المصالحة في الجهاز الحكومي هي الفقرة الاولى في حفل المصالحة الشاملة
بقلم: عمر شعبان
ردا على سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 , قامت السلطة الفلسطينية بعدة إجراءات هدفت جميعا , كما قيل إلى جعل مهمة حكومة حماس في إدارة قطاع غزة مستحيلة و الدفع بها إلى الانكشاف و الانهيار سريعا . من هذه الاجراءات طلب السلطة الفلسطينية برام الله من موظفيها في قطاع غزة بمقاطعة العمل مع حكومة حماس المقالة كما تصفها السلطة الفلسطينية , سبب هذا القرار إرباكا حقيقيا لحكومة حماس التي وجدت نفسها و دون مقدمات مسؤولة عن مليون ونصف فلسطيني دون كادر حكومي كفؤ و مؤهل . مما إضطر حكومة حماس في محاولة منها لتأكيد قدرتها على مواجهة ذلك عبر ملئ آلاف الوظائف الشاغرة بمناصريها الذين كان معظمهم لا يمتلك المؤهل و الخبرة اللازمة و لم يتوافر لحكومة حماس الوقت الكاف لتدريبهم . من ناحية ثانية وجد الموظفون أنفسهم بين مطرقة قرار السلطة بالاضراب و قطع الراتب في حال عدم الالتزام به و سندان الرغبة بالعمل و الشعور بالكينونة . أثار مطالبة السلطة الفلسطينية لموظفيها بعدم االعمل مع حكومة حماس الكثير من النقاشات ما بين مؤيد و معارض حول شرعية القرار و تداعياته السلبية على المجتمع الفلسطيني . كذلك برزت قضية إعادتهم للعمل كأحد القضايا الشائكة التي ينطبق عليها المثل ” مجنون يرمى حجر في البئر .. بحاجة لمائة إنسان عاقل لاخراجه ” كان من السهل إتخاذ مثل هذا القرار بجرة قلم دون تمعن كاف في نتائجه .
مدى قانونية القرار :
بررت السلطة الفلسطينية قرارها بمنع موظفيها في غزة من العمل بان حكومة حماس أصبحت غير شرعية و تم إقالتها بقرار رئاسي لذا لايمكن أن تسمح لموظفيها بالعمل مع حكومة حماس المقالة . و كأن إقالة الحكومة تشمل أيضا إقالة الجهاز البيروقراطي . شككت كثير من الاراء القانونية في قانونية قرار السلطة بمنع موظفيها من العمل تحت إدارة حكومة حماس , بعضها إعتبره غير قانوني بكونه يتعامل مع موظفي الدولة على أنهم أعضاء في حزب سياسي و ليسوا جزءا من الانجاز العام . إستندت هذه الاراء على أن موظفي الجهاز الحكومي هم من الاصول الهامة التابعة للنظام السياسي و المجتمع بغض النظر عن الحزب الحاكم. و بالتالي يجب تجنيبه الخلافات السياسية . دللت هذه الارآء على موقفها بأن الاموال و المساعدات التي إستثمرت في تكوين و تأهيل الجهاز البيروقراطي الفلسطيني , و هو من معالم السيادة كانت لخدمة الصالح العام و ليس لخدمة تنظيم سياسي بعينه . فيما وصف آخرون هذا القرار بأنه قصير النظر حيث أضعف من تواجد السلطة الفلسطينية في الجهاز الحكومي بغزة و حرمها من مواطئ التأثير خاصة في جهازي الصحة و التعليم . في حين منح خصمها حركة حماس فرصة ذهبية للإستحواذ على الجهاز البيروقراطي و توظيفه في تسويق سياستها و تدعيم شعبيتها . متابعة لقرار الاستنكاف عن العمل ’ فقد عاقبت حكومة السلطة الفلسطينية كل من خرق قرار الاضراب بقطع راتبه و هو ما يتعارض مع القانون الاساسي الفلسطيني الذي يمنع قطع مرتبات موظفي الحكومة دون الاسباب المذكورة في القانون. و قد عمق ذلك من التوتر الاجتماعي و الاستقطاب السياسي داخل المجتمع .
مشاكل إجتماعية حادة :
سبب إضراب آلاف الموظفين ارباكا هائلا في المجتمع الفلسطيني, فهؤلاء الموظفين يمثلون طاقة بشرية هائلة تم الاستثمار فيها كثيرا تعليما و تدريبا . كذلك تمتلك هذه الفئة خبرات مرموقة كان المجتمع الفلسطيني بحاجة ماسة لها لمواصلة التنمية و في مواجهة الاحتياجات المتزايدة بسبب الحصار و التصعيد الاسرائيلي من وقت لآخر . لقد خلق هذا القرار فراغا هائلا في الجهاز الحكومي و خاصة في قطاعي الصحة و التعليم و هما القطاعان الاكثر أهمية حيث يعمل فيهما اكثر من ثلاثين ألف موظف مما أضعف الاداء في هذين القطاعين الهامين . نظر العاطلين عن العمل و الفقراء الذين لا يمتلكون مصدرا ثابتا للدخل بكثير من الحسد و الحقد على هؤلاء المضربين الذين يتلقون اجورا ثابته و عالية دون بذل أي مجهود . خاصة الذين يتقاضون مرتبات عالية تبلغ ألفي دولار شهريا , في حين أنهم يعملون في وظائف دنيا و في أعمال مرهقة مقابل أجور زهيدة جدا لا تزد عن 500 دولار شهريا . كذلك كان المجتمع الفلسطيني بحاجة ماسة لخدمات هذه الفئة من الموظفين لامتلاكهم خبرات هامة لا يمكن الاستغناء عنها بشكل عام و في أوقات الحروب و الحصار بشكل خاص. أثير من وقت لأخر مسألة أن مواصلة السلطة الفلسطينية دفع مرتبات موظفيها المضربين هو خلق الازمة المالية , في حين أن مرتبات هؤلاء المضربين عن العمل تدفعها الدول المانحة مما يعني موافقتها على الاضراب حيث ينسجم ذلك مع موقفها المقاطع لحكومة حماس . بما لا يقل أهمية فقد سبب هذا القرار تشويها للعلاقات الطبيعية و تقاسم الادوار بين الرجل و المرأة في المجتمع .
الحل أسهل مما يعتقد :
هذه القضية ستكون معضلة حقيقية للمصالحة الوطنية في حال عدم فكفكتها من جهة , و ستكون ذخرا في حال معالجتها حيث ستعمل على تخفيف التوتر الاجتماعي و في تمكين أي حكومة قادمة من تنيفذ إعادة إعمار قطاع غزة. قد تبدو عملية إعادتهم للجهاز الحكومي صعبة , لكن تفيكيك المشكلة يوفر مناخا مشجعا لتطبيقها , فالنمو السكاني المطرد في قطاع غزة و إعادة اعمار ما دمره الحصار و الحرب يوفران فرصا هائلة لإعادة إستيعابهم . بل هناك حاجة ماسة للكثير من تخصصاتهم . الكثير منهم لم يحتمل حالة السكون فعاد للعمل مع حكومة حماس تدريجيا , في حين غادر قسم آخر قطاع غزة للإقامة في الخارج , وبلغ جزء منهم سن التقاعد القانوني وتوفى بعضهم. إن إعادة هؤلاء للعمل الحكومي تتطلب برامج تأهيل و تطوير لسد الهوة العلمية و التدريبية التي سببها الابتعاد عن العمل لست سنوات . لكنها خطوة لا مناص منها لتعزيز المصالحة و تمكين النظام السياسي الفلسطيني من إستعادة وحدته و دوره في تحقيق التنمية.
يجدر ذكره هنا أنه أثناء التصعيد الاسرائيلي على قطاع غزة في نوفمر 2012 سمحت السلطة الفلسطينية لموظفيها المضربين بالعودة إلى أماكن عملهم خاصة أولئك الذين يعملون في أجهزة الدفاع المدني و الصحة للمساعدة في مواجهة الحرائق و الاصابات. إلا أن عودة الالاف منهم مازالت تنتظر قرار سياسي و إداري يجعل من عودتهم للعمل الفقرة الاولى في حفلة المصالحة الوطنية بما يوفر شروط الاندماج السهل و يضمن لها الاستمرار و يمكن من تفعيل عملية التنمية .