بعنوان ما العمل فلسطينيا لمواجهة التحديات: ندوة سياسية توصي بإصلاح منظمة التحرير واعتماد إستراتيجيات كفاحية متعددة الأبعاد

أوصتْ ندوةٌ سياسيةٌ نظمتها مؤسسة “بال ثينك” للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مؤسسة “فريدريش ايبرت” الألمانية صُناع القرار في فلسطين بضرورة إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، واعتماد بُنية تقوم على إشراك جميع مكونات الشعب الفلسطيني في إدارة الشأن الوطني، ووضع إستراتيجيات نضالية متقدمة لمواجهة التحديات القائمة.

وقد استضافت مؤسسة “بال ثينك” للدراسات الاستراتيجية في ندوتها السياسية تحت عنوان “السياسات الفلسطينيّة للمرحلة المقبلة في ضوء التحديات الحاليّة” الدكتور أحمد جميل عزم الأستاذ المساعد في جامعة بيرزيت، والمستشار السياسي لدولة رئيس الوزراء الفلسطيني، والدكتور ابراهيم فريحات استاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا وجامعة جورجتاون.

مراكز الفكر وصناعة سياسات راشدة

وحضر الندوة السياسية التي أدارها أ. عمر شعبان مدير مؤسسة “بال ثينك” نخبة من الخبراء والباحثين والأكاديميين وممثلي مؤسسات المجتمع المدني، وسط مشاركة فاعلة من قبل الحضور في قطاع غزة ومشاركين من مناطق متعددة عبر برنامج الزوم.

وأوضح أ. عمر شعبان أنَّ الندوة السياسية تهدف إلى تعميق النقاش الدائر حول التحديات التي تواجه المشروع الفلسطيني، وتهدف لتقديم توصيات لصنَّاع القرار لتجاوز المأزق الحالي، مشيراً إلى أنّ مراكز الفكر والأبحاث التي تعنى باستشراف المستقبل تهدف لتقديم توصيات وخلاصات تساهم في صناعة قرارات أكثر جودة، لافتاً إلى أنَّ الندوة تشجع على ثقافة الحوار البناء والنقاش الهادئ.

من جانبه، أثنى د. أسامة عنتر مدير برامج مؤسسة “فريدريش ايبرت” الألمانية على الجهود التي تبذلها مؤسسة “بال ثينك” للدراسات الإستراتيجية في إثارة النقاش السياسي والفكر البناء، وتشجيع ثقافة الحوار، وتقديم رؤى بحثية وفكرية وسياسية ناضجة عبر ضيوفها المميزين.

وأوضح عنتر أنَّ مؤسسة “فريدريش ايبرت” الألمانية تتعاون مع مؤسسة “بال ثينك” للدراسات الإستراتيجية في برامج فريدة من نوعها في الأراضي الفلسطينية، بهدف ربط فلسطين في العالم الخارجي.

“المشروع الوطني”.. مآزق كثيرة!

بدوره، يرى الدكتور أحمد جميل عزم الأستاذ المساعد في جامعة بيرزيت، والمستشار السياسي لدولة رئيس الوزراء الفلسطيني -تحدث بصفته الشخصية- أنَّ هناك تحديات جمة تواجه المشروع الوطني الفلسطيني تتمثل في غياب الرؤية، والتطبيع العربي مع الاحتلال، وحالة التشتت والتشرذم في جغرافيا العالم (اللاجئين) التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى مشكلات سياسية، واقتصادية، وتعليمية.. الخ.

ويعتقد د. عزم أنَّ الخروج من المأزق الفلسطيني الحالي يكْمنُ فيما أطلق عليه مفهوم “إعادة ضبط المصنع” لمنظمة التحرير الفلسطينية، بمعني الحفاظ على المؤسسة مع ضرورة إصلاح الخلل فيها، لتتمكن من استعادة دورها الريادي والطليعي.

وذكر أنَّ المطلوب إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية التي لها مكانة تاريخية وقانونية تراكمتْ بفعل تضحيات كبيرة لا يمكن تجاوزها، لافتاً إلى أنه لا يتفق مع الآراء السياسية التي تذهب بضرورة تجاوز المنظمة أو الغائها أو إيجاد بديل عنها، كون المنظمة والسلطة جَاءَتَا بعد تضحيات كبيرة، ولم تقدما على طبق من ذهب.

طوق نجاة!

وأشار إلى أنَّ إصلاح المنظمة واستعادة دورها الريادي كإطار جامع للشتات الفلسطيني يتطلب العودة إلى نظام منظمة التحرير السابق، أو إيجاد نظام داخلي جديد يستطيع من خلاله الكل الفلسطيني المشاركة في صناعة القرار.

واوضح عزم أن الذهاب لانتخابات مجلس وطني في ظل نظامه الحالي يعتريه العديد من الإشكاليات، أولها ما يتعلق بالنظام الانتخابي القائم على الانتخابات وفق “القائمة النسبية” الذي أُقِرَ عام 2018، مشيراً إلى أنَّ ذلك النظام يعيق جدوى ضخ دماء جديدة، ويعيق تفعيل وإصلاح المنظمة بالطريقة التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات القائمة، لافتاً إلى أنَّ المطلوب توسيع المشاركة الشعبية والمهنية داخل المجلس الوطني في مقابل تقليل مقاعد التنظيمات داخل المجلس الوطني.

وأشار إلى أنَّ العودة إلى النظام السابق للمجلس الوطني الفلسطيني يحقق جدوى وقيمة كبيرة، أكثر من النظام الانتخابي القائم على انتخابات وفق القائمة النسبية، كون ذلك النظام الحالي يحد من دخول كثير من القطاعات الشعبية والمهنية.

وأشار إلى أنَّ العائق الثاني في إجراء انتخابات المجلس الوطني مباشرة يتمثل في صعوبة العمل في كثير من الساحات خارج فلسطين.

وأوضح أن العودة إلى النظام السابق لمنظمة التحرير يمكن أن يحقق الكثير من الإنجازات للمشروع الوطني، إذ يمكن أن يغير التركيبة العمرية داخل المجلس الوطني، ويرفد المنظمة بطاقات شبابية واعدة، وهو ما سيعمل على تغيير الثقل داخلها، وهو ما سيضمن استمرار انعقاد جلسات منظمة التحرير.

وذكر أنَّ حركتي حماس والجهاد الإسلامي يمكنهما المشاركة الفاعلة في مؤسسات منظمة التحرير من خلال الانخراط في انتخابات الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية.

وأشار إلى أنَّ الدعوة لانتخابات المجلس الوطني وتفعيل منظمة التحرير لا تعني أن الانتخابات التشريعية والرئاسية غير ضرورية، كون كثير من القضايا المجتمعية مثل الرواتب، ووحدانية السلاح والضرائب لا يمكن تجاوزها سوى عبر تشريعات يقرها المجلس التشريعي.

نظام اقتصادي وتعليمي معاصر!

في السياق، أشار إلى أنَّ المشهد الفلسطيني يعاني من مشكلات اقتصادية وتعليمية عديدة، إذ أنَّ لاقتصاد الفلسطيني يعاني من تشوهات عديدة، كونه اقتصاد غير ريعي ولا رعوي، مشيراً إلى أنَّ الاقتصاد في فلسطين يتطلب وضع استراتيجية سياسية واقتصادية وتعليمة توائم لغة العصر الرقمي و”عصر البيانات” الحالي.

ودعا عزم إلى إعادة هيكلة التعليم في فلسطين ليوائم متطلبات العصر الرقمي وعصر البيانات، مشيراً إلى أنَّ العالم بات يهتم بالكفاءات والمهارات والخبرات العملية أكثر من الشهادات العلمية.

غياب الرؤية!

من جانبه، أوضح د. ابراهيم فريحات، استاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا وجامعة جورجتاون أنَّ المشروع الوطني الفلسطيني يعاني من مأزق حقيقي؛ بسبب ثلاث مشكلات رئيسية وهي (فقدان الرؤية، غياب الإستراتيجية، ازمة القيادة).

وذكر فريحات أن المشكلة الأولى تتمثل في غياب “الرؤية”، قائلاً: الفلسطينيون كانوا يملكون رؤية إبان وعد بلفور، ورفضوا بعدها قرار التقسيم في العام 1947، وكانت هناك رؤية تمثلت بالمحافظة على كامل التراب الفلسطيني، من النهر إلى البحر، والتدخل العسكري العربي منهجاً لتحقيق ذلك، وفي طرح البرنامج المرحلي عام 1947، حدث تحولٌ في الهدف، ولكن بقيت هناك رؤية تقول بإقامة الدولة على الجزء الذي يتم تحريره مع بقاء الكفاح المسلح الطريقة الوحيدة للتحرير. وفي عام 1993، وعلى الرغم من سوئه، إلا أن اتفاق أوسلو كان يمثل رؤيةً بغض النظر اتفقنا معها أم لم نتفق، وتنص على إقامة الدولة على حدود عام 1967، والمفاوضات طريقا للوصول إلى ذلك”.

وأضاف: “القاسم الأكبر بين الفلسطينيين أنَّ الجميع يعترف أن حل الدولتين لم يعد قائماً، ولكن في نفس الوقت لا أحد يستطيع تبني فكرة حل الدولة الواحدة، ولا أحد يستطيع الإجابة على سؤال ما هي الرؤية الحالية للنضال الفلسطيني؟ وماذا يريد الفلسطينيون أن يحققوا في تلك المرحلة؟!”.

وأشار إلى أن الخلاص من تلك المعضلة يتمثل في تبني الفصائل لبرنامج سياسي، على اعتبار أن البرنامج السياسي هو الذي شكل أرضية الانقسام السياسي، ويمكن الاتفاق على مقاومة ومواجهة نظام الأبارتايد الإسرائيلي.

الإستراتيجية.. النموذج الرابع للمواجهة!

وأشار إلى أنَّ المشكلة الثانية تتمثل في “أزمة الإستراتيجية الكفاحية”، إذ مرَّ الكفاح الفلسطيني بثلاثة نماذج استخدمت فيها استراتيجيات مختلفة، النموذج الأول: الكفاح المسلح في العام 1965م، والذي اعتبر خلال تلك المرحلة أنه الطريق الوحيد والحتمي لتحرير فلسطين، وتطور ذلك النموذج الثاني بعد حرب 1982 إلى عام 1987 بنموذج حرب التحرير الشعبية، وبعدها جاء النموذج الثالث عام 1993 المتمثل في المفاوضات.

وذكر أن النسخة الثالثة المتمثلة في المفاوضات انتهى مفعولها منذ فترة طويلة لارتهانها إلى النظام الدولي والولايات المتحدة واعتمادها على مبدأ حسن النوايا، مشدداً أن الواقع الراهن بحاجة إلى النسخة الرابعة وهي نسخة محسنة عن (النسخة الثانية والنسخة الثالثة) وهي التي تجمع بين تطوير المقاومة الشعبية والعمل السياسي السلمي.

وقال: الإستراتيجية التي يجب اتباعها ليست النسخة الثانية ولا الثالثة، وانما تدمج بينهما، فإذا اردنا مقاومة شعبية يجب أن يرافقها منحى تفاوضي يجني ويحصد ثمار العمل الكفاحي الشعبي”.

وذكر أنَّ النسخة الرابعة تستثمر في كل فرد فلسطيني في أي مكان يتواجد فيه، فهي تتطلب من القانوني، والإعلامي، والدبلوماسي، والطالب، والعامل في جميع أماكن عمله، أن يتحرك لدعم القضية الفلسطينيةَ، مشيراً إلى انَّ الشعب الفلسطيني لم يعد بحاجة إلى بيانات تسقط من القيادة عليه، مستذكراً كيف أن الشعب الفلسطيني فرض على القيادة الفلسطينية خيار “الانتفاضة الأولى”.

وقال: “المجتمع الفلسطيني اليوم بشرائحه المختلفة مطالبٌ بأن يأخذ زمام المبادرة، ويمضي، وبطريقة لا مركزية، باتجاه صياغة رؤى ومنهاج للمشروع الوطني الفلسطيني من القاعدة إلى القمة”.

تنويع وسائل المواجهة

وأشار إلى أنَّ أسلحة وساحات المعركة في عصرنا الحالي تغيرتْ، إذ لم تعد المعركة تدور في زقاق الشجاعية، أو حواري جباليا، أو شوارع مخيم الفوار في الخليل، وإنما الآن هناك ساحات جديدة مثل الساحات الدولية والأممية والجامعات في جميع دول العالم.

وذكر أن الوسائل النضالية تحولت في العصر الحالي من الكلاشينكوف إلى “تويتر” و”يوتيوب”، واستبدلت البيانات الثورية العاطفية الرنّانة بالمقالة العلمية المدعومة بالدليل، مشيراً إلى ان اقناع إسرائيل للأنظمة العربية بالتطبيع لم يكن بالكلاشينكوف وانما كان من خلال قنوات السوشيال ميديا المختلفة.

ازمة القيادة!

أما المشكلة الثالثة من وجهة نظر فريحات، فتتمثل في “أزمة القيادة”، إذ يرى أن قادة الشعب الفلسطيني منقسمين، ولا يجمعهم حتى اللحظة أي إطار، مشيراً إلى انَّ حل الضلع الثالث من أضلع الأزمة يتمثل بإعادة بناء منظمة التحرير من أجل تشكيل القياد المستقبلية.

وشدد على أن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية تفرض على الفلسطينيين الانخراط في استراتيجية وطنية واضحة الأهداف.

التطبيع ليس ضربة قاصمة!

وفيما يتعلق بالتطبيع العربي، يرى فريحات أن التطبيع لم يشكل ضربة قاصمة للمشروع الوطني، كون الدول العربية المطبعة لم تكن تقدم دعماً يقود إلى التحرير، مستذكراً أن الدعم العربي اقتصر على الدعم المالي والسياسي، وأنَّ كلاهما لا يحرر أرض ولا يعيد حق.

ودعا فريحات القيادة الفلسطينية للتفكير جيداً بالعمل في ساحات ومجالات أخرى داخل الدول التي طبعت مع الاحتلال، وعدم فرض قطيعة مع تلك الدول لئلا تستأثر إسرائيل في كل الساحات والمجالات.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى