حول الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام – بقلم عمر شعبان
بقلم: عمر شعبان
مفهوم الدولة : حسب تعريفات متعددة للدولة: هي شعب مستقر على إقليم معين، وخاضع لسلطة سياسية معينة، عناصر الدولة الرئيسة التي لا بد منها لقيام دولة وهي: الشعب، والارض والسلطة. تتلخص وظيفة الدولة في تنظيم وإدارة المجتمع وتوظيف الموارد المتاحة لخدمة المجتمع. ملتزمة بمعايير وأسس لابد منها مثل: وجود دستور ناظم وملزم للجميع، تكافؤ الفرص و المساواة، سيادة القانون و حماية الفئات المهمشة، سواسية الجميع أمام القانون والفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية وغيرها من المبادئ والنظم.
تقع مفاهيم الشفافية والرقابة والمسائلة في صلب المنظومة التي طورتها البشرية لحماية نفسها من نفسها. فالشعب يختار ممثليه في البرلمان في أجواء ديموقراطية تتيح للجميع ويفوضونه في متابعة إدراة شؤونهم، البرلمان يراقب الاجهزة التنفيذية التي تتكون منها الدولة، المواطن يدفع الضرائب ويلتزم بالقوانين المتفق عليها، القضاء يراقب الجميع والقانون أو الدستور ينظم العلاقة ويحدد مسؤوليات واجبات وحقوق كل جهة تجاه الاخرى. هذه المنظومة من المؤسسات والقوانين تخضع لقاعدة هامة هي الجميع يراقب ويتابع الجميع وذلك بهف منع استبداد أو احتكار السلطة من قبل أي جهة. فالطبيعة البشرية تهوى السلطة والنفوذ، لذا وضعت هذه القوانين الملزمة للجميع ويتم صياغتها بموافقة الجميع فيما يسمى بــ” العقد الاجتماعي” والذي يحدد صلاحيات ومسؤوليات كل طرف من المنظومة. لذا فإن أسس الشفافية والرقابة هي الروح التي يجب أن يتمتع ويلتزم بها الجميع.
ماهي الشفافية:- تعرف هيئة الأمم المتحدة الشفافية على أنها “حرية تدفق المعلومات والمعرفة بأوسع مفاهيمها وبدرجة مثالية، أي توفير المعلومات كاملة بطريقة تسمح لأصحاب الشأن في كل مستويات ومجالات العمل بالحصول على المعلومات الضرورية لاتخاذ القرارات المناسبة وتجنب واكتشاف الأخطاء . تهدف الشفافية إلى خلق بيئة صحية تتاح فيها معلومات كاملة عن الجميع فيما يتعلق بالقرارات والسياسات والقوانين و الممارسات التي تتخذها جميع الجهات الرسمية والاهلية والخاصة. الشفافية ليس فقط على أجهزة الدولة فقط بل تشمل البرلمان ومؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع الاهلي والنقابات .
ماهي المساءلة :- يقصد بالمساءلة حسب هيئة الامم المتحدة: الطلب من المسؤولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتعريف واجباتهم والأخذ بالانتقادات التي توجه لهم وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وقبول (بعض) المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو الخداع أو الغش. ملخص هذا التعريف أن المساءلة تقوم على حق ذوي العلاقة: الشعب أو أعضاء الجمعية العمومية أو المساهمون على سبيل المثال في الحصول على المعلومات اللازمة عن أعمال المسؤولين فيما يتعلق بإدارة مصالحهم، ومطالبتهم بتقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وواجباتهم في إدارة مواردهم.
في الحالة الفلسطينية: من المهمات الاساسية للدولة في مفهومها الحديث هي وضع موازنة عامة لها تتضمن جميع بنود الموارد المتاحة و منافذ صرفها. في الحالة الفلسطينية تم تنظيم ذلك بالقانون الاساسي فوفقاً للمادة (1) من القانون رقم (7) لسنة 1998 “الموازنة العامة هي برنامج مفصل لنفقات السلطة الوطنية والمنح والقروض والمتحصلات الأخرى لها والنفقات والمدفوعات المختلفة”، ووظائف الموازنة هي:
- أهم أدوات السياسة المالية تعكس البرنامج السياسي والتنموي للحكومة.
- أحد الأدوات المهمة لتحقيق العدالة والمساواة بين أبناء الشعب الواحد.
- أداة الدولة لإنصاف الفئات المهمشة والضعيفة من خلال التمييز الإيجابي نحوها.
- أداة تخطيط وتنفيذ ورقابة على المال العام.
تداعيات الانقسام على حالة الشفافية و المساءلة:
- سبب الانقسام السياسي في يونيو 2007 ضربة قوية لحالة الشفافية و المساءلة في الحالة الفلسطينية فقد انقسم النظام السياسي إلى نظامين متصارعين : احدهما في قطاع غزة و الآخر في محافظات الضفة الغربية ، و اصبح لكل منهما جهاز حكومي و موازنة عامة لكل منهما . بلغ تعداد الجهاز الحكومي للسلطة الفلسطينية في رام الله 170000 وحوالي 40000 في حكومة غزة السابقة. مع الانقسام ، بدأت حكومة غزة ” المقالة بإعداد موازنة منفصلة لغزة، فيما تعد حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله موازنة عامة لها تشمل غزة بشكل جزئي .
- أدى الانقسام إلى تعطل دور السلطة التشريعية (المجلس التشريعي) بشكل كامل. ومن ثم دوره في الرقابة على الموازنة. وأصبح المجلس التشريعي من خلال كتلة التغيير والاصلاح في غزة يقر قوانين من دون مصادقة الرئيس عليها ، وأعطي الرئيس محمود عباس صلاحية إصدار قوانين و قرارات دون مصادقة المجلس التشريعي عليها.
- الاعتماد الذاتي للموازنة، حيث كانت حكومة غزة السابقة تقوم بتقديم مشروع الموازنة وتعرضه على المجلس التشريعي في غزة والذي يتكون اغلب نوابه من حركة التغيير والاصلاح في حين كانت الحكومة في رام الله تصادق على مشروعها للموازنة بنفسها ، لابد من التأكيد أن المصادقة الذاتية على الموازنة أمر غير دستوري.
- شكل الانقسام فرصة ذهبية للكثير من المؤسسات الدولية للتهرب من الرقابة الرسمية والمجتمعية مستفيدة من عدم تواجد السلطة في غزة ومتعللة بسياسة no contact policy، حيث لم يعد هناك رقابة حقيقية على المساعدات النقدية والعينية من الجهات المانحة. حيث ترفض الكثير من المؤسسات الدولية المانحة الإفصاح الكامل عن برامجها ومساعداتها.
- تراجع دور المنظمات الأهلية الرقابي وتراجع الاهتمام بالقوانين والقرارات الصادرة عن الحكومتين بسبب الانشغال بالاهتمام بالأمور الداخلية والحفاظ على أوضاع المنظمات الأهلية في ظل الحصار والانقسام.
- توقف إعداد موازنة منفصلة بعيد تشكيل حكومة الوفاق بموجب اتفاق بين حركتي “فتح” و”حماس” عشية تشكيل حكومة الوفاق في بداية يونيو 2014.
لذا فإن أسس الشفافية والمساءلة كانت من الضحايا الاولى للانقسام الفلسطيني.
أغسطس 2017 .