بال ثينك تنظم لقاءاً حوارياً مع عريب الرنتاوي حول الحالة الفلسطينية والاقليم
- الانقسام الفلسطيني مدمر للقضية الفلسطينية و فتح المجال واسعا لتدخلات الاقليم .
- أربعة محاور في الاقليم تؤثر في الحالة الفلسطينية.
- صفقة القرن تهدد فلسطين أولا و الاردن ثانيا .
غزة – متابعة لفلسفة بال ثينك للدراسات الاستراتيجية في تعميق النقاش والفكر البنّاء وطرح القضايا التي تهم الشأن الفلسطيني على المستوى الإقليمي والدولي، نظّمت بال ثينك للدراسات الاستراتيجية لقاءاً حوارياً حول الحالة الفلسطينية والاقليم، واستضافت عبر السكايب من الأردن الكاتب والمحلل السياسي د. عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات، بحضور لفيف من الكتاب والباحثين والأكاديميين ورجال الأعمال وممثلين عن التنظيمات الفلسطينية.
افتتح أ. عمر شعبان، مدير بال ثينك للدراسات الاستراتيجية، الجلسة بترحيبه بالحضور وشكرهم على المشاركة القيمة والمثرية للنقاش، كما وقام بتقديم د. عريب وشكره على ورقته البحثية التي استعرضها وناقشها خلال اللقاء.
بدأ الرنتاوي حديثة بأن عام 1979 كان عاماً فيصلياً، شكّل معالم ومحاور الإقليم، حيث شهد هذا العام خروج مصر أكبر قوة عربية من الصراع العربي الاسرائيلي بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وانتصار الثورة الاسلامية في إيران وعزل الشاه حليف إسرائيل والولايات المتحدة، لتصبح إيران لاعباً إقليمياً، أعاد صعودها فرز المحاور الاقليمية. كما شهِد هذا العام ظهور ما يعرف بالسلفية الجهادية ودورها الفاعل في الإقليم، بدءاً من التصالح مع الولايات المتحدة وظهور السلفية الجهادية الأفغانية، واستغلالها لمواجهة الشيعة بعد انتصار الثورة في إيران، كما شهد هذا العام الانقلاب العسكري في باكستان وصعود رموز السلفية الجهادية فيها وارتفاع مستوى المواجهة مع الهند.
كما استعرض الرنتاوي التطورات اللاحقة لهذا العام، من الحرب العراقية الايرانية وتنصيب العراق لمواجهة إيران، كما تناول مبادرة الملك فهد للسلام والتي رفضها الفلسطينيون، لتبدأ بعدها بعام حرب تدمير بيروت وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية، لتعاد المبادرة للعرض مرة أخرى في قمة فاس عام 1982.
كما تناول الرنتاوي ذروة صعود السلفية والارهاب في احداث 11 أيلول 2001، والذي كان جلّ المتهمين فيها مواطنين سعوديين. وتصاعد الخطاب ضد الإرهاب والمسلمين، كما شهدت هذه المرحلة طرح مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002, واصرار الرئيس اللبناني اميل لحود على اضافة بند اللاجئين الي المبادرة بدافع عمق قضيتهم وتأثيرها على الساحة اللبنانية.
كما شهدت هذه الفترة تقديم افغانستان والعراق كهدية غير منتظرة لإيران بعد غزوهما من قبل الولايات المتحدة، لتصبح العراق من سد إلى جسر لإيران، وبدأت تشهد هذه المرحلة سياسة التخلص من السلفية الجهادية المعادية للجماعات الاسلامية التقليدية والشيعة لصالح إيران.
كل هذه التطورات أثرت على قضية فلسطين، حيث شهدت تلك الفترة انتصار حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية العامة، وشهدت إعادة طرح نظرية الاله الشيعي والتمرد الإيراني، وإعادة الاعتبار للسلفية الجهادية لمواجهة الشيعة.
كما استعرض الرنتاوي تطورات الربيع العربي في 2010، حيث نظرت دول الاعتدال الي الربيع العربي بوصفه خطر وبدأت الثورة المضادة. محور إيران رأي في الربيع العربي نصراً إلى أن وصل الربيع العربي إلي سوريا فتحول الي مؤامرة في نظر هذا المحور.
يري الرنتاوي أن هذه فترة شهدت اعادة تموضع المحاور والتي قسمها الي اربعة محاور:
1- محور الخليج الذي يري في إيران خطرا كبيرا، مما ادى الي تقارب خليجي إسرائيلي، وتعاون أمريكي وبطبيعة الحال ثمن هذا التقارب والتعاون سيدفع من جيب الفلسطينيين، بل إن صفقة القرن طبخت في بعض العواصم الخليجية. هذا المحور يقيم علاقات فاترة مع السلطة الفلسطينية باستثناء السعودية، كما أنها تعادي تيار الاسلام السياسي وحركة حماس.
2- المحور الاردني – المصري وهو محسوب على دول الاعتدال العربي ولديه علاقات سلام مع اسرائيل ويعرف أنه سيدفع في لحظة ما، ثمن صفقة القرن وخاصة الاردن. ولديه علاقات ممتازة مع السلطة الفلسطينية وعلاقة ضرورة وأمر واقع مع حماس.
3- المحور القطري التركي ولديه علاقات متقدمة مع إسرائيل، والإسلام السياسي، كما لديه علاقات طبية مع السلطة الفلسطينية وحركة حماس ويأخذ على عاتقه تأهيل حركة حماس سياسيا.
4- محور المقاومة والممانعة وهذا المحور لا يتبني أفكارا حول الدولة الفلسطينية، علاقاته فاترة مع السلطة الفلسطينية، ومتقلبة مع حركة حماس، الذي خانت هذا المحور بموقفها من سوريا، وتقوم الآن إيران بمحاولات إعادة العلاقة بين حماس والنظام السوري.
يري الرنتاوي أن هذه المحاور غير ثابتة، ومعرضة للتغيرات سياسية، وتقلب في المواقف. وذكر أن التأثير المتزايد للقوى الإقليمية مثل تركيا وإيران وقطر وغيرها هو نتيجة للانسحاب التدريجي للقوى العظمى مثل الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. ويري أن الانقسام الفلسطيني قد أضر بالقضية الفلسطينية عندما اصبحت القوي الفلسطينية تستعان بهذه المحاور ضد بعضها البعض في الداخل والخارج.
يقع على عاتق الفلسطينيين كيفية الاستفادة من تفكك متوقع لهذه المحاور، وكيف يمكن توظيفها دون التموضع بها في خدمة القضية الفلسطينية، في ظل تخلل المحور السعودي الاماراتي بعد التورط في حرب اليمن، وعودة العلاقات القطرية الإيرانية، والتركية الإيرانية، مع عودة موجة الربيع العربي في السودان والجزائر وامكانية اندلاع موجة ثالثة للربيع العربي في بعض الدول العربية. ويرى الرنتاوي احتمال ظهور قوى جديدة مؤثرة في المنطقة يجب متابعتها وبناء العلاقات الإيجابية معها لتعزيز الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية وخاصةً في الأمم المتحدة حيث بدأت دولة فلسطين بخسارة الكثير من مناصريها في أمريكا الجنوبية وأفريقيا. وذكر من تلك القوى الصاعدة دولة أثيوبيا.
يري الرنتاوي أن لا أحد لديه تصور لمأزق الانقسام الفلسطيني، ويري أن الحالة الفلسطينية قد دخلت في مرحلة تيه سياسي عند النخب والرأي العام، والمطلوب إعادة الاتفاق حول تعريف المشروع الوطني وتحديد أدواته المناسبة، وضرورة تشبيب الأطر الفلسطينية، وإعادة البحث عن صيغ الجديدة للعلاقة الفلسطينية الداخلية في ظل فشل انهاء الانقسام. والانفتاح على الشعوب العربية، هذه الورقة التي خسرتها فلسطين عندما تعاملت مع نفسها كأنها دولة مقابل دولة وليس حركة تحرر تسعي للحصول علي دولة.
اختتم اللقاء بجولة من المداخلات والأسئلة من الحضور كان أبرزها تأكيد الرنتاوي على ضرورة تجديد القيادات المسنة لتمثيل الشعب الفلسطيني “الفتيّ” والمفعم بالكفاءات الشابة رداً على سؤال أحد الحضور عن الخطوات العملية التي يمكن تبنيها من أجل تحسين الواقع، كما وأجاب الرنتاوي على سؤال أخر بأنه قد تحدث عن الصورة العربية وكأنها ذات دور سلبي و”مفعول به”، بأن الدول العربية تتفاعل مع الواقع المفروض عليها والمتغيرات التي تطرأ في محيطها دون إحداث تغيير فاعل نابع من إرادة عربية، وشدد على ضرورة الدخول في مرحلة مغايرة حيث يقف العرب موقف ال”فاعل” لا ال”مفعول به”. وتبع جولة النقاش شكر الحضور على استماعهم ومشاركتهم وشكر الدكتور عريب الرنتاوي على نقاشه المُثري والمؤثر.