، وهي مصدر الصداع لرئيس الوزراء في حال عدم وجوده. دفعت هذه الاخبار السعيدة برئيس الوزراء سلام فياض للقول بأن حكومته ستتمكن من دفع المرتبات كاملة وفي مواعيدها في الشهور القادمة. تمت المصادقة على الموازنة في ظل أوضاع داخلية متوترة وفي ظل تعهدات دولية مساندة. السيد سلام فياض نجح في معركته الخارجية والتي أغلب الظن سيستند إليها في تثبيت موقعه داخل النظام السياسي وفي مواجهة إنخفاض شعبيته بسبب الازمة المالية، وفي تفنيد الانتقادات الحادة والمطالبات المتعددة بإقاله الحكومة وإستبداله.
– ملخص الموازنة لعام 2013:
الإيرادات العامة:
قدرت الإيرادات العامة في موازنة 2013 بــ 2,880 مليون دولار أي بزيادة 413 مليون دولار عن الإيرادات في العام الماضي. شهدت الإيرادات العامة زيادة مضطردة منذ العام 2009، حيث قفزت من 1,597 مليون في العام 2009، إلى 1,884 مليون لعام 2010 و 2,045 مليون لعام 2011 و2,235 مليون للعام 2012. الإيرادات العامة المتوقعة ستأتي من الضرائب المقدرة بقيمة 598 مليون دولار وتحويلات المقاصة بقيمة 1,722 مليون دولار.
يعزى التحسن المضطرد في الإيرادات العامة إلى التحسن الكبير في أساليب الجباية ومحاربة تهريب البضائع من إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية، لكنها في ذات الوقت كانت أحد أسباب المظاهرات التي عمت أراضي السلطة الفلسطينية في الأعوام الماضية.
إجمالي النفقات العامة:
قدرت موازنة العام 2013 بأن تبلغ النفقات العامة 3,538 مليون دولار منها 1,880 مليون دولار مخصصة للرواتب أي بنسبة 53% من إجمالي النفقات في حين خصص لبند النفقات الجارية الاخرى 1,577 مليون دولار أي بنسبة 45%. تلحظ موازنة العام 2013 زيادة في بند الاجور بقيمة 111 مليون دولار و في بند النفقات الجارية التشغيلية بقيمة 94 مليون دولار. لا يظهر بيان الموزازنة تفاصيل بنود الصرف تحت هذا العنوان على الرغم من أهميته. كذلك لا تتطرق إلى عدد ونوع الموظفين الجدد في الوقت الذي تعاني فيه الحكومة من الوفاء بمرتبات موظفيها البالغ عددهم 160,000 موظف.
الفجوة التمويلية :
يبلغ العجز التجاري قبل حساب مخصص مشاريع التطوير 1,050 مليون دولار. يرتفع هذا العجز إلى 1,400 مليون دولار بعد إضافة مبلغ 350 مليون دولار مخصصة لمشاريع التطوير وهي مساوية لما خصص لهذا البند في موازنة العام الماضي. تقترح الموازنة أن يتم تغطية العجز الاجمالي البالغ 1400 مليون دولار من الدعم العربي و الدولي. الدعم الاوروبي يتصف بالانتظام لذا فيمكن التعويل عليه، في حين أن الدعم العربي والامريكي يتصف بتأثره الشديد بالسياسة وعدم الانتظام.
موازنة مع بعض الإصلاحات :
يتضمن قانون الموازنة والموازنة ذاتها نصوصا جديدة تعطي إشارة واضحة بإتجاه الاصلاح المالي والإداري، بعض هذه النصوص لامست الانتقادات التي وجهت سابقا للحكومة، مما قد يدلل أن حكومة فياض ووزير ماليته المستقيل قد سمعوا أخيرا نبض الشارع في إعداد الموازنة. من هذه النصوص:
1. لا يجوز اللجوء إلى الاقتراض من صندوق التأمين والمعاشات أو من سلطة النقد الفلسطينية لتنفيذ بنود الموازنة . كذلك لا يجوز الاقتراض من البنوك إلا لتغطية الفجوة التمويلية على أن لا يتجاوز رصيد الدين في نهاية عام 2013 ما كان عليه نهاية العام 2012. من المعروف أن الحكومة الفلسطينية قد لجأت إلى الاقتراض من صندوق المعاشات والتأمين للموظفين لمواجهة الأزمة المالية الناتجة عن تأخر وصول المساعدات الدولية. حيث بلغ حجم مديونية الحكومة لصندوق التأمين والمعاشات أكثر من 1,500 مليون دولار. إضافة لملياري دولار هي ديون القطاع الخاص والبنوك الفلسطينية.
2. تتعاقد الحكومة الفلسطينية مع مستشارين لتنفيذ مهمات تتطلب كفاءات غير متوافرة في الجهاز الحكومي. بلغت حوالي 1200 عقد إستشاري حتى العام 2011 ووصلت مكافأت بعض هذه العقود لأكثر من 10000 دولار شهريا. كانت العقود الاستشارية محط نقد شديد من قبل المجتمع الفلسطيني كونها تتم خارج إطار الجهاز الحكومي، ويصعب مراقبتها والتأكد من جدواها، كذلك وظفت العقود الاستشارية كباب خلفي للتوظيف و شراء الذمم و الولاءات. أشار بيان الموازنة للعام 2012 أن الحكومة ستعمل على تخفيض عدد العقود الاستشارية بنسبة 30%. كذلك يؤكد بيان الموازنة للعام الجاري على العمل لتقليل عدد العقود وتحديد سقف أعلى للمكافأـت بما لا يتجاوز أربعة آلاف شهريا مع ضرورة توفر الاحتياج الفعلي لها.
3. يتضمن بيان الموازنة تعليمات واضحة بتنظيم عملية الصرف وتحديد حساب موحد للخزينة تودع به جميع الايرادات والمنح، كذلك يمنع فتح حسابات فرعية دون موافقة خطية من وزير المالية. ويمنع ترسية أي عطاء او تنفيذ أي مشتريات دون توافر المخصصات المالية.
موازنة مالية بأبعاد سياسية :
يبقى نجاح الحكومة في مواجهة الازمة المالية مرهونا برضا المانحين والاهم من ذلك كسب المعركة الداخلية المفتوحه على ثلاث جبهات هي: الرئاسة، القوى السياسية والشارع الفلسطيني في معظمه. سيدرك السيد فياض أن معركته في ضمان التمويل الغربي أسهل بكثير مما ينتظره على الجبهات الثلاث , فالرئيس محمود عباس لن يرضخ بقبول فياض إستقالة وزير المالية ، تؤكد الاخبار أن الرئيس عباس يصر على عودة وزير المالية المستقيل حتى لو كان ثمن ذلك التضحية بفياض نفسه ، مما قد يفتح معركة بين السلطة الفلسطينية مع الجهات الغربية المانحة التي ترى في السيد فياض أمينا مؤتمنا لإدارة مساعداتها للسلطة الفلسطينية , يبدو أن موازنة 2013 لم تكن مجرد أرقام بل كانت ورقة التوت التي تستر تجاذبات سياسية جدية.