جلسة رقمية بعنوان “تجارب لاعنفية وكيفية الاستفادة منها في الحالة الفلسطينية”.
نظمت بال ثينك للدراسات الاستراتيجية، أمس الأربعاء، جلسة حوار رقمية عبر برنامج الزوم، بعنوان “تجارب لاعنفيّة وكيفيّة الاستفادة منها في الحالة الفلسطينيّة”، نُوقشت خلالها ورقتان بحثيتان عن التجربة الرواندية، ونماذج فلسطينيّة سلميّة في مواجهة الأزمات الداخلية، بمشاركة نخبة من المثقفين والباحثين وعدد من مؤسسات المجتمع المدني من الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك ضمن مشروع “تعزيز ثقافة اللاعنف” الذي تنفذه المؤسسة منذ سنوات؛ لنشر وتعزيز السلوك السلمي ولغة الحوار لتحقيق المصالحة المجتمعية الشاملة.
وقالت منسقة المشاريع في مؤسسة “بال ثينك” أ. سالي السماك خلال افتتاح الجلسة: “يأتي هذا اللقاء ضمن مشروع تعزيز ثقافة اللاعنف، الذي تعمل عليه “بال ثينك” مع 57 مؤسسة شريكة في شقي الوطن للوصول إلى أكبر فئة ممكنة، إذ استهدفنا الأطفال، وطلبة الجامعات، وربات البيوت، والمرضى، ورسمنا جداريات، ونظمنا حملات على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضا قدمنا عشرات الحلقات على إذاعات محلية. نريد أن نجعل هذه الثقافة ضمن السلوك اليومي. واللافت أننا وجدنا تقبل من فئات المجتمع المختلفة، ووجدنا أيضا إقبال من مؤسسات محلية لتنفيذ هذه الأنشطة في المناطق المهمشة”.
من جانبه، قال مدير مؤسسة “بال ثينك” أ. عمر شعبان: “نؤمن في بال ثينك بالشراكة الحقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني ونعمل مع أكبر عدد ممكن منها. نحاول أن نستخدم مواردنا المتاحة بشكل تشاركي مع كل المؤسسات من رفح إلى جنين مرورا بالقدس العاصمة. وهذه الشراكة متواصلة منذ سنوات، وبأنشطة متنوعة، من مبادرات توعية إلى أوراق بحثية، إلى حلقات إذاعية، إلى جلسات تفاكر سياسي تميزنا فيها”.
وأضاف: “تتميز رواندا بتجربتها وتميزت أيضا بأعلى نمو اقتصادي في العالم، وأصبحت من نمور إفريقيا، وسيكون لها شأن عظيم في السنوات القادمة. تناولنا هذه التجربة لنقول إن بالإمكان أفضل بكثير مما يكون. ولسنا الشعب الوحيد الذي اقتتل داخلياً، فعلى العكس، الاقتتال الفلسطيني لم يكن الأطول أو الأكثر في عدد الضحايا من جنوب السودان أو من جنوب أفريقيا أو من كولومبيا أو حتى من إيرلندا ذات القتال الأهلي الأكثر قسوة. نريد تعميم نتائج التجارب الدولية على القيادة الفلسطينية السياسية وعلى مناصري الأحزاب الفلسطينية وعلى كل أطياف المجتمع المدني، لنقول أن بالإمكان أفضل مما كان”.
بدوره، استعرض الباحث د. طلال أبو ركبة في ورقته بعنوان “نماذج لاعنفية وكيفية الاستفادة منها في الحالة الفلسطينية” مواقف تاريخية للأسلوب الفلسطيني السلمي، وقال: “بداية، أريد أن أتوجه بجزيل الشكر لبال ثينك لتناولها قضايا فلسطينية دقيقة ولمحاولتها الدائمة في الضغط باتجاه تثقيف المجتمع عن ما حصل ويحصل في المجتمع الفلسطيني، وتبحث عن حلول باستعراضها تجارب الدول الأخرى على اختلافها وكأنها تقول أن الانقسام الفلسطيني ليس نهاية المطاف، ويمكن تجاوزه.”
وأضاف: “تهدف هذه الورقة إلى إبراز ثقافة اللاعنف في المجتمع الفلسطيني، باعتبارها التعبير الحقيقي عن هذا المجتمع الذي اتسم بالتسامح واللاعنف عبر تاريخه الطويل، وكيف نجح المجتمع الفلسطيني في معالجة كافة خلافاته الداخلية وخاصة المجتمعية منها، ومواجهة كافة مشاكله بثقافة لاعنفية حافظت على الدوام على نسيجه الاجتماعي وسلمه الأهلي. فالشعب الفلسطيني من أول الشعوب على وجه الأرض الذي اتخذ مقاومة سلمية تجاه المحتل، وتجسد ذلك خلال الانتداب البريطاني، والانتفاضة الأولى، ومسيرات العودة”
وأشار أبو ركبة إلى نماذج فلسطينية تاريخية جسدت ثقافة اللاعنف، مثل: اتخاذ الفلسطينيين خلال حقبات الاحتلال المختلفة التحكيم والوساطة في مواجهة العنف بديلاً عن قوانين المستعمر لضمان السلم الأهلي. وإيمان الفلسطينيين بثقافة الحوار في مواجهة الاختلالات البنيوية في المجتمع، إذ نجح الحوار مبكراً بعد الانقسام مباشرة عبر مبادرات محلية، وكانت بال ثينك من أولى المؤسسات التي نجحت بجمع طرفي الانقسام، ونجحت في تقديم ورقة لمعالجة ملف الموظفين، المعروفة بـ”الورقة السويسرية”.
ولفت الباحث إلى أن الفلسطينيين اتخذوا الفن وسيلة لمواجهة العنف وللتعبير عن أزماتهم وذلك من خلال الأغاني والرسومات والأشعار، وكان فوز الفنان الفلسطيني محمد عساف دليل على أهمية الفن في إعادة اللُحمة بين شقي الوطن.
وتابع: “نجح الفلسطينيون أيضا في توظيف الرياضة في تبديد الصورة النمطية عن الآخر الفلسطيني والتي بدأت بعد الانقسام، وساهم الاحتلال بشكل كبير في رسمها من خلال منع التواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فمن خلال مباريات كرة القدم مثل نهائي كأس فلسطين بين أهلي الخليل وشباب الشجاعية، حيث كانت الحفاوة والتكريم المتبادل بين الفريقين والجمهور في مباراتي الإياب والذهاب فرصة سانحة لتصحيح هذه الصورة السلبية التي تركها الانقسام والاحتلال مجتمعين”.
واختتم أبو ركبة بالقول: “ما يحتاج إليه المجتمع الفلسطيني الآن هو الإيمان بقدرته على النجاح والعبور لشط الأمان وهو ما تحاول فعله العديد من المنظمات الاهلية المؤمنة بأهمية تعزيز ثقافة اللاعنف والتسامح باعتبارهما المدخل الصحيح لاستعادة الأمل في الوحدة وإنهاء الانقسام”.
أما الورقة الثانية فكانت بعنوان “التجربة الرواندية والاستفادة منها فلسطينيا” للمحامي بلال النجار الذي شكر “بال ثينك” على نقل تجارب الدول الأخرى للاستفادة منها لإنهاء الانقسام.
واستعرض الباحث تاريخ وأسباب الصراع بين الأغلبية الهوتو (Hutu)، والأقلية التوتسي (Tutsi)، وتأثيره على رواندا. كما بيّن الركائز الأساسية لإنهاء الحرب الأهلية وإعادة البناء ومنها: المحاكمات التقليدية والجماعية، وتعزيز الوحدة والمصالحة، واصلاح المؤسسات، وجبر الضرر، وتوحيد المليشيات المقاتلة ضمن الجيش الرواندي.
واختتم بالقول: “أريد أن أقول إن المصالحة لا تعني-كما يتبادر إلى الذهن- طمس الحقيقة وطي الصفحة دون قراءتها، بل إنها هدفاً يتم تحقيقه من خلال إنجاز جميع المكونات المشار إليها سابقا.
أما عملية المصالحة الفلسطينية فلها مداخل وطرق كثيرة منها السياسية والقانونية. ومن أهم الوسائل لذلك: إيجاد آليات للحوار، وتعزيز هوية مشتركة بين الأطراف المنقسمة فلسطينياً. بالإضافة إلى صياغة استراتيجية مجتمعية مشتركة تستوجب الدفاع عنها من المجتمع”.
هذا ودارت أسئلة وملاحظات المشاركين حول ضرورة وضع منهجيات متفق عليها لتعزيز السلوك السلمي، وأهمية وضع دروس تربوية للأطفال تهدف لغرس ثقافة اللاعنف، وتنظيم أنشطة منهجية ولا منهجية لتعريف المواطنين بحقوقهم وواجباتهم، ومدى إمكانية إلزام طرفي الانقسام بالقانون الفلسطيني.