يتكرر الحديث عن العنف الذي تتعرض له النساء في فلسطين كثيرا، ولكن إلى أي مدى يمكننا الرهان على دور “الحلقة الأضعف” في المجتمع الفلسطيني ونصفه من أجل بناء وتعزيز ثقافة اللاعنف..؟؟ هذه ما تناولته الحلقة السادسة من برنامج اللاعنف منهج حياة الذي تنفذه مؤسسة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية و FXB ضمن مشروع تجمع المؤسسات الأهلية من أجل نشر ثقافة اللاعنف.
في بداية اللقاء، استعرضت ضيفة الحلقة سلوى عوض الله رئيس مجلس إدارة جمعية الفردوس لتنمية المرأة والطفل من مدينة دير البلح واقع العنف الممارس على النساء، مفهوما وأنواعا نفسي جسدي اقتصادي، قائلة أنا المجتمع الفلسطيني طالما اعتبر الحلقة الأقوى هو الرجل وبالتالي هو من يمارس العنف ضد المرأة غير أن هناك حالات أخرى يمارس فيها الرجل العنف ضد الرجل، والمرأة ضد المرأة، والمرأة ضد الرجل، إلا أن الأكثر شيوعا هو النوع الأول الممارس من الرجل ضد المرأة، وهذا العنف ليس جديدا في مجتمعنا فهو موجود منذ النكبة عام 1948 –حسب عوض الله- وقد مورس ابتداء من المعنف الرئيسي والأكبر “الاحتلال” وصولا لعنف الأخ أو الزوج المعزز بالعرف المتوارث والعادات الاجتماعية.
وذكرت عوض الله أن احصائية أعدها مركز شؤون المرأة تفيد بأن هناك امرأة واحدة بين ثلاث نساء تتعرض لنوع واحد على الأقل من أنواع العنف، إلى جانب ما تتعرض له من تشريد واعتقال وقتل ناتج من الحروب التي تتعرض لها المنطقة، مضيفة أنه ما بين عامي 2015 و2019 هناك 85 امرأة تعرضت للقتل أو الانتحار أو الموت بظروف غامضة.
وهذا العنف يظهر على أساس التمييز بين الجنسين بحسب الضيفة في أكثر من مجالس السيدات لا يتمتعن بحقوقهن، ويتعرضون للاضطهاد في معظم الأوقات, ولا يوجد وعي حقيقي عند النساء لدفعها من أجل المطالبة بهذه الحقوق، ولهذا اجن بأن الكثير من النساء يتعرضن للعنف ولا يطالبن برفعه.
تخلل الحلقة عرض لاستطلاع رأي أعده فريق البرنامج حول ما إذا كانت المرأة التي نشأت على العنف قادرة على تربية أبنائها على طريقة غير العنف، وتوزعت الإجابات بين: نقل المرأة للطريقة التي تربت عليها إلى أبناءها في حالة عدم وعيها، والانتقام من الأطفال إن لم تتمتع الأم المعنفة بالإدراك لتبعات هذه الأسلوب في التربية، والبعض أرجع الأسلوب التربوي المتبع إلى نفسية الأم وقدرتها على التحرر من أثر العنف التي تعرضت له، والبعض رجح كفة أن تكون التجربة العنيفة دافعا للأم تتبع أسلوبا مختلفا وأكثر رقيا في التربية، وذهب أخرون لترجيح بقاء تأثير التنشئة السيئة على الأم إن لم تخضع لعلاج مختص، وهناك من نفى قطعا أن تذيق الأم أطفالها نفس كأس العنف الذي شربت منه، إلا أن غالبية الآراء تبنت احتمالية أن يكون الأثر سلبيا أو إيجابيا اعتمادا على وعي وإدراك الأم.
وأشادت عوض الله بالدور الذي تلعبه النساء في ما يتعلق بحل النزاعات المجتمعية ضمن مشاركتها في أكثر من جهة منها لجان الإصلاح ومؤسسات المجتمع المدني، خاصة في ما يتعلق بالمشاكل والنزاعات الخاصة بالنساء والتي يصعب على الرجال -بحكم أن مجتمعنا محافظ- التدخل لحلها، وهذا ما جعل مفهوم “نساء الإصلاح” يظهر على السطح، مشددة على ضرورة العمل المستمر من أجل رفع وعي النساء بحقوقهن واتباع الطرق الفضلى لمناهضة العنف وحل النزاعات بالوسائل السليمة التي تضمن لهن عدم تأجيج المشاكل.
ونوهت بأن جمعية الفردوس التي تترأس مجلس إدارتها بدأت بتنفيذ مبادرة بالشراكة مع بال ثينك تحت عنوان “أنتِ السلام” بهدف إنتاج عدد من الأفلام القصيرة التي تتناول قضية العنف ضد النساء وأثره عليهن وعلى حياتهن والطرق الإيجابية والأكثر فاعلية من أجل رفع ومناهضة هذا العنف الواقع عليها.
وضمن مداخلة هاتفية تحدثت الأستاذة فداء أبو تركي رئيس مجلس إدارة منظمة إرادة الحاضنة الأولى لسيدات الأعمال من مدينة الخليل عن المبادرة التي تنفذها بالشراكة مع بال ثينك حول تبني عدد من المبادرات الصغيرة من طلاب وطالبات المدارس الجامعات من أجل تعزيز ثقافة اللاعنف وخاصة بين النساء ومناهضة العنف الممارس ضد المرأة على كافة المستويات، ذاكرة أن هذه المبادرة من بال ثينك جاءت في الوقت المناسب في ظل كل ما تعانيه النساء في الخليل بهدف دعمها من خلال إعداد برامج مجتمعية عبر منصات الإعلام المجتمعي والتلفاز والإذاعة.
وحول تخصيصهم المبادرة بطلبة المدارس والجامعات، قالت أن الفئة المستهدفة هي أكثر من يظهر عليهم أثر العنف المنزلي وما يشاهدونه من عنف ممارس على أمهاتهم سواء من أزواجهم أو المجتمع، كما أنه الطلاب هم الأقرب لكشف هذه الظواهر التي تحدث غالبا في الخفاء ووراء الجدران على الأم أو الأخت أو البنت داخل مجتمع الأسرة فبالتالي تكون هذه المبادرات أقرب للواقع وأكثر ملامسة لهدف المنشود، منوهة إلى أن أغلب الممارسات العنيفة كان سببها الوضع الاقتصادي القائم بمجتمعنا.
وتحدثت أبو تركي عن استثمارها للجوائز الدولية والمحلية التي حصلت عليها من خلال إبراز المعاناة التي تمر بها النساء الفلسطينيات بكافة القطاعات ومن خلال خلق نموذج حي يحذى من الفتيات والسيدات اللواتي يرغبن بتحقيق ذاتهن على كل الأصعدة، مضيفة أنه يجب على كل النساء الراغبات بالنجاح تحويل العقبات والتحديات إلى حوافز ودوافع من أجل النهوض وتحقيق أحلامهن على أرض الواقع خاصة وأن المرأة الفلسطينية قادرة على إحداث التغيير وصناعة الفارق الإيجابي في المجتمع.