الاثنين، 17 يونيو، 2019
“التهميش في وضع غير مستقر يكتسب أبعادا أكثر خطورة وحساسية” هكذا وصفت الاستشارية النفسية والأسرية جميلة الحساينة التهميش الاجتماعي في المجتمع الغزي خلال استعراضها تعريفه في بداية الحلقة الرابعة من برنامج اللاعنف منهج حياة الذي تنفذه مؤسسة بال ثينك ضمن مشروع تجمع المؤسسات الأهلية من أجل نشر ثقافة اللاعنف، ذاكرة أن قطاع غزة فيه أكثر من اثنين وعشرين منطقة مهمشة وذلك حسب دراسة أعدتها جميعة الهلال الأحمر الفلسطيني في الربع الأول من عام 2019، ويعاني سكان تلك المناطق من التهميش في الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والخدماتي.
وقالت الحساينة أن التهميش الاجتماعي يطال جميع المستويات في المجتمع من الأسرة الصغيرة إلى المجتمع ككل وهو غير محصور ببيئة محددة أو فئة محددة، مشيرة إلى أنه أينما وجد التهميش وجد العنف ولا يمكن فصلهما عن بعضهما، فيلجأ أغلب من يتعرضون للتهميش للعنف من أجل التعبير عن ذواتهم، ومن نظرة نفسية فإن همش المجتمع جماعةً أو أفرادًا وإزاحتهم عن المركز ومنعهم من ممارسة أدوارهم بفعالية في مختلف المجالات فغالبا ما يحس المهمشين بما يعرف نفسيا “بالإزاحة” وهو تفريغ الأثر النفسي من غضب واستياء ناتج من التهميش الممارس على الفرد باتجاه الأفراد الأضعف.
وأكدت أن المرأة في غزة تعاني من تهميش مزمن من عقود طويلة بفعل عدة عوامل، يليها الأطفال وبعدهم الشباب، مذكرة أن التهميش موجود في كل المجتمعات في العالم السائرة منها نحو النمو والمجتمعات الأكثر نموا وتحضرا، مع فارق تحسين الظروف المعيشية التي يعيشها المجتمع بشكل عام، وهذا ما يجعل المجتمعات الأكثر تحضرا تتنبه لهذه الظاهرة وتستشر خطرها فتبدأ سريعا بالبحث عن حلول لها كتشكيل وزارة للإدماج أومؤسسات خاصة تعمل على مواجهة التهميش.
أما طريقة تحديد وملاحظة مظاهر التهميش فهي تعتمد، بحسب الحساينة، على معيار المركز والهامش وهذا يعني افتراض وضع مستقر ثابت في المركز فيتبعه الهامش استقرارا، أما إن كان المركز مضطرب “مثل مدينة غزة” سيكون الهامش أكثر اضطرابا وبالتالي ستكون ردات الفعل الموجود غير صحيحة وأكثر عنفا.
وقد تكون سياسات الفصل العنصري التي يعيشها الشق الآخر من الفلسطينيين في الضفة الغربية له آثاره المعززة على الواقع الاجتماعي المعاش وهنا يقول الاستاذ جميل دويك من جمعية الرازي من مدينة القدس أن التهميش الاجتماعي الذي يعانيه الفلسطيني المقدسي لا يختلف كثيرا عما يعيشه أهل الضفة وأهل غزة مع بعض الخصوصيات لكل منطقة، خاصة وأن العوامل لا تختلف كثيرا بينهم فالكل الفلسطيني يعاني من عدم استقرار أمني وانعدام فرص عمل، إلى جانب الإغلاقات والحواجز المنشرة هنا وهناك على اختلافها، والاعتقالات والانفسام السياسي وعدم وجود العدالة الاجتماعية وانعدام الفرص كلها تؤدي إلى التهميش الاجتماعي، منوها إلى أن آثاره تظهر بشكل كبير جدا على الأطفال فتؤدي بهم إلى الانطوائية وتعزز النزعة العدوانية لديهم، وانشار الغيرة بينهم، إلى جانب أثره على النساء اللواتي يفقدن الأمل كنتيجة لتهميشهن ما يؤدي إلى رغبتهم بالإنفصال عن أزواجهن ومطالتهم بالطلاق الذي أصبح في أعلى مستوياته في القدس، معرجا على أن التهميش يشعر النساء بفقدان دورهن في المجتمع.
البديل عن التهميش هو البحث عن الذات، بحسب دويك، مما يدفع المهمش إن كان طفلا أو امرأة أو شاب للبحث عن ذواتهم بطرق أخرى، منها الهجرة خارج فلسطين ليحاولوا من خلالها إيجاد ما أفقدهم إياه التهميش الاجتماعي، ذاكرا المخاطر التي يواجهها المهاجر من الغرق في البحر من أجل الهروب نحو واقع أفضل، قد يسقطهم في مصيدة الأمراض الاجتماعية والإدمان والعدوانية، وهذا كله بسبب وضع الفرد في هامش صغير أقل من قدراته وطموحاته وأمانيه.
وأشار دويك إلى أن تمسك الفلسطيني بهويته هو أول الخطوات في مواجهة التهميش الاجتماعي الممارس عليه، مضيفا “على أصحاب القرار المساهمة في إتاحة الفرصة الكاملة للشباب واتاحة العدالة الاجتماعية للجميع، لأن الإنسان عندما يفقد ذاته يتوحش ويبدأ باتباع كل الأساليب من أجل إيجادها، فعلى المسؤولين أن يضعوا هذه العملية في إطارها السليم، بعيدا عن الأساليب العدوانية والعنفية”، مردفا أنه يجب إتاحة كل الطرق الحضارية أمام الفلسطيني من أجل التعبير عن نفسه أمام مجتمعه المحلي وأمام المجتمع الخارجي، ليسوق نفسه على أنه صاحب حق وليس طالب إرهاب ولا عنف ولا كراهية، بل هو مواطن فلسطيني حقة مسلوب، فالعالم بدا متأخرا في إدراك حق الفلسطيني ويجب علينا جميعا العمل من أجل استدراك ذلك من خلال العمل على حريتنا واستقللنا.
أما حول البعد الإنساني للتهميش الاجتماعي تقول جميلة الحساينة، أن المهمش يشعر بالاستياء والإضطهاد والقهر، مما يصيب الناس بالنقوص، مما يسهم باتباعهم أساليب طفولية في التعبير عن امتعاظهم مثل تخريب الممتلكات العامة والشغب وكتابة على الجدران وإتلاف المرافق الصحية، مضيفة أن التهميش الاجتماعي ينقص القيم الإيجابية التي نسعى لغرسها في أفراد المجتمع.
وحول مستوى الخدمات العامة التي تقدمها المؤسسات الأهلية للمجتمع، أعد فريق العمل الخاص بالبرنامج استطلاع رأي عما إذا كان هناك عدالة في توزيع البلديات لخدماتها أم لا. واتفق 80 بالمئة من المستطلعة أراءهم على أن هناك تهميش يحصل لبعض المناطق لصالح مناطق أخرى بناءً على أهمية تلك المناطق، واستفادة البلدية من الجباية والعائدات المادية من المناطق المخدومة بشكل أكبر، وأرجع البعض الإهتمام بسبب وجود شخصيات اعتبارية في مناطق، أما 20 بالمئة من المستطلعة آرائهم أبدوا رضاهم عن توزيع الخدمة من البلدية وأن السبب في تردي احساس الناس بها يرجع لإهمال المواطنين أنفسهم أو بعض العمال في البلديات.