جلسة حوارية مع د إبراهيم فريحات حول تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة طالبان للحكم

قال أ. النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا د. إبراهيم فريحات إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان قلل من تأثير الولايات المتحدة على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأثبت أن التغيير يجب أن يكون من الداخل، وأن المقاومة ليست عديمة الجدوى ولكن لها محدوديات، مشيراً إلى إمكانية تفاوض الإدارة الأمريكية مع حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” كما تفاوضت مع الحوثيين وطالبان.

جاء ذلك خلال جلسة حوارية، عبر برنامج الزوم، نظمتها بال ثينك للدراسات الاستراتيجية بعنوان “الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وعودة طالبان للحكم: الأسباب والتداعيات والتوقعات”، أمس الأربعاء، بمشاركة مفكرين ومثقفين وأساتذة جامعات وغيرهم.

وافتتح الجلسة مدير “بال ثينك” عمر شعبان بالترحيب بالضيف والحضور، مؤكدا على دور بال ثينك للدراسات الاستراتيجية في مناقشة قضايا فلسطين و العالم ” وقال إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مسألة في غاية الأهمية، واستحوذ على تغطية مكثفة من الإعلام الدولي.

بدوره، قال د. إبراهيم فريحات إن تزايد الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان منذ أن كان 1300 جندياً عام 2001 وصولا إلى مئة ألف عام 2010، يثبت توجه الإدارة الأمريكية بحسم المعركة عسكريا رغم فشلها في ذلك، وهو الأمر الذي دفعها للبحث عن أي نصر معنوي وهذا ما تمثل في اغتيال أسامة بن لادن في 2011. وأضاف: “إن أوباما لم يُخفِ خطة الانسحاب، وأدركت الإدارة الأمريكية عام 2011 أن النصر العسكري مستحيل، لذلك بدأت في البحث عن حلول أخرى، حيث خفضت عدد الجنود في أفغانستان إلى ثمانية آلاف جندياً عام 2016، وبداية المفاوضات حول الانسحاب بدأت عندما افتتحت طالبان مكتباً تمثيلياً في الدوحة”. وأكد د.فريحات أن صاحب قرار الانسحاب هو الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عندما وقع الاتفاق في فبراير 2020، مستثنياً الحكومة الأفغانية وحلفائه. مشيراً إلى أن كابول سقطت فعليا منذ وُقع الاتفاق وليست في 15 أغسطس 2021. وتابع: “من وقع على الهزيمة هو دونالد ترامب، وجو بايدن هو من نفذ ولكنه لم ينفذ الانسحاب بطريقة منظمة دون خسائر مدنية أو فوضى، وهو المسؤول عن طريقة الخروج وليس قرار الخروج”.

التجربة الأفغانية والتجربة الفلسطينية

وأوضح د. فريحات أن هناك ثلاثة أمور يجب أخذها بعين الاعتبار:

أولا: الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيؤثر على القضية الفلسطينية لأن الولايات المتحدة خرجت منهزمة ونفوذها متراجع وقدرتها على إحداث فرق حقيقي في الصراع تراجع خطوة للخلف.

ثانيا: التغيير لا يأتي من الخارج وهذا ما ثبت عام 2008 عندما فشل رئيس الوزراء سلام فياض آنذاك في ما يُعرف بـ”الفياضية” وهي بناء مؤسسات الدولة بالاعتماد على التمويل الخارجي لنيل الاعتراف الدولي، وانهار ذلك بشكل مخجل. بل إن “الفياضية” تسببت في الاعتماد على التمويل الخارجي في توفير وراتب 180 ألف موظف في السلطة الفلسطينية، ما تسبب في ضياع القرار السياسي الفلسطيني.

ثالثاً: المقاومة ليست عديمة الجدوى ولكن لها محدودات، إذ خسر الجيش الأمريكي وحلفاؤه حوالي خمسة آلاف جندي، بينما خسرت طالبان والأفغان نحو150 ألف، ولكنهم استطاعوا تحقيق نتيجة لكنها محدودة. مؤكداً في الوقت ذاته أن التفاوض دون امتلاك قوة لا يحقق شيئاً، والطرف الفلسطيني يفاوض منذ أوسلو بالاعتماد على حسن النية الدولية ووعودات من هنا وهناك. 

وقال د. فريحات: “فاوضت طالبان ووقعت اتفاق الدوحة وهي تقاوم، وعندما تأخر الانسحاب ليوم واحد، أراد الناتو أن يتقدم بطلب لطالبان للسماح لهم بالتأخر ليوم واحد. وهذه القضية موجودة في أدبيات التفاوض العالمية، فالمفاوضات لا تحدث بدون أوراق قوة، فإن ذهب أحد للتفاوض بدون أوراق قوة فهو يذهب ليستجدي، وحينها يكون الحديث عن ثوابت وطنية ومشروع وطني عبثا”.

هل يمكن أن تفاوض أمريكا “حماس” أو “الجهاد الإسلامي”؟

أجاب د. فريحات: “كل شيء وارد، فبعد حرب مباشرة لـ 20 عام، بدأت أمريكا بالانهيار تجاه طالبان، وهذا يعود لتحقيق أوراق القوة على الأرض. ولكن السؤال، هل تفاوض أمريكا من تُسمهم إرهابيين؟ والإجابة وفق ما نرى هي نعم. فطالبان منهم. بل وأيضا الحوثيون كانوا على قائمة الإرهاب التي رُفعوا منها على يد إدارة بايدن. ففي السياسية كل شيء وارد”. وأضاف: “ولكن هل هذا يعني أنه التفاوض مع حماس أو الجهاد سيحدث بالضرورة؟ والإجابة، لا، ليس بالضرورة. لأن طالبان عندما استطاعت أن تُخطر الإدارة الأمريكية بقبولها بالتفاوض عام 2011، كانت قد حققت مكاسب عسكرية مهمة. والسؤال هو: هل بإمكان الفصائل الفلسطينية التي تتبنى الكفاح المسلح أن تحقق هذا الشيء؟ الإجابة على السؤال متروك للمستقبل”. وأكد أ. النزاعات الدولية أن قدرة الحوثيين وطالبان على تحقيق المكاسب بأن يُزالا من قائمة الإرهاب، وأن يتم الحديث معهم، لا تعني بالضرورة أن بإمكان “حماس” و”الجهاد” تستطيعان تحقيق نفس النتائج. مشيراً إلى أن حماس حققت خلال الحرب الأخيرة ما يسمى ببناء القوة الصلبة، وهي خطوة للأمام. وأضاف: “رغم أهمية القوة الصلبة لدى حماس في المفاوضات، ولست متأكداً من أن حماس التي خاضت الحرب الأخيرة عام 2021 هي طالبان عام 2011.  فطالبان والحوثيون أثبتا أن الصمود والمقاومة المستمرة يؤديان للاعتراف الدولي، ولكن هذا لا يعني أن ما وصلت إليه حماس عام 2021 هو ذاته الذي وصلت إليه طالبان عام 2011 عندما بدأ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ولكن هي خطوة إلى الأمام وبناء قوة صلبة”.

ماذا بعد الانسحاب؟

وقال أ. النزاعات الدولية: “إن الإدارة الأمريكية فشلت في إدارة الانسحاب. إذ تعود بداية خروجها غير المنظم إلى فبراير 2020”.

وأكد أن الولايات المتحدة تخلت عن الحكومة الأفغانية، مشدداً أنها ليست المرة الأولى للتخلي عن حلفائها، فقد أدارت الاتفاق النووي عام 2015 بنفس الطريقة. وأضاف د. فريحات: “لحظة الانسحاب من أفغانستان تشبه لحظة كارتر عندما فشل (الرئيس الأمريكي كارتر) في إخراج الرهائن من السفارة الأمريكية في إيران، وأدى ذلك لإنهاء مستقبله السياسي. ورغم أنه الانسحاب غير المنظم وصمة عار في تاريخ الإدارة الأمريكية الحالية والتاريخ الأمريكي ككل، إلا أنني لا أجزم أن هذا سينهي مستقبل بايدن السياسي”. وأشار إلى أن الإرث السياسي لواشنطن في التعامل مع القضايا الدولية ستبقى لعنة تطاردها، مثلما حصل في فيتنام.  وأوضح د. فريحات أن التحدي الأكبر أمام طالبان هو إعادة الإعمار، وهو مرهون بثلاثة عوامل وهي:

أولاً: العامل الأمني ويتلخص في قدرة طالبان على السيطرة على الجماعات الأفغانية الجهادية في أفغانستان، وهو الأمر الذي عجزت عنه الولايات المتحدة وحلفاؤها خلال السنوات العشرين الماضية.

ثانياً: عامل المصالحة الوطنية؛ وأداء طالبان فيها ضعيف، لأنها فشلت في عدة أمور منها: لم تستطع أن تحل مشكلة “وادي بنجشير” بالتفاوض واستخدمت الخيار العسكري. كما شكلت حكومتها ومعظم وزرائهم من قندهار أي لم يعكسوا التنوع العرقي والإثني في أفغانستان، ناهيك عن عدم وجود أي امرأة فيها. ثالثاً، قبول طالبان دوليا، وهو الأمر الذي يعتمد على محورين وهما:

  • أولاً: مقدرة طالبان على السيطرة على الجماعات الجهادية.
  • وثانياً: تحقيق الحد الأدنى من حقوق الإنسان، وألا يكون هناك تصرفات مخجلة، كمنع الإناث من التعليم، أو تكسير التلفاز وغيرها.

وقال أ. النزاعات الدولية د.فريحات: “إن لم تخضع طالبان لمطالب أمريكا والغرب، فسيتم مطالبتها بقضايا حقوق الإنسان بكثرة، وعندما تتوافق مع مصالحها لن تُعطى الضوء الأخضر بالكامل، ولكن مع بعض المحاذير رغم أن لدى إدارة بايدن سياسية واضحة من الرؤساء والأنظمة الديكتاتورية، وهي أننا لن ندعمها ولكن لن نحاربها. فلم نشاهد أي صدام مع أحد منذ تولي بايدن الحكم، رغم تقليل الدعم المالي للبعض”.

طالبان ودول الإقليم

وأوضح د. فريحات أن الصين قبلت الوضع الجديد بسرعة ودافعها الوحيد هو العامل الاقتصادي لأن أفغانستان بحاجة إلى عملية إعادة إعمار تمتد لعشرات السنين. أما الموقف الروسي فهو مرتبك لأن هناك تاريخ عداء طويل بين كابول وموسكو، مشيراً إلى أن الأخيرة متخوفة من قيام حكومة إسلامية متشددة في كابول وهو الأمر الذي قاتلته في أماكن عدة، ولكنها تعي أن هناك فراغ بعد الانسحاب الأمريكي، وبحاجة للتعايش مع طالبان عوضا عن محاربتها. لافتاً إلى أن واشنطن ألقت بالكرة الملتهبة بالحضن الروسي: فخلال 20 عاما، كانت الأولى تقاتل الجماعات الأفغانية الجهادية بالنيابة عن موسكو، والآن على الأخيرة أن تتعامل مع الأمور.  وأضاف: “بالنسبة لإيران، فإنها غير مرتاحة لوجود حكومة سنية وأيضا هناك تاريخ بين توتر العلاقات بين الطرفين. وبخصوص طالبان وباكستان فهما منسجمتان ولكن لها مشكلة كبيرة مع الهند”. هذا ودارت أسئلة المشاركين حول أسباب الانسحاب غير المنظم، وعدم الحديث عن مصالحة داخلية في أفغانستان، وعن إذا ما كان الانسحاب هو خطوة استباقية من امريكا لتوريط روسيا والصين في أماكن أخرى، وأسباب فشل مشروع رئيس الوزراء السابق سلام فياض في بناء دولة مؤسسات فلسطينية من أموال المانحين؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى