هل خطة كيري لتنمية الاقتصاد الفلسطيني وثيقة نووية !!

 توج مؤتمر دافوس الذي عقد على ضفاف البحر الميت في مايو 2013 الانطلاقة الرسمية للعودة للمفاوضات الجارية حتى الآن بين إسرائيل و السلطة الفلسطينية .في ذلك المؤتمر قدم وزير الخارجية الأمريكي السيد جون كيري خطة مقترحة لتنمية الاقتصاد الفلسطيني بقيمة 4 مليار دولار . كان الرقم مغريا للجميع خاصة الأثرياء و رجال الأعمال الذين دفعوا بقوة لعودة السلطة الفلسطينية للمفاوضات دون أن يتحقق أي من شروطها و أهمها وقف الاستيطان  الإسرائيلي الذي ما فتأ ينهش في أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة.  منذ  ذلك الحين بدأت عملية المفاوضات في ثلاث مسارات بالتوازي هي :  المسار الأمني ، المسار السياسي و المسار الاقتصادي . بعد  مرور أربعة شهور على بدء المفاوضات تشير التصريحات ليس الفلسطينية فقط بل حتى الإسرائيلية منها أن المسار السياسي لم يحقق أي تقدم . حيث صدرت تصريحات متعددة عن المفاوضين الفلسطينيين تنبئ بفشل المفاوضات. كذلك ذكرت الأنباء أن الرئيس محمود عباس قد ينسحب من هذه المفاوضات في أي وقت بسبب عدم فشلها في إحراز أي  إختراق  . كذلك ذكرت صحيفة “معاريف” العبرية في عددها الصادر اليوم الخميس 17 أكتوبر أن المفاوضات دخلت بالفعل في طريق مسدود عقب الخلافات الجوهرية بين الجانبيْن في قضية الحدود. فيما يتعلق بالمسار الأمنى فلا معلومات كثيرة بسبب طبيعة المسار .  في هذه الورقة نناقش المسار الثالث و هو الاقتصادي :-

من كيري لتوني بلير :

بمجرد  إنتهاء مؤتمر دافوس الذي أعلن فيه عن الخطة تم تفويض مكتب السيد توني بلير مبعوث الرباعية و فريق من المستشارين الدوليين مهمة إعداد الخطة التي سميت لاحقا ”  المبادرة الاقتصادية من أجل فلسطين ” منذ ذلك الحين ينشغل مكتب الرباعية في تحضير الوثاثق و الملفات و الدراسات لهذه الخطة و المجتمع الفلسطيني برمته ينتظر خروج الدخان الأبيض من قلعة الرباعية في مدينة القدس المحتلة.

بين السلطة الفلسطينية و الرباعية.. ضاعت الخطة:

منذ  إعلان السيد كيري عن خطته مشكورا و تكليف مكتب الرباعية بإعداد الخطط التفصيلية شهدنا تضاربا شديدا في التصريحات حول سير إعدادها: ففي حين صرح وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في الثامن من سبتمبر أن وزير الخارجية الأمريكية السيد جون كيري قد عرض خطتة لتطوير وتنمية الاقتصاد الفلسطيني على الوفد الوزاري العربي في باريس  ، أكد السيد محمد مصطفى نائب رئيس الوزراء و المستشار الاقتصادي للرئيس أن الجانب الأمريكي سلم خطة تطوير الاقتصاد الفلسطيني مكتوبة للقيادة الفلسطيني حيث أضاف السيد مصطفى أن خطة كيري تسلمها مكتوبة ومكونة من 200 صفحة ومفصلة وتمتد لثلاث سنوات وتستهدف 8 قطاعات في كل المناطق دون استثناء، الضفة الغربية وقطاع غزة, والقدس الشرقية( وكالة معا 28 سبتمبر 2013)  . في حين صرح مبعوث مكتب الرباعية السيد توني بلير لصحيفة “فايننشال تايمز في عددها الصادر  يوم الأربعاء 16 أكتوبر : إن إعداد الخطة الاقتصادية لدعم فلسطين التي تقضي باستثمار 4 مليارات دولار سيكتمل في غضون الأسابيع المقبلة .

ملخص ” المبادرة الاقتصادية من أجل فلسطين “

حسب ما نشرته صحيفة الأيام الفلسطينية في عددها الصادر 30 سبتمبر 2013 و حسب  الموقع الالكتروني لمكتب الرباعية ، فإن خطة “المبادرة الاقتصادية من أجل فلسطين ” قد  أعدها فريق من خبراء دوليون بالتعاون مع مكتب مبعوث اللجنة الرباعية ،  تقترح الخطة تأسيس العديد من المشاريع لتحفيز الاستثمار المحلي والخارجي في فلسطين بهدف تنمية الاقتصاد الفلسطيني وتوفير فرص العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وهي تشمل قطاعات ثمانية هي :  الإنشاءات والإسكان (بما في ذلك التمويل والرهن العقاري الشخصي)، الزراعة، السياحة، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الطاقة، المياه والصناعات الخفيفة. و تعطي الصحيفة بعض التفاصيل عن الخطة كما يلي :

– بناء 40 ألف شقة سعر الواحدة بين 35 ـ 50 ألف دولار

– تصدير منتجات قطاع غزة إلى إسرائيل والضفة

– إنشاء مصنع إسمنت فلسطيني

– رزم سياحية لجذب السياح الأجانب والعرب إلى فلسطين

– تطوير حقل غاز غزة البحري

تعليق على  الخطة و منهجية إعدادها :

يقوم فريق من الخبراء الدوليين بإعداد الخطة دون أدنى مشاركة من قبل السلطة او مؤسسات المجتمع المدني ـ بل يتم التعامل مع الخطة كوثيقة سرية يمنع الحديث عنها او تسريبها لأي أحد . السؤال : كيف يمكن لهذه الطريقة من العمل أن تتناسب مع ما تدعيه الرباعية من أحد أهداف تشكيلها هو : تعزيز و بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية الموعودة.  يبدو ان السيد توني بلير ما زال يعيش بذهنية المندوب السامي البريطاني في عهد الانتداب ، فهو يخطط لنا نيابة عنا.. فهو أعرف منا بشئوننا !! . ما على الفلسطينيين عمله فقط هو إنتظار كرم السيد بلير و فريقه لتسليم خطة مكتوبة من 200 صفحة للسيد نائب رئيس الوزراء الفلسطيني !! نتمنى أن تكون الخطة مكتوبة باللغة العربية حيث هي اللغة الأساسية في فلسطين

لم يتم مطلقا تنظيم أي لقاء مع خبراء محليون او منظمات مجتمع مدني فلسطيني بهدف استكشاف رأي المجتمع الفلسطيني حول بنودها و أهدافها و مصادر تمويلها و طرف الصرف . في حين تم تجاهل مؤسسات السلطة الرسمية و منظمات المجتمع المدني الفلسطيني ، يتم تسريب الكثير من بنود هذه الخطة لبعض رجال الأعمال في الأراضي الفلسطينية الذي يخططون لشراكات دولية بهدف الاستفادة من التمويل المرتبط بالخطة ، لذا قد يبدو السؤال شرعيا : هل هي خطة لتنمية الاقتصاد الفلسطيني ام خطة لزيادة ثروات الاثرياء .

إن التهميش الذي يمارسه السيد بلير  و مكتبه ، ليس فقط تجاه السلطة الفلسطينية و مؤسساتها فقط بل تجاه الاتحاد الأوروبي ، وهو من أكبر المانحين للشعب الفلسطيني و لبعض الدول المحورية في أوروبا يشكل عيبا بنيويا في هذه الخطة ، كيف لهذه الخطة أن تنفذ دون مشاركة فاعلة من الجهات الأكثر دعما للشعب الفلسطيني . عند سؤالي  لسفير  دولة أوروبية محورية زار غزة في سبتمبر الماضي أجاب بغضب : لا نعرف عنها شيئا ، أليس من حقنا أن نعرف ماهي الخطة التي سيطلب منا لاحقا تمويلها ؟؟ في لقاء آخر في باريس مع شخصية أوروبية كانت تشغل منصبا هاما في الشرق الأوسط أكد عدم علمه أو علم حكومته بأي تفاصيل عن هذه الخطة .

هنا يتوجب طرح العديد من الملاحظات :

كيف تقبل مؤسسات السلطة الفلسطينية  أن يتم تجاهلها بهذه القدر المهين حيث قبلت أن تكون متلقية للخطة المعدة سلفا كما صرح بذلك السيد محمد مصطفى نائب رئيس الوزراء دون أن تشارك في تصميمها و لماذا لا تعط المهمة كلها لمؤسسات السلطة و هي كفيلة و مؤهلة لمثل هذه المهمة .

لم تطرح الخطة ما هي التسهيلات التي  وعد السيد جون كيري بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للحصول عليها . لم توضح الخطة كيف يمكن تنيفذ بعض المشروعات الكبرى المطروحة في ظل مواصلة الاحتلال و الاستيطان و حصار غزة .

يبدو أن الخطة تهدف إلى تضخيم ثروات الأثرياء و تقوية نفوذ المحتكرين الذين يعتقلون الاقتصاد الفلسطيني من خلال عقودهم الاحتكارية دون رقابة ، و على معظم المجتمع الفلسطيي الذي يعاني البطالة و غلاء الأسعار و االحواجز و الحصار أن ينتظر الفتات الزائد عن المحتكرين و أصحاب المليارات .

إن الولايات المتحدة الأمريكية و المؤسسات الدولية التي تتغنى دائما بدور المجتمع المدني و المؤسسات الرقابية ـ كيف لها أن تسمح بأن يتم إعداد خطة لتطوير الاقتصاد الفلسطيني دون مشاركة فاعلة من مؤسساتها  ، كذلك دون  إعطاء حق الرقابة و المتابعة للمؤسسات التشريعية و الرقابية الفلسطينية .  يبدو أن السيد جون كيري المتحمس و المتشجع جدا لتحقيق إنجاز نوعي في المفاوضات بين السلطة الفلسطينية إسرائيل من خلال جولاته المتعددة للمنطقة و الضغوط التي يمارسها على الجانبين عليه  أن يعيد النظر في تكليفه لمكتب الرباعية بالاشراف على  الخطة التي  مازالت تحمل اسمه رغم محاولة الرباعية شطب اسمه عنها .

http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/originals/2013/11/kerry-palestine-economic-israel-occupation.html

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى