أزمة رواتب موظفي السلطة …. تداعيات خطيرة على المشروع السياسي الفلسطيني
بقلم: عمر شعبان
ملخص:
سببت الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على دفع مرتبات موظفيها نتائج سلبية على كافي مناحي الحياة في المجتمع الفلسطيني، فقد أثرت سلبا على شعبية السلطة الفلسطينية وعلى حالة الاستقرار في النظام السياسي الفلسطيني. وزادت من حالة الاحتقان والتوتر الذي تشهده علاقة السلطة بالمواطن. وأضعفت من موقف السلطة الفلسطينية في تنافسها مع حكومة حماس في هذا المجال مع الفارق الكبير في الأعباء الملقاة على كل منهما.
مقدمة :
منذ الانقسام الفلسطيني في يونيو 2007 ما فتئت حكومتي حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في رام الله تتنافسان في مجالات عديدة، من بينها القدرة على دفع مرتبات موظفيها في محاولة لتأكيد حسن إدارتها. أخذاً في الاعتبار الفارق الكبير في عدد الموظفين وقيمة الفاتورة الشهرية لكل منهما. فبسبب الأزمة المالية الشديدة التي تمر بها السلطة الفلسطينية منذ عامين، لم تتمكن من الانتظام في دفع مرتبات موظفيها في موعدها، ففي خلال الثلاث شهور الماضية ( أكتوبر \ نوفمبر\ ديسمبر ) دفعت السلطة الفلسطينية مرتب شهر واحد على دفعتين. في حين تمكنت حكومة حماس من دفع مرتبات موظفيها بدرجة أكثر انتظاماً. تبلغ فاتورة الرواتب الشهرية التي تتحملها السلطة الفلسطينية لموظفيها في الضفة الغربية وغزة والبالغ عددهم 160،000 حوالي 205 مليون دولار في حين تبلغ فاتورة الرواتب الشهرية لموظفي حكومة حماس في غزة البالغ عددهم 42،000 موظف حوالي 37 مليون دولار شهريا. بلغت موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2012 حوالي 3.9 مليار دولار في حين أن موازنة حكومة حماس لعام 2013 قدرت بـ 890 مليون دولار. في حين لا تتحمل حكومة حماس أي مسؤوليات مالية في الضفة الغربية، تواصل السلطة الفلسطينية دفع مرتبات موظفيها المستنكفين عن العمل في قطاع غزة البالغ عددهم 55،000 موظفاً.
1. مخاطر سياسية :
شكل عجز السلطة عن دفع مرتبات موظفيها في ظل الارتفاع الهائل للأسعار ونسب التضخم التي لم يرافقها زيادة في الأجور وقودا للإحتجاجات الشعبية الي شهدتها الضفة الغربية في السنتين الماضيتين. أثارت هذه التظاهرات شكوكاً حول مدى قدرة السلطة الفلسطينية على البقاء ومواصلة برنامجها السياسي. طالب المتظاهرون وضع حد أدني للأجور بما لا يقل عن 400 دولار شهريا في حين رفعت شعارات تطالب بحل حكومة د سلام فياض وبتفكيك السلطة الفلسطينية ذاتها. كذلك قام موظفي الحكومة في الضفة الغربية بالعديد من الإضرابات مطالبين الحكومة بأن تتدبر أمرها بدفع مرتبات موظفيها. رافق هذه المظاهرات والإضرابات اتهامات بفساد مستشري في دوائر السلطة وعدم مبالاة الحكومة الفلسطينية بخطورة الأزمة وتداعياتها.
2. تدهور المؤشرات القومية وركود النشاط الاقتصادي :-
و هي المؤشرات القومية التي تستخدم في قياس متوسط نمو الدول ومدى رفاهية الشعوب ومن بينها الناتج المحلي الإجمالي. يمثل الإنفاق الحكومي ومن ضمنه المرتبات أحد محفزات النمو في الناتج المحلي الإجمالي. لذا تلتزم الحكومات بدفع مرتبات موظفيها ليس لتمكينهم من مواجهة تكاليف الحياة المتزايدة فقط، بل من أجل تنشيط الحركة الاقتصادية الداخلية وتشجيع العائلات على الاستهلاك بما يزيد من حركة الأسواق ويخلق فرص عمل جديدة. وكما هي لعبة الدومينو فإن تناقص الإنفاق الحكومي ينعكس سلبا على قدرتها على تسديد فواتير التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. كذلك يؤدى إلى تقليص المشتريات الفلسطينية من إسرائيل بما يقلل من قيمة التحويلات الضريبية (المقاصة) التي تجمعها إسرائيل وتحولها للسلطة الفلسطينية.
3. زيادة مستويات الفقر ونسب الإعالة :
يعيل موظفي السلطة الفلسطينية ما يقارب من مليون شخص أي ما نسبته 25% من إجمالي السكان. دفعت أزمة الرواتب بعشرات آلاف من موظفي الدرجات الإدارية الدنيا إلى حفرة الفقر بسبب فقدانهم المصدر الوحيد للدخل. سبب عدم الانتظام في دفع المرتبات إلى زيادة الإعالة المباشرة في المجتمع الفلسطيني حيث وصلت إلى 7:1 أي في مقابل كل شخص يعمل بمرتب هناك 7 أشخاص لا يعملون ممن هم في سن العمل (15-60 عاما). حيث تحول موظفي الحكومة من معيلين لإسرهم إلى معالين. إن ارتفاع نسب الإعالة يدلل على عمق الأزمة، ففي ظل نسب البطالة العالية وفي ظل عدم انتظام دفع الرواتب لموظفي القطاع العام ، لا يبقى في دورة الانتاج سوى الذين يعملون في القطاع الخاص والمنظمات الأهلية في حين تقف باقي قطاعات المجتمع تتفرج. يسبب ذلك خللا مدمرا لمنظومة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية وعلى منظومة القيم والأخلاق. يستوجب ذلك أن يقوم من يتقاضى مرتبه بإعالة مباشرة للمقربين منه وبإعالة غير مباشرة لباقي المجتمع. وذلك من خلال تمويل الخدمات الصحية، التعليم، المواصلات، دفع الرسوم والضرائب. مما يشعر الجميع بالإرهاق والعجز عن المواجهة ، حيث تفوق متطلبات الإعالة قدرات المعيلين. كذلك تزداد نسب التسرب من التعليم، معدلات الزواج المبكر خاصة للفتيات، ترتفع معدلات الطلاق بين المتزوجين وتنخفض معدلات الزاوج..إلخ.
4. ضعف الجهاز البيروقراطي الفلسطيني وتضائل الشعور بالانتماء :-
إن الجهاز الحكومي لأي دولة هو احد مصادر قوتها ومعالم سيادتها وأداتها الأساسية لحقيق خططها التنموية. إن وجود جهاز حكومي منظم وناشط ومؤهل هو أحد الاشتراطات لتحقيق التنمية البشرية. أزمة الرواتب تسبب شعورا لدى موظفي القطاع العام بعدم الجدوى، وتضعف من رغبتهم للذهاب للعمل وتقلص وتحد من قدرتهم على القيام بوظائفهم. مما يصيب الجهاز البيروقراطي بأمراض التكاسل والتغيب وتعميق الشعور بعدم الجدوى. فالمرتب الشهري الذي يحصل عليه الموظف لا يمثل مردودا ماليا لمجهوده ومكافأة لخبرته فقط بقدر ما هو تعزيزا لشعوره بجدوى ما يقوم به، وتقديرا لعمله ومكافأة لمؤهلاته وخبراته.
5. تدهور مستوى جودة الحياة :-
بسبب التقطع في استلام المرتب، تضطر الأسر إلى إعادة تشكيل سلة مشترياتها ومصروفاتها كماً ونوعاً بما يتناسب مع الوضع الجديد. حيث تلجأ الأسرة بداية إلى الاستغناء عن البنود غير الضرورية كالتسلية، الرحلات، ثم تبدأ بتقليص الموازنات المخصصة للقراءة، شراء الكتب، الذهاب للمسرح. ثم تضطر الأسر للتوقف عن تعليم أبناءها خاصة الفتيات منهم. يتواصل انحدار الالويات حتى تصل إلى إعادة أولويات الإنفاق على بنود أساسية لا يمكن الاستغناء عنها وهي المأكل والملبس والمشرب. ورغم ضرورتها للحياة إلا أن هذه الحاجات أيضا تخضع للتقنين والترتيب. حيث تتخلى العائلة عن استهلاك السلع مرتفعة التكلفة كاللحوم والأسماك لمصلحة بنود أخرى مثل الخبز والأرز والبقوليات وهي أقل تكلفة لكنها أقل جدوى غذائية. مما ينتج عنه في النهاية ضعف في مستويات الصحة العامة ، انخفاض متوسط العمر ، ضعف البنية العقلية والجسمية وزيادة أمراض هشاشة العظام، وانتشار أمراض فقر الدم وسوء التغذية وخاصة بين الأطفال.. الخ.