تجارة الانفاق بين غزة و سيناء مال دون رأس .. و رأس دون مال

بقلم: عمر شعبان

ملخص ” أحد تحديات المصالحة بين حماس و السلطة هو إعادة إستيعاب 55000 موظف للسلطة الفلسطينية في غزة والذين طلب منهم الاستنكاف عن العمل معحكومة حماس , هنالك تحد لا يقل أهمية هو كيفية دمج مئات الاثرياء الجدد الذي راكموا ثروات هائلة من التجارة غير الشرعية إلى  النشاط الاقتصادي الشرعي و المسجل و في إعادة مئات آخرين خرجوا من النشاط الاقتصادي بسبب الحصار .

الانفاق ليست جديدة:-

حسب وزراة الدفاع الاسرائيلية أن الانفاق تحت الحدود الغزاوية السيناوية موجودة من منتصف الثمانيات .كان عددها في ذلك الوقت لا يزيد عن اصابع اليد الواحدة وقد كانت بدائية جدا  و إستخدمت في تهريب ما هو ممنوع في ذلك الوقت مثل السلاح و المخدرات و  الافراد الممنوعون من المرور عبر المعابر الشرعية .اصبحت الانفاق ظاهرة مركزية و مؤثرة منذ فرض الحصار  الاسرائيلي على قطاع في يونيو من العام 2007  على أثر سيطرة حماس على الحكم في قطاع غزة . فقد تضخم عددها حتى وصل إلى 1200 نفقا تمتد تحت الشريط الحدود الذي يتراوح طوله 12 كيلو متر و عرضه 700 متر .  كذلك تغيرت وظيفتها حيث أصبحت مصدرا هاما لإدخال آلاف السلع اللازمة لحياة البشر و مصدرا هاما للايرادات التي تجبيها حكومة حماس في غزة .  إلا أن أهميتها و عددها  قد تضاءلت في يونيو 2010 نتيجة تخفيف الحصار الذي إضطرت له الحكومة الاسرئيلية بسبب الضغط الدولي الذي  انتج عندما هاجمت البحرية الاسرائيلية عددا من السفن , معظمها تركية كانت تحمل متضامنين دوليين, معظمهم أتراك في 31 مايو 2010 . الجدير بالذكر أن الهجوم الاسرائيلي أدى إلى مقتل عدد من الناشطين الاتراك و توتر العلاقة بين إسرائيل و تركيا.

نتائج في إتجاهات متعددة :

بالرغم من عدم شرعيتها , فقد ساهمت تجارة الانفاق في تخفيف تداعيات الحصار الاسرائيلي على سكان قطاع غزة  , حيث وفرت الانفاق مئات السلع الاساسية  مثل حليب الاطفال و المستلزمات المدرسية و كذلك مدخلات قطاع الانشاءات , لكنها أيضا خلقت ظواهر و سلوكيات سلبية سيحتاج المجتمع الفلسطيني إلى سنوات  طويلة و مجهودات ضخمة لمعالجتها .

– أثرياء جدد و أنماط إستثمار جديدة :  أحد النتائج المباشرة لتجارة الانفاق هو تكون طبقة من الاثرياء الجدد الذين  تمكنوا من مراكمة ثروات خيالية في وقت زمني قصير . حيث تحدثت تقارير عديدة عن تكون طبقة جديدة من المليونيرات الجدد يزيد عددهم 1000 مليونير. سبب ظهور هذه الطبقة في إحداث تغيير جوهري في انماط النشاط الاقتصادي في قطاع غزة  و في تغيير  منظومة القيم التي تحكم المجتمع . ونظرا إفتقار هذه الطبقة للخبرة اللازمة في إدارة الاعمال , فقد إتجهت إستثماراتهم في معظمها إلى الاشكال التقليدية في الاستثمار مثل شراء الاراضي و العقارات و إمتلاك السيارات الفارهة مما رفع اسعرها بشكل خيالي . كذلك تمكنت هذه الطبقة تدريجيا من إمتلاك التأثير السياسي و الثقافي في مجتمع قطاع غزة . كما يحدث عادة في مثل هذا الظروف سعت هذه الطبقة  للتشبيك مع السلطة من أجل الحصول على الحماية و التأثير .

– تحول الثقل الاقتصادي من المركز للمحيط :

كانت مدينة غزة التي يسكنها ثلث سكان القطاع هي مركز النشاط الاقتصادي سواء التقليدي أو الحديث .  تحول هذه الثقل بسبب الانفاق الموجودة تحت الشريط الحدودي بين مدينتي رفح الفلسطينية و مثيلتها المصرية إلى تحول النشاط الاقتصادي و تراكم رأس المال من غزة المدينة إلى رفح في أقصى جنوب قطاع غزة . في المقابل و في محاولة منها لتحقيق  الارباح , إنتقلت رؤؤس أموال ضخمة من العائلات التقليدية التي تسكن في مدينة غزة  و محيطها إلى منطقة رفح  حيث حدثت شراكات بين طبقة الاعمال التي تمتلك الخبرة و المعرفة بالنشاط الاقتصادي مع طبقة جديدة  تمتلك الخبرة في حفر الانفاق و التجارة إضافة لروابطها العائلية مع قبائل سيناء و هي شروط هامة جدا للعمل في تجارة الانفاق . في المقابل  حدث إنتقال ملحوظ لطبقة الاثرياء الجدد من المحيط إلى المركز في بحثهم عن  فرص لتوظيف ثرواتهم الهائلة  أو في بحثهم عن مواطن التأثير و السيطرة  . و أصحبت مدينة رفح الواقعة  في أقصى جنوب قطاع غزة  من أكثر مناطق فلسطين ثراءا بعد أن صنفتها تقارير التنمية البشرية على أنها أكثر مناطق فلسطين فقرا .

– خسائر بشرية و تغيير في القيم و المفاهيم :-

لقد أحدثت الانفاق تغييرا جوهريا في النسيج الاجتماعي و الطبقي و في منظومة القيم التي تحكم المجتمع . فقد ساهمت تجارة  الانفاق في نشر قيم الثراء السريع بين الشباب و رجال الاعمال مما دفع بآلاف المدخرين الصغار و رجال الاعمال  للإنخراط في هذا المجال  إضافة  لعشرات الالاف من العمال الذين لم يكن أماهم فرص عمل أخرى سوى العمل في هذا المجال الخطر جدا . إن الثراء السريع من تجارة الانفاق أعطى مثالا إضافيا لإختلال العلاقة بين الجهد و المردود .. حيث تجد شابا  في العقد الثالث من عمره يقود سيارة فارهة جدا .. سيكون على دكتور الجامعة العمل عشرين عاما كي يتمكن من إقتنائها .

مال دون رأس .. و رأس دون مال :-

تشترط الحكومة الاسرائيلية لرفع الحصار عن قطاع غزة , والذي يعني إنتهاء تجارة الانفاق و عودة التجارة بين قطاع غزة و إسرائيل كما كانت في السابق أن تعترف حكومة حماس بشروط الرباعية أو عودة السلطة الفلسطينية المعترف بها إسرائيليا و دوليا للحكم في قطاع غزة .   قد تنتهي الانفاق  بتحقق أي من هذين الشرطين,   لكن ستبقى آثارها لسنوات طويلة و سيكون المجتمع الفلسطيني بحاجة إلى  برامج و مجهوداتها عظيمة لمعالجتها .  أحد أهم هذه النتائج هو كيفية التعامل مع هؤلاء الاثرياء الذي تعودوا على  العمل تحت الارض و لا يؤمنون بالتسجيل في  الغرفة التجارية و المؤسسات الرسمية أو كيفية التعامل مع البنوك أو الدخول في شراكات أعمال على المستوى الدولي . كذلك سيكون الاقتصاد الفلسطيني بحاجة لهذه الاموال الهائلة  التي يحتفظ بها اصحابها خارج إطار النظام المصرفي من ناحية . و كيفية العمل على إعادة طبقة الاعمال التي تمتلك الخبرة في مجال الاعمال لكنها تفتقر لرأس المال من ناحية أخرى . إن أحد التحديات المتوقعة هو كيف يمكن جمع المال برأسه  كي يساهم في إعادة إعمار قطاع غزة ة و تفعيل النشاط الاقتصادي ومعالجة التشوه الذي اصاب النسيج الاجتماعي .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى