للخروج من الازمة.. اقتراح لإنشاء مجلس إعادة إعمار غزة
عمر شعبان / مدير بال ثينك للدراسات الاستراتيجية
منذ اندلاع الحرب في غزة، استمر الجدل حول إدارة القطاع بعد الحرب دون الوصول إلى خطة ملموسة وشاملة. يحتاج الناس الذين بقوا في قطاع غزة إلى تدخل فوري للتخفيف من معاناتهم وتسريع عودة الحياة الى قطاع غزة. إن الدمار شبه الكامل للقطاع، والخسائر الشخصية الهائلة في الأرواح، وعدم المساءلة عن أفعال إسرائيل، وغياب أفق سياسي لإنهاء أكثر من نصف قرن من الاحتلال الذي سبق 7 أكتوبر، يخلق أرضًا خصبة لأولئك الذين يسعون لإشعال المزيد من العنف والتطرف سواء من الداخل او من الاقليم . من الضروري وجود خطة شاملة لإدارة القطاع في فترة ما بعد الحرب مباشرة لضمان الاستقرار الكافي لإعادة بناء القطاع ومنع عودة القتال.
هذا الاقتراح لإدارة غزة بعد الحرب مباشرة يستند إلى مجموعة من الافتراضات: أن للشعب الفلسطيني الحق في العيش حياة طبيعية بكرامة وأمان، وأنه لا يمكن ولا ينبغي لهم الانتظار لفترة طويلة من التشاور قبل تحقيق هذه الحقوق؛ أن إسرائيل ومعها العديد من دول العالم لن تقبل بأن يكون لحماس أي دور سياسي أو حاكم في اليوم التالي، ومن ناحية ثانية بما أن حماس لم تعط مباركتها للحكومة الفلسطينية المعينة حديثًا العمل بشكل كامل في غزة؛ ، فمن المحتمل ألا تسمح لها بالعمل بحرية في غزة.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون من غير الواقعي وخطير جدًا محاولة استعادة السلامة العامة أو إطلاق أي عملية إعادة إعمار دون التنسيق والتعاون الكافي مع الموظفين المتبقين من السلطة الفعلية في غزة، أي حماس، التي كانت الهيئة الحاكمة في غزة منذ عام 2007.
ستتطلب إعادة إعمار غزة إشراك موظفي الخدمة المدنية للسلطة الفعلية السابقة جنبا ألى جنب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة . موظفي السلطة الفلسطينية ليسوا كافيين والبعض منهم غادر قطاع غزة او تقاعد والكثير منهم لم يمارس عمله منذ 2007. إضافة أن هناك 5000 موظف بلدي في غزة. قبل 7 أكتوبر، شمل قطاع العمل الحكومي في قطاع غزة حوالي 24000 موظف في الخدمة المدنية، خاصة في قطاعي التعليم والصحة إضافة لــ 18000 شرطي. عندما تم انتخاب حماس في عام 2007، تم فصل الكثير من موظفي السلطة الفلسطينية في غزة ، وإستمر الكثير منهم في مواصلة عملهم تحت إدارة حكم حركة حماس خاصي في قطاعي الصحة و التعليم. يقدر عددهم بحوالي 25000، منهم 15000 موظف مدني و10000 من أفراد الأمن. بعضهم بحاجة إلى إعادة التدريب والتوجيه. لذلك، يعد إشراك موظفي الخدمة المدنية للسلطة الفعلية السابقة أمرًا ضروريًا لبدء عملية الإدارة المدنية مع عودة موظفي السلطة الفلسطينية الذي بقوا في منازلهم دون عمل. تفترض هذه الخطة دمج موظفي السلطة الفلسطينية للعمل في القطاع الحكومي مع موظفي حكومة غزة . ليس من الخيارات عدم إشراكهم جميعا لتعزيز النظام العام وتحقيق النتائج. في ضوء هذه الحقائق، تتكون هذه الخطة من أربعة عناصر متكاملة:
العنصر الأول: إنشاء مجلس إعادة إعمار غزة. سيتألف المجلس من 15 إلى 20 شخصًا، سيكونون في الغالب من موظفي السلطة الفلسطينية الذين يعيشون في غزة، والذين يتم دفع رواتبهم من السلطة الفلسطينية في رام الله. سيقوم هذا المجلس بتنسيق عمله مع المنظمات الدولية التي ستعمل على إعادة إعمار قطاع غزة. يجب التأكيد على أن هذه اللجنة ستكون بمثابة فرع غزة للحكومة الفلسطينية، وستنسق عملها بشكل كامل معها . يجب السماح لأعضائها بالسفر الروتيني واليسير إلى رام الله والعودة منها، والاجتماع مع رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء. يجب أن تعلن هذه اللجنة أيضًا أنها ستعمل مع موظفي الخدمة المدنية للسلطة الفعلية. هذا ضروري لكسب تعاون ودعم القوى السياسية و المجتمعية في قطاع غزة. يجب على مجلس إعادة إعمار غزة أن يعلن بوضوح أن صالاحياته لا تحمل أي مسؤوليات سياسية، وأنه هيئة مؤقتة ليس لاكثر من عامين وتكون مسؤوليته محصورة في تخطيط وإطلاق وإدارة عملية التعافي المبكر والإعمار. يجب على المجلس تنسيق عمله وتمويله وخطته مع المجتمع المحلي و الدولي، يتوجب إنشاء موقع إلكتروني للإعلان عن عمله للجمهور والمانحين بشكل منتظم. يجب فتح حساب بنكي خاص بحيث يتم فصل أموال الإعمار عن أي أغراض أخرى من خلال بإشراف محلي دولي . يجب أيضًا إشراك الشتات الفلسطيني في هذا الجهد، حيث يمتلك الكثيرون المعرفة الفنية الأساسية والموارد اللازمة لتحفيز الاستثمار في مستقبل غزة. يجب أن تشمل المناصب في المجلس ممثيلن من قطاع غزة للقطاعات التالية-
* قطاع المياه
* قطاع الكهرباء والطاقة
* وزارة الصحة
* وزارة الشؤون الاجتماعية
* وزارة الحكم المحلي
* وزارة الزراعة
* وزارة الإسكان والأشغال العامة
* نقابة المقاولين
* جمعية رجال الأعمال
* 3 أعضاء من المجتمع المدني، معظمهم من النساء.
* رئيس الشرطة المحلية
* مراقبون واتصال من المنظمات الدولية، بما في ذلك: الأونروا، برنامج الغذاء العالمي، منظمة الصحة العالمية، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المنظمات غير الحكومية الفلسطينية.
العنصر الثاني: إنشاء قوة شرطة محلية لإنفاذ القانون و الحفاظ على الأمن و السلم الأهلي. ستكون القوة مكونة من 5000 فرد ، منهم 2500 من قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية الذين استمروا في العيش في غزة، و2500 من الموظفين المتبقين من السلطة الفعلية في غزة. سيتم تعيين رئيس فلسطيني للشرطة من المقيمين في مصر أو رام الله. و سيتم دعوة 20-25 من كبار محترفي الشرطة من مصر والأردن والمغرب للمجيء إلى غزة للإشراف على وتدريب وتوجيه قوة الشرطة المشكلة حديثًا. سيكون لرئيس قوة الشرطة مقعد في مجلس إعادة إعمار غزة.
العنصر الثالث: مراقبة وإدارة معابر غزة. يجب دعوة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للتعاون مع إدارة المعابر في السلطة الفلسطينية لتحمل المسؤولية عن مراقبة والإشراف على تدفق المواد و بالتنسيق مع الجانب الاسرائيلي ، إلى جانب موظفين محليين من مختلف وزارات السلطة الفلسطينية ذات العلاقة في غزة. يستوجب ذلك رفع الحصار على دخول المواد الخام و المعدات اللازمة. يجب فتح معبر رفح بشكل دائم للسماح بعودة العديد من الأشخاص المؤهلين والفنيين الذين غادروا غزة خلال الحرب. لا يمكن أن تكون هناك عملية إعادة إعمار في غزة بدونهم.
العنصر الرابع والمهم بشكل خاص: تعزيز المجتمع المدني في غزة. يجب إنشاء صندوق خاص من قبل الدول المانحة لمساعدة المجتمع المدني في غزة على إعادة بناء مكاتبهم وممتلكاتهم ومعداتهم والبنية التحتية الأخرى. يجب أن يدعم هذا الصندوق برامج معالجة الاثار النفسية والاجتماعية التي سببتها الحرب وتعزيز ثقافة التسامح ونبذ العنف والتعايش والسلم الاهلي وبناء النسيج الاجتماعي . يشمل ذلك مساعدة الجامعات وقطاع التعليم في غزة التي دمرت بفعل الحرب على إعادة بناء برامجها.
هناك بالطبع عدة شروط ضرورية لتنفيذ هذا الاقتراح بنجاح. أولاً، يجب أن توافق الولايات المتحدة، السلطة الفلسطينية، إسرائيل، والاتحاد الأوروبي والدول العربية ذات العلاقة ، خاصة مصر على الخطة ثانيا، يجب أن يتوافر للمجلس الدعم و المساندة من كل القوى السياسية في قطاع غزة. ثالثا، يجب على المجلس أن يعلن أنه هيئة فنية إدارية مؤقتة، لا يحل محل أي هيئة حاكمة أخرى، وليس لديه أي أجندة سياسية تتجاوز إعادة إعمار غزة. أخيرًا، يجب على المجتمع الدولي، وبشكل رئيسي الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي والدول العربية الرئيسية، تقديم تعهدات مالية كبيرة لمشاريع إعادة الإعمار ودعم الميزانية المخصصة للأنشطة التي ينسقها المجلس.
هذه هي خطة عريضة تتطلب خطط تفصيلية يتم إعدادها من قبل المجلس بالتنسيق مع خطط السلطة الفلسطينية والمنظمات العاملة في مجال التمويل الدولي. يتوجب تعزيز مشاركة شركات القطاع الخاص المحلية والمتضرريين من الحرب وقطاع الحكم البلدي في عملية التخطيط و التنفيذ و الرقابة بقدر الامكان كي تتوفر الحماية و المساندة المجتمعية لعملية إعادة الاعمار.
يتم تنظيم مؤتمر دولي لإعادة الاعمار تشارك فيه الدول الغنية و المؤسسات الدولية لرصد التمويل اللازم لبدء عملية إعادة الاعمار بشكل كبير بحيث يعطي الامل لمواطني قطاع غزة الذي عانوا ويلات الحرب بمستقبل افضل. يجب تشجيع العشرات من اصحاب الكفاءة والخبرة من فلسطيني الشتات خاصة الذين غادروا قطاع غزة بسبب الحرب على العودة للمساهمة في عملية إعادة الاعمار.
التحديات السياسية لتنفيذ هذا الاقتراح كبيرة، ولكن يجب على القادة والقوى السياسية و المجتعمية إظهار الرؤية والشجاعة اللازمة لمواجهتها والتغلب عليها إذا أردنا تجنب تكرار هذا الكابوس.