صدر حديثاً / عمل المؤسسات الدولية في قطاع غزة بين التسييس و التجرد – 16/8/2011

عمر شعبان*

على أئر فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 2006 و تشكيلها للحكومة في مارس من العام ذاته و تفردها بحكم قطاع غزة في يونيو 2007  دخلت علاقة المنظمات الدولية العاملة في القطاع بالمجتمع الفلسطيني و حكومة حماس في غزة طورا جديدا و ذلك بسبب أن هذه المؤسسات قد تبنت ذات الموقف الذي إتخذته معظم الدول الغربية و الذي يتلخص في  عدم التعامل مع حماس و حكومتها و جميع المؤسسات ذات العلاقة بها سواء من قريب أو من بعيد  . منذ ذلك الوقت و العلاقة بين المؤسسات الدولية العاملة تشهد توترا و تجاذبا شديدين في محاولة من طرفي العلاقة قياس قوة الطرف الاخر حيث يحاول كل طرف استخدام ما لديه من نقاط قوة ..فالحكومة في غزة تستند على أنها الحاكم في قطاع غزة و الراعي لمصالح الناس مما يستوجب على كل من يعمل تحت سيطرتها أن ينسق معها و أن يلتزم  بقوانينها.. في حين أن الطرف الاخر وهو المؤسسات الدولية يستند في موقفه على حاجة المجتمع الفلسطيني لخدماته خاصة بعد الحصار و الحرب على قطاع غزة.  . وقد تصاعد التوتر في العلاقة بين الطرفين في الفترة الاخيرة بعد أن طلبت دائرة المؤسسات  في وزارة الداخلية بغزة من هذه المؤسسات  أن تسجل نفسها  في دائرة المؤسسات و وأن تفتح مكاتبها للتدقيق  من قبل مدققين يتبعون لوزارة الداخلية بغزة . تراوح رد فعل المؤسسات الدولية على هذه المطالب بين الرفض المطلق و بين  البحث عن  حلول وسط . مما دفع ببعضها إلى وقف أعمالها .و نظرا لأهمية القضية  فقد تم تداول عدة مقترحات لتفكيك الازمة .. على سبيل المثال تكليف مكاتب تدقيق مرخصة و معترف بها دوليا و محليا كطرف ثالث .

قد يكون من المفيد هنا أن نستحضر  بعض المواقف حول هذه القضية و من مناظير متعددة بهدف إثراء النقاش حولها

– إن المؤسسات الدولية ليست من نمط واحد , هناك مؤسسات دولية تعمل في المجال الانساني دون أي محاذير  سياسية و هي بذلك تعبر عن تضامن حقيقي مع الشعوب التي هي بحاجة لخدماتها , في حين أن البعض الاخر يلتزم كليا بسياسة الممول  حتى لو لم تكن مقتنعة هي بذلك.  لذا ينظر المجتمع الفلسطيني بكل تقدير للكثير من المؤسسات الدولية التي ساهمت بشكل مرموق في تخفيف معاناته و في الدفاع عن قضيته محليا و دوليا .

– قد يكون متفهما أن تسارع الحكومات الغربية بوقف تمويلها للحكومة التي شكلتها حركة حماس بذريعة الشروط السياسية أخذا في الاعتبار أن التمويل الدولي الحكومي هو يخدم أغراضا سياسية دائما . . لكن ليس متفهما أن تسارع الكثير من المؤسسات الدولية لأخذ نفس الموقف الحكومي الدولي بكونها تعمل في مجال الاغاثة و التنمية .

– تضخم عدد المؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة بشكل غير مسبوق بعد الحصار و الحرب في محاولة من بعضها للإستفادة من الازمة الانسانية التي سببها الحصار و الحرب على قطاع غزة . خاصة من قبل مؤسسات تعمل في مجال الاغاثة ليس لرغبتها في خدمة الفقراء بل من أجل تمويل موظفيها و مكاتبها في العالم . لقد أصبح قطاع غزة مصدرا للوظائف ذات المرتبات الخيالية و لتمويل صناعة الاستشارات و  الاغاثة الدولية بما يمكن وصفه ” إنهم يشتغلون  بالفقراء و ليس للفقراء  . لقد شكل الانقسام الفلسطيني فرصة ذهبية للكثير من المؤسسات الدولية التي استراحت من الرقابة الرسمية  في ظل ضعف الرقابة الشعبية و قد منحتها الازمة في القطاع فرصة ذهبية لتضخيم طواقمها .

– إن تـزاحم مؤسسات دولية عديدة للعمل في قطاع غزة يفتقر معظمها للرؤيا الاستراتيجية و يتركز جل عملها في  توزيع المساعدات الطارئة ذات الجدوى المؤقتة قد خلق حالة ممرضة من التواكل و الاعتمادية و أشاع أجواء من التكاسل و التسول بما يدمر مكنونات القوة في المجتمع الفلسطيني و يحد  من التعاضد و التكاتف الذاتيين .

– يعتقد الكثيرون أن من واجب أي حكومة , بغض النظر عن الموقف منها أن تراقب عمل المؤسسات الدولية العاملة في الاقليم الذي تسيطر عليه إستنادا على الفرضية القائلة ليس هنالك دولة في العالم تسمح لأي مؤسسة دولية أو وطنية بالعمل على أراضيها دون أن تكون مسجلة و دون أن تقدم لها تقارير دورية. إن المؤسسات الدولية العاملة في الصومال و العراق و تايلاتد و بريطانيا و السويد تنسق مع الحكومة بغض النظر عن البرنامج السياسي للحزب الحاكم  .

– تستلم الحكومة في غزة الكثير من الشكاوي من المواطنين تشير إلى مستويات غير مسبوقة من الفساد الذي تمارسه بعض المؤسسات الدولية سواء في التوظيف أو في إختيار الشركاء أو في إختيار المستفيدين . لذا تشعر الحكومة في غزة أن من واجبها  تنظيم عمل المؤسسات الدولية و الاهلية العاملة في قطاع غزة و محاربة مظاهر الفساد المالي و الاخلاقي و السياسي .

– لا تجد الحكومة في غزة أي سبب منطقي , غير سياسي لرفض المؤسسات الدولية تسجيل نفسها وفتح أبوابها للتدقيق خاصة إذا كانت واثقة من دقة برامجها و شفافية عملها .

– يشعر الكثير من  المجتمع  الفلسطيني بالغضب الشديد من سلوك الكثير من المؤسسات الدولية و موظفيها الذين يتعاملون بإستعلاء و غرور شديدين  مع الفئات المستهدفة و يمارسون إمتهانا واضحا لكرامة الفقراء و إنتهالكا لخصوصياتهم من خلال إستبيانات مرهقة تستفسر عن تفاصيل حياتهم الخاصة و إجبارهم على الانتظار ساعات طويلة و في ظروف غير إنسانية مطلقا ..  هو ما يتناقض كليا مع مبادي و أسس العمل الانساني الاخلاقي .

– أثبتت الدراسات أن معظم  التمويل الدولي يذهب لمصلحة المؤسسات الدولية ذاتها على شكل رواتب , مكافآت ضخمة  و في تمويل المصروفات الترفية كالسيارات الفخمة و في إستشجار الشقق مرتفعه التكلفة و على موائد العشاء في الفنادق الراقية , بحيث لا يتبق للمجتمع الفلسطيني سوى الفتات .  إن المجتمع الفلسطيتي لا يستفد بأكثر من 20%  من حجم التمويل المخصص في حين تذهب النسبة الباقية للمؤسسات الدولية ذاتها .  فقد نشرت مجلة كريستيان ساينس مونيتور قبل يومين , في سياق الحديث عن إجراء الحكومة المصرية تحقيقا حول تلقي أحزاب سياسية و منظمات مجتمع مدني  مصرية آموالا أمريكية  أن 85% من مساعدات الديمقراطية لمصر ذهبت لمؤسسات أمريكية أي أن ما تم صرفه في مصر لا يزيد عن 15% .

– تعتقد الحكومة في غزة أن التدقيق على برامج المؤسسات الدولية  سيجلب لها فوائد كثيرة من بينها منع تلاعب بعض المؤسسات الاهلية الشريكة . حيث يوجد  إثباتات عديدة عن حالات فساد متفشية في بعض المؤسسات الاهلية التي  تمارس الكذب و التزييف على المؤسسات الدولية و تقدم لها تقارير وهمية عن برامج لم تنفذ بالشكل المطلوب  .

– يتوقع الموطنون من الحكومة بغزة , بغض النظر عن موقفهم منها أن تقوم بما هو مطلوبا منها كحاكم .. مثل رصف الطرق , بناء  المدارس, الحفاظ على الامن و غيرها من الخدمات السيادية التي يجب على أي حكومة أن تقوم بها سواء كانت حكومة دافيد كاميون في بريطاينا  أو حكومة الشباب الاسلامي في الصومال . و حيث أن المؤسسات الدولية تستخدم هذه الخدمات المتنوعة و البنية التحتية , لذا وجب عليها المساهمة فعلا في تحسينها و تطويرها .

– يعتقد الكثيرين في قطاع غزة أن هذه الاجراءات التي تطبقها الحكومة في غزة تتم بشكل إنتقائي بحيث لا تشمل في نطاقها المؤسسات الدولية العربية و الاسلامية التي تعمل في قطاع غزة  و حتى تلك المؤسسات  المحلية التي ترتبط بعلاقة ما  مع الحكومة في غزة .

في النهاية يجب على الحكومة في غزة  مراعاة حاجة الكثير من شعبنا في قطاع غزة لخدمات هذه المؤسسات  و العمل على توفير أجواء مناسبة لها و المساواة في تعاطيها مع جميع المؤسسسات العاملة في قطاع غزة . على الجانب الاخر على المؤسسات الدولية , إن كانت صادقة في زعمها في انها موجودة في قطاع غزة لخدمة الفقراء و المحتاجين أن تبتعد  عن التسييس و أن ترتقي بمستويات الشفافية في تنفيذ برامجها . وهنا يأتي دور منظمات المجتمع  المدني  المرتبطة بمصالح الناس و ليس تلك التي تسبح في عسل التمويل الدولي لإيجاد أجسام شعبية للرقابة على عمل المؤسسات الدولية ومتابعة مدى  إلتزامها بمبادي الشفافية و النزاهة و القانون .

أختم بتسائل برئ للمؤسسات الدولية :-

متى سترفع المؤسسات الدولية الحظر عن تعاملها مع حكومة غزة ! وكيف سيكون موقف  المؤسسات الدولية لو قررت الرباعية بقدرة قادر أن تتعامل مع حكومة غزة  غدا … هل ستعترف المؤسسات الدولية بها أيضا .. عندها يحق لنا القول أن المؤسسات الدولية هي عضو في الرباعية الدولية أيضا .

*مؤسس و مدير بال ثينك للدراسات الاستراتيجية بغزة

www.palthink.org
omar@palthink.org

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى