حقول الغاز في بحر غزة: ما أقرب غزة لنيجيريا رغم تباعد الجغرافيا

بقلم: عمر شعبان

 ما أقرب غزة لنيجيريا رغم تباعد الجغرافيا، نيجيريا من اكبر مصدري النفط في العالم وهي من أكثر مناطق العالم فقرا في ذات الوقت. يموت مئات النيجيريون وهم يحاولون الحصول على بضع لترات من نفطهم الذي يتدفق من بين عيونهم، ويعاني الغزيون الفقر الشديد والبطالة العالية ويموتون من انقطاع الكهرباء والغاز في حين أن حقول الغاز في عرض المتوسط على مرأى من عيونهم.

مع وجود مؤشرات قوية بإمكانية تواجد غاز ونفط في اراضي ومياه فلسطين، قامت السلطة الفلسطينية في العام 1999 بمنح عقد حصري لمدة 15 عاما لشركتي بريتش غاز البريطانية (BG ) وإتحاد المقاولين CCC للتنقيب عن الغاز في بحر غزة. مع بدء عمليات البحث والتنقيب التي لم تستغرق طويلا ولم تتكلف كثيرا من قبل الشركتين المطورتين اكتشف في عــام 2000، حقلين في شواطئ غزة هما 1) حقل غــزة البحـري (Gaza Marine) ويقع كليا ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية قبالة مدينة غزة، يقدر المخزون المؤكد في هذا البئر بـ 28 مليار متر مكعب 2) حقل غزة الحدودي والذي يقع ضمن المنطقة الحدودية البحرية بين قطاع غزة وإسرائيل ويقدر المخزون المؤكد فيه بـ ـ3 مليار متر مكعب. يبلغ مخزون الغاز في بحر غزة 31 مليار متر مكعب، تقدر قيمته السوقية بما يزيد عن 6.5 مليار دولار.

عقد مجحف للجانب الفلسطيني :-

حسب الكثير من الآراء الدولية والمحلية فإن العقد الممنوح من قبل السلطة الفلسطينية لشركتي التطوير هو مجحف جدا بالجانب الفلسطيني ليس فقط بسبب حرمان الفلسطينيين من إستغلاله حتى الان . بل بسبب تواضع النسبة المخصصة للجانب الفلسطيني مقارنة بحصص الشركتين المطورتين، كان يمكن الاكتفاء بأحدهما بما سيرفع نسبة الجانب الفلسطيني. فقد أعطيت شركتي التطوير حق التنقيب والتسويق الحصري للغاز في حال إكتشافه . وقد منحت هاتين الشركتين مجتمعة نسبة امتلاك إجمالية قدرها 90% 60% لشركة بريتش غاز(BG) و%30 لشركة اتحاد المقاولين ( CCC)  في حين خصص 10% فقط للجانب الفلسطيني . أثار هذا العقد بعض الشبهات فيما يتعلق بالشفافية في منح العقد الحصري الذي تم دون مناقصة عامة والنسبة المتدنية التي خصصت للشعب الفلسطيني بما يؤشر على درجة عالية من المظلومية. إن الشركات المطورة قد إستثمرت لغاية الان ما يقارب من 100 مليون دولار في أعمال التنقيب . من المتوقع أن يبلغ حجم الاستثمار الكلي 800 مليون دولار، في حين ستحصلان على عوائد تزيد عن 4 مليار دولار بما يجعل نسبة العائد على الاستثمار تزيد عن 045%.

مرة اخرى السياسة تعبث بالاقتصاد والتنمية :-

إن اكتشاف الغاز وقيام الرئيس الراحل ياسر عرفات بافتتاحه في حفل مهيب في العام 2000 قد أعطى الفلسطينيون أملا بأن فلسطين ستصبح دولة خليجية ليس في الجغرافيا لكن من حيث إنضمامها لنادي الدول المنتجة للغاز . ليكتشف الفلسطينون لاحقا أنهم أقرب إلى نيجيريا ليس في الجغرافيا ايضا لكن من حيث حرمانهم من التمتع بمواردهم. إن عملية استغلال غاز غزة اصطدمت بالمعيقات السياسية والاقتصادية إسرائيليا والانقسام الداخلي وغياب الرقابة التشريعية والمجتمعية فلسطينيا. حالت إسرائيل دون بيع الغاز الفلسطيني لغيرها كي تكون المشتري الوحيد له وبشروطها. عرضت إسرائيل شراء الغاز الفلسطيني بأسعار منخفضة جدا عن الاسعار الدولية، مقابل قيامها بحماية حقول الغاز بقواتها البحرية وضمان سلامة العاملين ومعداتهم . مستفيدة من عدم إمتلاك الفلسطينيين القدرة التقنية ولا العسكرية للقيام بذلك، حيث تتواجد حقول الغاز على بعد 30 كيلومتر من شواطئ غزة وعلى عمق 600 متر.

قضية خلاف ثانية عرقلت بيع الغاز الفلسطيني تمثلت في أن رئيس الوزراء الاسرائيلي في حينها أريئيل شارون اشترط أن يتم ضخ الغاز من غزة للموانئ الاسرائيلية عبر انابيب بحرية وليس برا، كي لا يتحكم الفلسطينيون بموارد الطاقة المغذية للاقتصاد الاسرائيلي، في حين أصر الرئيس عرفات على أن يتم جلب الغاز لغزة أولا ومن ثم ضخه بأنابيب برية لإسرائيل بما يؤشر على سيادة الفلسطينيين على مواردهم و استخدامه في توليد الكهرباء وفي سد الاحتياجات الصناعية والمنزلية. من الجدير بالذكر أن المحطة الوحيدة لتوليد الكهرباء في غزة تعتمد على الوقود الصناعي، وهي المحطة التي تملكها شركة اتحاد المقاولين) CCC) مع آخرين مصممة لتعتمد على الغاز في مراحل لاحقة. توقفت المفاوضات بسبب تلك الخلافات وقيام الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000 ووفاة الرئيس عرفات ودخول شارون في غيبوبة طويلة. مما إضطر إسرائيل للبحث عن بديل لتجده في مصر حيث تم التوقيع مع الحكومة المصرية على إتفاقية لتوريد الغاز المصري إلى إسرائيل تمتد لعشرين عاما. فسخ هذا العقد في العام الماضي تحت ضغط الثورة المصرية وبسبب الشروط المجحفة بالجانب المصري كما وصف من قبل المتخصصين .

المفاوضات تعود من جديد:

بسبب حاجة الاقتصاد الاسرائيلي للغاز لتمويل النمو الذي شهده في السنوات القليلة الماضية، فقد جددت إسرائيل مفاوضاتها لشراء الغاز الفلسطيني . تركزت الاستراتيجية الاسرئيلية الجديدة على ثلاث اسس :أ) العمل على إستبعاد الجانب الفلسطيني ممثلا في صندوق الاستثمار الذي يشرف على إدارة إستثمارات السلطة الفلسطينية من المفاوضات وقصرها على شركة بريتش غاز معللة ذلك بسيطرة حماس على غزة وشواطئها ب) أن يحصل الفلسطينيون على نصيبهم من الصفقة على شكل سلع وخدمات حتى لا تستفيد منها حركة حماس أو حتى السلطة الفلسطينية ذاتها ج) يتم نقل الغاز من حقوله البحرية في غزة بأنابيب بحرية إلى ميناء عسقلان (أو أشكلون) الإسرائيلي ، بما يعني إكتمال السيطرة الاسرائيلية على الغاز الفلسطيني. عامل جديد دخل في معادلة الغاز الفلسطيني تمثل في دخول حركة حماس للمشهد السياسي منذ يونيو2006. فحركة حماس التي لم تكن مهتمة كثيرا بحقول الغاز قبل سنوات بسبب إدراكها أنه خارج نطاق سيطرتها ولا تستطيع صواريخها في ذلك الوقت الوصول إليه، ستصبح اكثر اهتماما مع سيطرتها على قطاع غزة منذ العام 2007 ومع تنامي قدراتها الصاروخية التي وصلت في الحرب الاخيرة إلى مدى 80 كيلومتر. بما يجعل من حقول الغاز التي تبتعد بثلاثين كيلومترا في مرمى صواريخها نظريا . بذا تصبح عملية بيع الغاز الفلسطيني أكثر تعقيدا عن ذي قبل في ظل الانقسام . مما يجعل من المصالحة الفلسطينية مطلبا اساسيا ليس لمسيرة السلام فقط بل من أجل تحقيق التنمية ومكافحة الفقر والبطالة و تخفيف الازمة المالية للسلطة الفلسطينية .

http://www.al-monitor.com/pulse/ar/contents/articles/opinion/2013/03/gaza-oil-fields.html
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى