وضعية حقوق المرأة السودانية في ظل الحرب

بقلم: مريم غدامسي

مقدمة

تشهد الحروب وتقدّم دليلا ملموسا عن عجز الأنظمة القانونية عن حماية حقوق الإنسان. وأثناء النزاعات المسلحة يجد الأطفال والنساء أنفسهم الفئة الضعيفة، وهم في الغالب أبرز الضحايا، فعندما تنشب الحروب، تُسلب من المرأة حقوقها الأساسية بصورة مضاعفة؛ فهي تعاني مثل الآخرين كمدنية محاصرة بالعنف والفقر والخوف، وعلاوة على ذلك فهي تُستهدف بخصوصيتها الجسدية والاجتماعية والنفسية، فتتحول إلى أداة ضغط غير معلن بين القوى المتحاربة، رغم أنّ المعايير الدولية تدعو إلى حماية حقوق المرأة بصفة خاصّة[1].

 وتنطبق هذه الحقيقة على معظم مناطق النزاع في العالم، إلّا أنّ الحرب في السودان اليوم تقدّم نموذجا فجّا يعكس ضياع حقوق المرأة خلال الحروب، ويشبه هذا النموذج إلى حد كبير وضعية المرأة في غزة.

فكلما اندلع نزاع مسلح، يتراجع تطبيق القانون ويختفي الردع، وهذا ما يفتح الباب أمام انتهاكات واسعة بحق النساء، خصوصا العنف الجنسي الذي يُستخدم كسلاح لترهيب المجتمعات وزعزعة تماسكها. ومع غياب المؤسسات القضائية، تفقد المرأة القدرة على طلب المساعدة أو الإنصاف، وتجد نفسها بلا حماية فعلية[2].

وقد اندلع النزاع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع سنة 2023، ويتكرّر هذا المشهد بوتيرة أعنف كل يوم، حيث ارتفع معدّل الاعتداءات ضد النساء والفتيات بشكل غير مسبوق، وبالتالي انهارت الأنظمة القانونية وعجزت عن حمايتهنّ[3].

والانتهاكات التي تتعرض إليها المرأة في السودان تدعو إلى التساؤل عن وضعيتها الحالية، خاصّة فيما يتعلق بحقوقها، لأنّ حماية حقوق المرأة كان هو الهدف من إصدار عدّة اتفاقيات، وخاصّة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة سنة 1979[4] وتعزيز حقوق المرأة في جميع أنحاء العالم وحمايتها من كل الانتهاكات وأشكال التمييز. ولكن الواقع في السودان كما هو الحال في غزّة أثبت عكس ذلك.

فكيف أثرت الحرب على حقوق المرأة السودانية؟

أدّت الحرب المندلعة في السودان إلى تهميش حقوق المرأة الأساسية، وهي الحقوق التي تمسّ السلامة الجسدية والكرامة مباشرة. وتُعدّ حقوق المرأة الأكثر تضررا في السودان هي الحق في الأمن والحماية من العنف، والحق في العدالة، والحق في السكن والعيش بكرامة، والحق في الغذاء والماء، والحق في الصحة والحق في الصحة الإنجابية[5]، بسبب تعرضهنّ إلى العنف، وأساسا الاغتصاب، وأيضا بسبب تهميش حقهنّ في الصحة والرعاية.

  • ممارسة العنف على النساء في السودان

عجزت الأنظمة القانونية بصفة واضحة عن حماية المرأة السودانية، فأصبحت مستهدفة بصفة مباشرة من خلال تعرضها للعنف الجنسي لأنّه من أخطر الأسلحة غير المعلنة في النزاعات المسلحة، إذ يُستخدم لتفكيك الروابط الاجتماعية والضغط على أفراد المجتمع. وأدّت هذه الانتهاكات إلى هجرة أكثر من 11 مليون شخص 54% منهم من النساء والفتيات، أو ما يعادل 5.8 مليون امرأة. وتعرض العديد من النساء والفتيات إلى العنف، خاصّة العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات، وارتفعت نتيجة لذلك طلبات الحصول على الخدمات والمساعدة بنسبة %288 ، ممّا يعكس حجم الأزمة المتفاقمة. وتشير الأدلة إلى أنّ النساء والفتيات المنتميات إلى الأقليات العرقية يُستهدفن عمدا، وهذا ما يزيد من هشاشتهن ويضاعف آثار العنف الجسدية والنفسية عليهنّ[6].

وإنّ النزوح القسري للنساء والفتيات في السودان لا يعني مجرد فقدان المأوى، بل يعرّضهنّ لخطر متزايد من العنف والاستغلال والفقر وانعدام الأمن الغذائي. كما أنّهنّ يتحمّلن مسؤوليات إضافية، مثل رعاية الأطفال وكبار السن، في ظروف قاسية وغير ملائمة، وينتج عن ذلك عدم قدرتهنّ على التعافي[7].

وفي هذا الإطار روى توم فليتشر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية قصة امرأة التقى بها في عيادة تدعمها الأمم المتحدة، رأت زوجها وجيرانها يُقتلون أمام عينيها في “الفاشر”، فهربت إلى “طويلة” مع طفل جيرانها، الذي يعاني من سوء التغذية، حيث قال أنّ إحدى النسوة “في الطريق، وهي تحمل الطفل، كُسرت ساقها على يد رجال على إحدى نقاط التفتيش«”[8].

وإنّ أبشع مظهر من مظاهر العنف الذي تواجهه المرأة في السودان اليوم هو تعرضها للاغتصاب، حيث تمارس قوات الدعم السريع منذ عامين العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، بهدف فرض سيطرتها على البلاد ودفع المواطنين إلى الهجرة. وفي تقرير حديث، صنفت منظمة العفو الدولية الانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوات، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي والاستغلال الجنسي، على أنّها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ويُوثّق هذا التقرير قيام جنود قوات الدعم السريع بـ اغتصاب 36 امرأة وفتاة، لا تتجاوز أعمارهن 15 عاما، أو اغتصابهنّ جماعيا. إضافة إلى أشكال أخرى من العنف الجنسي، وذلك في أربع ولايات سودانية في الفترة بين أفريل 2023 وأكتوبر 2024، بل شملت هذه الانتهاكات اغتصاب أمّ بعد انتزاع رضيعها، واستغلال امرأة جنسيا لمدة 30 يوما في الخرطوم، بالإضافة إلى الضرب المبرح والتعذيب باستخدام أدوات تعذيب مختلفة كالشفرات الحادة، ويصل التعذيب إلى درجة القتل. وقد أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع ثلاثين امرأة، معظمهم من الناجيات وأسرهنّ في مخيمات اللجوء بأوغندا، وأفادت جميع الشهادات بتورط عناصر من قوات الدعم السريع في هذه الاعتداءات. وتؤكد هذه الممارسات إفلات قوات الدعم السريع من العقاب وغياب آليات تمنع تكرار هذه الأفعال أو تردع مرتكبيها. ولم تقدّم قوات الدعم السريع ردّا رسميا على طلب المنظمة بالتعليق. كما تُظهر روايات الناجيات الأثر البالغ لهذه الانتهاكات على سلامتهنّ الجسدية والنفسية، إذ وثّقت المنظمة حالات في جنوب دارفور وولاية الجزيرة تعرّضت فيها نساء لأشكال مختلفة من العنف الجنسي في ظروف قسرية ومهينة، وهو ما دفعهنّ إلى الهجرة وعرضهنّ لمضاعفات نفسية واجتماعية ممتدة[9].

ونتيجة إلى الحرب في السودان، غالبا تُحرم النساء من فرص العمل، أو تقع على عاتقهن أعباء إعالة الأسرة في غياب الرجال، لأنّ الحرب أدّت إلى القطع مع الاستيراد والتصدير واندثار آلاف المشاريع الصغيرة التي كانت تشكّل دعامة اقتصادية للنساء. وقد أجبرت هذه الظروف الكثير من النساء على الاعتماد على المساعدات الإنسانية كملاذ أخير، وهو ما يزيد من تعرضهنّ للاستغلال الاقتصادي وربما الجسدي[10].

وبالإضافة إلى تعرضهنّ إلى شتى أنواع العنف، تعاني النساء في السودان من الظروف الصحية المتدنية.

  • تهميش حقوق النساء في السودان في الصحة والرعاية

تواجه المرأة السودانية، نتيجة الحرب، نقصا حادا في الغذاء والرعاية الصحية، فوفقا لتقارير برنامج الأغذية العالمي، يعاني أكثر من 24.6 مليون شخص من انعدام الأمان الغذائي الحاد في البلاد، وخاصّة النساء لأنّه حسب عاداتهنّ يؤثرون أنفسهنّ على الرجال، فيأكلن في الأخير وبكميات قليلة [11].

وقد تضرّرت البنية الصحية بشكل كبير، حيث تشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أنّ 70 إلى 80%  من المرافق الصحية في مناطق الصراع لا تؤدي وظيفتها أو وقع غلقها، وهذا ما أدّى إلى ارتفاع الوفيات خاصّة الأمّهات وتوقف الخدمات المرتبطة بالصحة الإنجابية والدعم النفسي[12].

وتشير التقارير إلى أنّ حوالي 1.75 مليون امرأة وفتاة في سن الإنجاب في السودان بحاجة ماسة إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية. ولذلك قام صندوق الأمم المتحدة للسكان[13] في الفترة بين جانفي ومارس 2025 بتقديم هذه الخدمات في جميع الولايات الثماني عشرة، بما في ذلك دعم وحدات رعاية التوليد الطارئة، وتشغيل عيادات متنقلة، وتوزيع المستلزمات الطبية الأساسية. كما تمّ توظيف العديد من الأشخاص للعمل في المرافق الصحية، إضافة إلى تدريب مختصّين في المجال الصحي، وإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة، وتعزيز آليات الإحالة لضمان وصول الخدمات بشكل مستمر للنساء والفتيات في المناطق المتأثرة بالنزاع[14].

وخلال سنة 2025 طالب صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوفير 145.7 مليون دولار أمريكي لتغطية الاحتياجات العاجلة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية ومكافحة العنف المسلط ضد النساء في السودان، ولكن حتى الآن، لم يتمّ توفير سوى27  % تقريبا من التمويل، وهذا أدّى إلى وجود فجوة مالية قدرها 105.9 مليون دولار أمريكي تحول دون قدرة البرامج على الوصول إلى النساء والفتيات والحفاظ على فعاليتها وتحقيق أهدافها المرجوّة[15].


  • [1] CEDAW and Security Council Resolution 1325: A Quick Guide, 2006, <www.unwomen.org>, Last accessed date 19/11/2025.
  • [2] قرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن – الأمم المتّحدة، <nwm.unescwa.org>، تاريخ آخر إطّلاع: 19/11/2025.
  • [3] تقارير الأمم المتحدة – مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية:
  • «Sudan: Humanitarian Updat (1-31 December 2024)»، تاريخ آخر إطّلاع: 19/11/2025.
  • [4] الأمم المتحدة، <www.un.org>، تاريخ آخر إطّلاع: 19/11/2025.
  • [5] منظمة العفو الدولية، <www.amnesty.org>، تاريخ آخر إطّلاع: 19/11/2025.
  • [6] The United Nations,  «Gender alert: No excuse: Calling for an end to gender-based violence in Sudan», Publication year: 2024, <www.unwomen.org>, Last accessed date 19/11/2025.
  • [7] الأمم المتحدّة، »نساء السودان يتحملن وطأة أسوأ أزمة إنسانية في العالم«، <www.ungeneva.org>، تاريخ آخر إطّلاع: 19/11/2025.
  • [8] الأمم المتحدة، »دارفور أصبحت مركز المعاناة الإنسانية في العالم«، <news.un.org>، تاريخ آخر إطّلاع: 19/11/2025.
  • [9] منظمة العفو الدولية، »السودان: الاستخدام المروع والمستشري للعنف الجنسي على أيدي قوات الدعم السريع يحطّم حياة نساء كثيرات«، 10 أفريل 2025، <www.amnesty.org>، تاريخ آخر إطّلاع: 19/11/2025.
  • [10] United Nations Development Programme , «Women’s Economic Empowerment: A Human Rights Imperative in Sudan’s Crisis», 16 December 2024, <www.undp.org>, Last accessed date 19/11/2025.
  • [11] World food programme, «Food and nutrition crisis deepens across Sudan as famine identified in additional areas», 24 december 2024, <www.wfp.org>, Last accessed, 19/11/2025.
  • [12] World health Organization, «PHSA -Sudan Complex Emergency 030424 SUDAN CONFLICT», 3 April 2024, <cdn.who.int>, Last accessed date 19/11/2025.
  • [13] صندوق الأمم المتحدّة للسّكان، <www.unfpa.org>، تاريخ آخر إطّلاع: 19/11/2025.
  • [14] United Nations Population Fund, UNFPA Sudan Situation Report, 19 March 2025, Last accessed date 19/11/2019.
  • [15] United Nations Population Fund, UNFPA Sudan Situation Report, 19 March 2025, Last accessed date 19/11/2019.

مريم غدامسي:

طالبة دكتوراه بالسنة الرابعة، درّست سداسيتين بكلية العلوم القانونية والسياسية و الاجتماعية بتونس.

مختصة في مجال القانون الخاص، ومجال المالية الإسلامية، ومجال حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة.

الاراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجة نظر بال ثينك للدراسات الاستراتيجية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى