“بال ثينك” تنظم جلسة حوارية عن تجربة رواندا في الخروج من الحرب الأهلية

قال مدير بال ثينك للدراسات الاستراتيجية أ. عمر شعبان إن الحقيقة التي آمنت بها كافة دول العالم التي مرت بحروب أهلية أن قرار النهوض والمصالحة يجب أن يكون قرارا وطنيا وبإرادة داخلية، كرواندا، وليس بقرار من الدول الكبرى، وهو أمر يجب على الفلسطينيين أن يعملوا عليه بعد فشل جولات المصالحة في مختلف الدول العربية والغربية على مدار عقد ونصف.

جاء ذلك خلال جلسة حوارية بعنوان “تجارب دولية في المصالحات الوطنية: تجربة رواندا” نظمتها المؤسسة وأدارها شعبان، واستُضيف خلالها مدير مؤسسة Aegis Trust  الرواندية فريدي موتانجا.

وقال شعبان: “تقدم رواندا مثالاً ونموذجاً يحتذى بهما في العالم، فهي عاشت صراع دموي عام 1994، راح ضحيته نحو مليون رواندي في حرب أهلية ضروس. ورغم ذلك، تمكنت أن تخرج من هذا المأزق وأن تحقق نموا اقتصاديا يعد من الأعلى في العالم، وأصبحت كيجالي، عاصمة رواندا، أحد أهم العواصم في إفريقيا”. وأكد شعبان أن التجربة الرواندية تستحق الدراسة بعناية من الفلسطينيين خاصة في ظل الانقسام الذي أضر بالقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن على الرغم من حسن نية الجهود التي بذلت لإنهاء الانقسام إلا أنها فشلت ما جعل الجميع يدفع الثمن.

بدوره، افتتح مدير مؤسسة Aegis Trust  الرواندية فريدي موتانجا حديثه بشكر “بال ثينك” على الاستضافة وبتعريف الحضور عن رواندا قائلاً إن دولته تقع في الجزء الشرقي من القارة الإفريقية ومساحتها 23 ألف كم مربع، استعمرتها ألمانيا وبلجيكا وعملتا على تقسيم السكان إلى ثلاث فئات وهم: الهوتو والتوتسي والتوا. واليوم تعدادها 12 مليون نسمة، وهي دولة نامية تعمل بجد للنهوض باقتصادها.

وأضاف فريدي موتانجا: كانت روندا دولة مسيحية ولديها أقليات مسلمة كانوا يُعتبرون أعداء وكانوا مضطهدين من النظام السياسي آنذاك، لذلك العدد الأكبر من القتلى في مجزرة 1994 هم مسلمون. أما اليوم فرواندا تمنح احترام كامل للديانات كافة، وهناك حرية واحترام كامل لجميع الديانات”.

وكشف فريدي أنه وشقيقته من الناجين من مجزرة عام 1994، إذ قتل والداه وأربع أخوات وستة من أطفال، فنشأ يتيماً منذ كان عمره 10 سنوات وهو الأمر الذي أرهقه كثيرا في حياته.

المجزرة

وتابع: “قُتل الملك عام 1996 لأنه نادى بالاستقلال، وكان الاستعمار يعمل على تدمير المملكة وجعلها جمهورية. كما قتل مليون مواطن في 100 يوم تقريبا”. وقال قتل مليون من الروانديين. وبعدها نجح الرئيس الحالي في إيقاف المجزرة وقاد حركة التحرير في التسعينيات.

وبين فريدي أن الشعب هو الذي حرر الدولة لأنه أدرك الثمن الباهظ الذي سيدفعه إذا استمرت تلك الفوضى، وأيقن أن القبول بالانقسام والتمييز العنصري سوف يؤدي إلى الهاوية، مؤكدا أن المجتمع الدولي لم يكن مهتما بما يحصل في رواندا، ولم يتدخل عندما حصلت المجازر رغم وجود قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في رواندا، لذلك قامت الحكومة بإخراجهم وقالت لهم لم نعد بحاجة إليكم، لأن الروانديين قرروا أن ينهضوا بأنفسهم.

تحديات النهوض

وأضاف الضيف الرواندي: “لم تقم حركة التحرير فقط على برنامج تحرير، إنما جعلت فكرة التحرير أسلوب حياة. حيث شاركت كل أطياف المجتمع الرواندي في صنع قرار التصرف بكل أجهزة الدولة كالجيش والقانون والعدالة وغيرها”.

وأشار إلى وجود تحديات كثيرة واجهت عملية المصالحة آنذاك، منها أن الناجين ومرتكبي المجزرة كانوا يعيشون في نفس المدينة، وفراغ الدولة من الخبراء وأصحاب المهن ومعارضة خطة المصالحة مع من قبيلة التوتسي وهي الأكبر هناك وكانت تستحوذ على كل الوظائف العامة والامتيازات، وتدهور الوضع الاقتصادي بسبب الحرب الأهلية، والإنكار وعدم الإقرار بالأزمة.

خطوات النهوض

وقال فريدي “الخطوة الأولى كانت تحقيق العدالة، إذ اختاروا مجموعة من الحكماء لكل منطقة، ولجأوا للحوار وحاكموا مرتكبي الجرائم قانونيا، واعترف المرتكبون علنا بجرائمهم فسامحهم البعض، وحدثت مصالحة حقيقية.

الخطوة الثانية هي النهوض اقتصادياً، إذ فتحوا المجال للاستثمار، وسمحوا للإفريقيين أن يدخلوا رواندا دون الحاجة لفيزا، وللجنسيات الأخرى بالحصول على الفيزا عند الوصول إلى المطار”.

وأضاف: “الخطوة الثالثة كانت محاربة الفساد فوحدوا بطاقات الهوية الوطنية. والخطوة الرابعة هي تطبيق القانون على الجميع دون تهاون مع أحد”.

وأكد فريدي أن الرئيس الحالي الذي أخرج بلده من الحرب الأهلية هو أيضا أحد الناجين من المجزرة، وبالتالي أحس بالضرورة الماسة لوقف الحرب وللمصالحة التي استغرقت 10 أعوام لتحقيقها.

وأشار الضيف الرواندي أن المصالحة كانت اختيارية وسامح المواطنون مرتكبي الجرائم طواعية، مؤكدا على أنهم لجأوا للحوار مع المجتمع المدني.

وعبر فريدي عن ألمه لوقوع ضحايا فلسطينيين بشكل مستمر، وقال: “وجهة نظري في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو أن يتقبل الفلسطينيون الإسرائيليين والعكس لأن الحل في أيديهم وعليهم أن يحترموا مبادئ حقوق الإنسان. فما حدث في رواندا هو أن الضحايا قالوا نحن مستعدون للاستماع للجناة، والجناة قالوا نحن مستعدون لنستمع ونشعر بألم الضحايا، وهذا ما حصل. أنتم تريدون قيادة سياسية لديها إرادة سياسية للتوجه بشكل حقيقي نحو عملية السلام وبالبدء في خطوات جادة”.

وأضاف: “المصالحة مهمة جدا وأنا ملتزم بها. قيادتنا السياسية بدأت في قضية الأمن واستغرقت وقتا لتكون وسيطاً لعملية المصالحة. وعملية الحوار في عدة قضايا مجتمعية استغرقت وقتا من القيادة السياسية. وأستطيع القول، بعد 17 عام من العمل على المصالحة المجتمعية، الآن أنا مسامح الجناة”.

وأشار إلى أنه لا يحتاج من أحد أن يجبره على مسامحة الجناة، أو يحترم الناس ومشاعرهم.

مسامحة الجناة

وتابع فريدي “لماذا نحتاج أن نسامح الجناة؟ الأمر ليس لك فقط، لكنه متعلق بأطفالك وزوجتك وبلدك. إنه وسيلة لإبراء الجراح التي تعاني منها جراء قتل من تحب. عندما تقرر أن تصالح وتسامح، وعندما يقبل الجناة أن يطلبوا السماح والمغفرة، تشعر أنك كما لو فقدت 100 كيلو جرام من وزنك. فعندما قررت أن أبدا رحلة المسامحة والمصالحة، وجدت أن الكثيرين أيضا يريدون المصالحة”.

واستدرك قائلاً: “المصالحة أمر ليس متعلق بشخصك فقط، إنه متعلق بأطفالك وجيلك وشعبك. ابدأ من بلدك من أجل سلامة المجتمع المتصالح ومن أجل أن ينمو الاقتصاد ويتحسن النظام الصحي”.

هذا ودارت أسئلة المشاركين حول كيفية تحول الجناة إلى مواطنين مسالمين، والعوامل التي أحدثت فرقا في عقول الروانديين ليقبلوا أن يسامحوا الجناة، وعن تدخل المجتمع الدولي بشؤون رواندا الداخلية، وكيفية الاستفادة من التجربة الرواندية في الحالة الفلسطينية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى