التطبيع وضرورة استعادة زمام المبادرة والفعل
بقلم: عمر شعبان
مجريات التاريخ ليست كالصواعق تأتي فجأة، بل هي سلسلة متراكمة من الاحداث الصغيرة و الكبيرة ؛ التآكل الذي أصاب موقع القضية الفلسطينية بدأ تدريجيا منذ سنوات طويلة و كان له مؤشرات و دلالات واضحة جدا للعيان.
لا يمكن وقف عجلة التاريخ و التطور، لكن هناك من يصنع الحدث بإمتلاكه الموارد و الحكمة و الحنكة و المرونة ، و هناك من تلعب به الاقدار كما تشاء إن صيرورة التاريخ أقوى من أن نقاومها، يجب التفكير جديا بكيفية الاستفادة من الفرص التي قد تمنحها حركة التاريخ أو التأقلم و التكيف، خاصة إذا كنت ضعيفا، لتقليل الخسائر و الاضرار بقدر الامكان..
الاخطر من خسارة التحالف مع الانظمة، هو خسارة حب و تأييد الشعوب. لا يقبل أي شعب مهما كان الاهانة أو التخوين و لا يقبل التحريض ضد نظامه من أفراد و أنظمة خارجية، خاصة في حال أنها لا تمثل له قدوة يحتذى بها. التهجم على شعوب الخليج مضر جدا و غير ذي جدوى. صحيح إنه كان لنا دور كبير في تعليم هذه الشعوب، لكان كان ذلك مقابل عوائد مادية هائلة ساهمت كثيرا في تعزيز صمود المجتمع الفلسطيني من خلال التحويلات و التبادل الثقافي و الفكري. علينا أن لا ننسى مطلقا أن مئات آلاف الفلسطينيون مازالوا يعيشون هناك و يلعبون دورا هاما جدا في إبقاء القضية موضع الاهتمام. وهم سفراء للقضية و مصدرا لدعم المجتمع هنا.
مع غياب منظومة القيم التي حل محلها منظومة المصالح و التشابك في العقود الاخيرة ، من حق أي نظام او شعب البحث عن مصالحه حتى لو كانت وهمية أو قصيرة المدى علينا أن لا ننصب من أنفسنا أوصياء وحكماء على الاخرين.
يجب الانتباه أن هذا التدهور لم يصل نهايته بعد، علينا ان نتوقع خطوات أخرى قد تكون صادمة لنا لكنها متوائمة مع السياق. لذا يبقى التحدي الكبير: كيف نحافظ على أنفسنا و قضيتنا في وسط هذا البحر المتلاطم الامواج؟ الندب و الردح و الصراخ و الشعبوية في الخطاب لا تمكننا من النجاة.
إن بناء عناصر القوة و إستعادة زمام المبادرة و إعادة التموضع تبدأ من الداخل. تجميع مفاعيل القوة بالوحدة السياسية و التنمية المتوازنة و تعزيز دور فلسطيني الشتات و دمج الشباب و الكفاءات في إتخاذ القرار هي ضرورية لتحقيق ذلك.وهي ممكنة في حال توفرت الارادة.
لقد تأخرنا كثيرا ، لكن أن نبدأ اليوم أفضل من الغد.