ورشة عمل بعنوان “التغيرات الديمغرافية اليهودية الإسرائيلية وابعادها السياسية”
نظمت بال ثينك للدراسات الاستراتيجية لقاء حواري لعرض ومناقشة ورقة بحثية بعنوان “التغيرات الديمغرافية اليهودية الإسرائيلية وابعادها السياسية” حيث استضافت عبر سكايب من الناصرة مُعِد الورقة الباحث أ.برهوم جرايسي ، الكاتب السياسي والمتخصص بالخريطة السياسية في إسرائيل، والمعقب من غزة الدكتور عدنان أبو عامر المتخصص في الشأن الإسرائيلي، وبحضور مجموعة من المحللين والكتاب والسياسيين والاعلاميين والشباب في غزة، يأتي هذا اللقاء ضمن مشروع “بناء القدرات الاستراتيجية للمؤسسات الرسمية والأهلية في فلسطين بالتعاون مع المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية ” مدار”، ومجموعة فلسطين للتفكير الاستراتيجي ومجموعة أكسفورد للأبحاث بدعم من الاتحاد الأوروبي.
وافتتح الجلسة الأستاذ عمر شعبان مدير مؤسسة بال ثانيك للدراسات الاستراتيجية مرحبا بالباحث جرايسي والحضور وتحدث شعبان: “ان مؤسسة بال ثينك تسعى دائما من اجل تعزيز دور الباحثين والشباب على تسليط الضوء على القضايا التي تهتم بالشأن الفلسطيني واثراء النقاش والحوار الفلسطيني المعمق بما يساعد في بناء استراتيجية ملائمة للتحديات والظروف التي تشهدها المنطقة بشكل عام وأثر ذلك على القضية الفلسطينية بشكل خاص”
وأشاد عمر شعبان بالورقة البحثية واهميتها في دراسة وفهم التغيرات الديمغرافية اليهودية الإسرائيلية وابعادها السياسية ومدى تأثير ذلك على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، واضافة الي أهمية الورقة فيما تناولته من طبيعة واشكال الصراع الداخلي في المجتمع الإسرائيلي والتمييز والانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي.
وقدم الباحث (برهوم جرايسي) خلفية عن طبيعة واشكال التغييرات الديمغرافية داخل المجتمع الإسرائيلي موضحاً كل التقلبات الديمغرافية وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إضافة لحجم الهاجس الكبير والمركزي الذي يشكله العامل الديمغرافي في المشروع الصهيوني منذ نشأته، حيث كان الهاجس الأكبر هو ضمان غالبية يهودية في فلسطين وبالذات في المناطق التي أقيم عليها الكيان الإسرائيلي. وأضاف الباحث انه وعلى هذه الخلفية، وبهدف “حسم المعركة الديمغرافية” فتحت الحركة الصهيونية الأبواب امام هجرة أبناء الديانة اليهودية من الدول العربية والإسلامية الي ان وصلت نسبة اليهود الشرقيين في سنوات الثمانين الى 47% مقارنة مع اليهود الغربيين.
وذكر الباحث ان التقلبات الديمغرافية التي تشهدها إسرائيل تعود لعاملين أساسيين، لهما أثر كبير ايضاً على الموازين السياسية وطبيعة الدائرة الحاكمة:
العامل الأول: دخول موجات الهجرة من الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية واثيوبيا في سنوات التسعين وبعدها، ما قلب كل المعادلات الديمغرافية التي كانت قائمة على العرق.
اما العامل الثاني: قلب الموازين عبر الارتفاع الحاد في نسبة المتدينين على مختلف تياراتهم بين اليهود أنفسهم، بسبب نسبة تكاثرهم العالية مقابل نسب تكاثر العلمانيين.
حيث تطرق الباحث لعرض عن اوضاع شريحة اليهود الشرقيين في إسرائيل وقال انه وعلى مدى سنوات طويلة واجهوا تمييزاً عنصرياً مؤسساتياً ومجتمعياً، وكانوا يعانون من أوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة إضافة الى الاقصاء السياسي، كل هذا تلاشى تدريجياً وبشكل سريع حيث يعود ذلك لما شهده الكيان الإسرائيلي من موجات الهجرة الضخمة في سنوات التسعين وفي سنوات الالفين الأولى، 80% منها من دول الاتحاد السوفيتي السابق حيث انعكست هذه الهجرة الضخمة، بسلسلة من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية كما عكست نفسها على الخارطة السياسية، واصبح هناك تحسن دائم لأوضاع اليهود الشرقيين، وغابوا كلياً عن معدلات الفقر كشريحة مجتمعية منفردة وحل مكانهم ما يعرف باليهود المتشددين “الحرديم”، وفتحت امامهم المناصب الكبرى في سنوات 1995، حيث وصل اول يهودي شرقي لمنصب وزير الخارجية ولاحقاً بدء يلاحظ تقدم في المراتب العسكرية – رؤساء الأركان بدءاً من شاؤول موفاز الإيراني، وفي عام 2000 تولى (موشيه كتساف) رئاسة الدولة وهو يهودي شرقي.
ويري الباحث من اهم الاستنتاجات التي عرضها في دراسته ان القلق الديمغرافي في الحركة الصهيونية في هذه المرحلة يتركز في ثلاث جوانب:
الأول: تراجع اعداد اليهود في العالم، حيث ان عدد اليهود في العالم 14 مليون نسمة من بينهم 6.5 مليون مقيم في إسرائيل، وان سبب هذا التراجع هو الزواج المختلط ما بين أبناء الديانة اليهودية والديانات الأخرى وايضاً بفعل ضعف نسبة التكاثر الطبيعي الملائمة لمعدلات الدول المتطورة.
الثاني: نسبة اليهود والفلسطينيين في فلسطين التاريخية، ومسألة الأغلبية اليهودية المتوخاة والحفاظ على الأغلبية اليهودية في إسرائيل، هذا العامل الذي يقف خلف الاجماع الصهيوني الرافض لعودة المهجرين الى وطنهم التاريخي.
اما الجانب الثالث والأخير وهو موضوع البحث، التقلبات الديمغرافية اليهودية الداخلية في إسرائيل، وهذا بات الشغل الشاغل للحركة الصهيونية خاصة في ظل تزايد نسب المتدينين ككل وبشكل خاص “الحريديم” المتشددين.
إضافة لذلك وحسب تقديرات الباحث في ضوء ما قدمته الدراسة فإنه لا مجال لأي قوة سياسية خارجية، وفي حالتنا القوى والمنظمات الفلسطينية، لمخاطبة الشارع الإسرائيلي من خلال مجموعات اثنية، وان محاولات العمل مع مجموعات يهودية على أساس اثني قد تكون عرضة للاتهام بأن الجبهة “الخارجية” الفلسطينية او العربية او أي جهة أخرى من العالم، تتحرك في حلبات صراع داخلية وهذه ستكون أشبه بضربة مرتدة إن صح التعبير، بسبب التحريض المفترض على من يبادر الي تحرك كهذا.
وتحدث الدكتور (عدنان أبو عامر) معقبا على الدراسة، بأهمية موضوع التغيرات الديمغرافية اليهودية الإسرائيلية وابعادها السياسية في فهم وتلخيص طبيعة الوضع الداخلي في الكيان الإسرائيلي وما احتوت عليه من معلومات ومعطيات قوية، وأوضح بضرورة العمل على تأصيل لبعض المفاهيم والمصطلحات داخل الدراسة.
واضافة انه في الهجرات اليهودية يجب الإشارة الى جهود الحركة الصهيونية في تحقيق ذلك، ودورها في جذب اليهود من كل العالم الي فلسطين، وان مصطلح (الزواج المختلط) في العادة قد يكون جائزاً في زيجات ذات قوميات مختلفة او اديان متباينة ومذاهب متعارضة مثل اليهود والمسيحيين، وذكر أبو عامر ان يكون مصطلح الزواج المختلط دارجاً داخل المجتمع الاسرائيلي بين يهودياً ويهودية ذوي قومية ودين واحد فقط لان الزوج قد يكون يهودي شرقي او غربي هذا يدل على حالة الهشاشة الموجودة داخل المجتمع الإسرائيلي ومدى إشكالية وطبيعة الهوية المكونة لهذا الكيان بالرغم من حالة التماسك الخارجي ذو البعد الأمني والعسكري والسياسي.
واكد المشاركون من خلال مداخلاتهم على أهمية الورقة وما قدمته من معلومات قيمة واستنادها الى النسب والاحصائيات في التحليل وفهم شكل المجتمع الإسرائيلي الداخلي وتطور الصراع الديمغرافي داخلياً وتأثير ذلك على استمرار وبقاء إسرائيل خاصة انه أصبح تحول في الصراع من صراع اثني الى صراع ديني – علماني، إضافة الى ذلك، الى اي مدى قد يكون تؤثر التقلبات الديمغرافية في إسرائيل على عملية السلام
واختمم الجلسة الأستاذ عمر شعبان حيث أثني على مشاركات الحضور والنقاش المثمر والمعمق من قبل الباحث برهوم جريسي وتعقيب الدكتور عدنان أبو عامر، وأضاف شعبان قائلاً: ان هذه اللقاءات تأتي ضمن مشروع (بناء القدرات الاستراتيجية للمؤسسات الرسمية والأهلية في فلسطين) والذي مدته ثلاث سنوات، حيث انه سيتم عرض هذه النقاشات في التقرير الاستراتيجي 2020.