الشركات المساهمة في فلسطين (1) .. المسكوت عنه أكبر بكثير من المصرح به
سأتطرق في الفترة القادمة و من خلال سلسلة من المقالات إلى مجال عمل الشركات المساهمة العامة و الخاصة و تلك المملوكة للسلطة الوطنية الفلسطينية بهدف إلقاء الضوء على هذه الشركات بما لها و ما عليها , مؤكدًا على أهمية قطاع الشركات المساهمة في تنمية الاقتصاد الفلسطيني و خلق فرص عمل و مساهمته الكبيرة في إلحاق الاقتصاد و المجتمع الفلسطيني بركب الاقتصاديات المتطورة .
تمهيد تاريخي :-
من المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي كان يضع عراقيل ومتطلبات تعجيزية أمام تأسيس الشركات المساهمة سواء العامة أو الخاصة منها وذلك بهدف الإبقاء على الإقتصاد الفلسطيني صغيرا و عائليا محدوداً , بما يسهل كسره و كبح جماح تطوره . كذلك منع الفلسطينيين من التفكير و العمل كجماعة و حرمان الإقتصاد الفلسطيني من الإستفادة من المدخرات البسيطة التي قد تتوافر في أيدي المواطنين البسطاء و كذلك كبح جماح الفلسطينيين في المهجر من إستثمار جزء من أموالهم في داخل فلسطين .
مع تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 إنتشرت حمى تأسيس الشركات المساهمة سواء الخاصة أو العامة منها و ذلك في جميع مجالات الإستثمار من قبل رجال الأعمال الذين امتلكوا الخبرة و المعرفة الكافية بهذا النمط من الشركات نتيجة عملهم في انحاء العالم , وخاصة الخليجية منها حيث سارعوا , و بخطوات سريعة إلى تأسيس شركات مساهمة خاصة و عامة .
جاء تأسيس هذه الشركات بهدف ملْ الفراغ الذي كان متوقعا نتيجة فك الارتباط الجزئي للإقتصاد الفلسطيني مع الاقتصاد الاسرائيلي , و تطبيقا لسياسة الاحلال التي بدأت تتلبور لدى الفلسطينيين بهدف تعزيز إستقلالهم الاقتصادي . لكن بسبب حداثة تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية و المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته من قوى سياسية و مجتمع مدني و مؤسسات نقابية في هذا المجال , و أيضا إنشغالها جميعا بالهم السياسي في إستكمال بناء المؤسسات, مما جعلها غير مؤهلة بالقدر الكافي للتعاطي مع هذه الكائنات الجديدة ذات الانماط القانونية غير المعهودة كثيرا . حيث كانت المشروعات الصغيرة المملوكة لفرد أو عدد محدود من الافراد هي النمط السائد في ذلك الوقت . و تم تأسيس شركات مساهمة كبيرة و خصخصة قطاعات إقتصادية ضخمة مثل الاتصالات و الطاقة و الغاز في بحر غزة و تأسيس البنوك و المؤسسات المصرفية و شركات التأمين و الرهن العقاري قبل إستكمال البنية التحتية القانونية و التشريعية المنظمة لعمل هذه الشركات و قبل نضوج الوعي المجتمعي والثقافي حولها أو عنها.
هل هو غياب أم تغييب عن الصورة ؟
إن قطاع الشركات المساهمة الخاصة و العامة مازال بحاجة إلى مزيد من النقاش بما يعزز الشفافية و الرقابة الرسمية و الشعبية, خاصة أن التركيز في السنوات الماضية من قبل مؤسسات المجتمع المدني المحلي و الدولي كان منصبا و بشكل كبير على أداء السلطة الوطنية الفلسطينية حيث كانت محط إهتمام الكثير من التقارير المحلية و الدولية والتي أكدت وجود شبهات بتفشي ظواهر الفساد و المحسوبية و سوء الاداء الاداري . في حين لم يتم التطرق بنفس القدر إلى مجال الشركات المساهمة على الرغم من أهميته . لذا يسود مجال قطاع الشركات المساهمة الخاصة و العامة الكثير من الضبابية , عدم الشفافية و إنخفاض مستويات الرقابة الرسمية و الشعبية . على الرغم من التقارير السنوية التي تنشرها هذه الشركات على مواقعها تتسم علاقة بعض الشركات المساهمة بالمؤسسات الرسمية و المجتمعية الرقابية بالمحاباة و المجاملة و تعارض المصالح … مما جعلها بعيدة إلى حد كبير عن المتابعة و التدقيق .
كذلك تتمتع بعض الشركات وخاصة الاحتكارية منها بالكثير من النفوذ على الصعيدين السياسي و الاعلامي, فقد واجه الكثير من الباحثين و المهتمين برفض بعض الصحف المحلية و المواقع الاخبارية نشر أي وجهة نظر أو مقال يتناول هذه الشركات بالنقد و التساؤل عنها و عن دورها , وذلك كونها تعتمد بشكل كبير في تمويلها على الاعلانات المدفوعة من قبل هذه الشركات .
كذلك يلاحظ أن بعض هذه الشركات تتبع سياسة توظيف غير مهنية بأنها تأخذ معايير غير موضوعية في الاعتبار كالانتماء العائلي و السياسي و المستوى الاجتماعي . لذا يدور في الأذهان بين حين و آخر حديث جدي و عميق نقاش حول هذه الشركات , مرارا في العلن و مرارا أكثر في السر حول هذه الشركات سواء تلك المملوكة لأفراد أو تلك التي تتبع السلطة الوطنية الفسلطينية مثل صندوق الاستثمار الفلسطيني.. , حصص السلطة الوطنية الفلسطينية في العديد من الشركات مثل شركة الاتصالات , محطة توليد الكهرباء في غزة , حقول الغاز التي تم إكتشافها في بحر غزة و العقود الاحتكارية التي وقعتها السلطة الوطنية في سنوات عمرها الاولى, كذلك حول مصير بعض أموال الدعم الدولي أو الخاصة التي نهبت تحت مسمى شركات وهمية لم يكن لها وجود سوى على الورق .
يذكر الجميع ان المجلس التشريعي الفلسطيني الاول قد فتح ملفات الكثير من هذه الشركات سابقا ,كذلك صرح النائب العام الحالي عند تسلم منصبه قبل سنوات عن ملفات فساد تزيد قيمتها عن 700 مليون دولار .. بعد مرور عدة سنوات على ذلك لا نزال ننتظر !!! وهي ملفات مقترحة لهيئة مكافحة الكسب غير المشروع التي تم إنشائها حديثا … .
جوانب عديدة للنقاش :
ونظرا للأهمية البالغة لقطاع الشركات المساهمة الخاصة أو تلك المملوكة للسلطة الوطنية ” وهي أموال الشعب الفلسطيني ” و بسبب تعدد القضايا التي تثار حولها, فإنني سأتناول في سلسلة من المقالات المتتالية بعض الجوانب الهامة ذات العلاقة بهذا القطاع . مع التذكير أن الشعب الفلسطيني الذي يعاني الفقر و الحاجة في قطاع غزة و الاتكال على المانحين في الضفة الغربية و يعاني الفقر و التشتت في مخيمات اللجوء و على الحدود لديه الحق كل الحق ليس في المعرفة فقط بل التمتع بأمواله و موارده .
سيتم تناول بعض من هذه القضايا في المقالات التالية :-
1. كيفية منح حق الإحتكار لشركات معينة دون غيرها في مجال ما …ومتي ينتهي الإحتكار !!.
2. طبيعة الإتفاقيات الموقعة مع هذه الشركات و مدى مراقبتها من قبل المؤسسات الرقابية .
3. مدى إلتزام هذه الشركات بدفع ماعليها من ضرائب .
4. مدى رقابة السلطة و مؤسساتها على هذ الشركات من حيث مستويات الأجور , مستوى الخدمة المقدمة للجمهور و معايير تقييمها !!!
5. كيفية إختيار أعضاء مجلس الادارة ومدى تطبيقها للمهنية و إبتعادها عن المحاباة الاجتماعية و السياسية.
6. بعض الاشخاص يتمتعون بعضوية العديد من الشركات في نفس الوقت مما يدر عليهم مدخولات هائلة و يؤدي إلى المجاملة و النفاق للحفاظ على العضوية التي تدر دخلا هائلا دون مجهود يذكر .
7. المكافآات الضخمة التي يحصل عليها أعضاء مجالس الادارة مقابل حضورهم لجلسات مجلس الادارة .
8. التأثير السياسي الذي يتمتع به بعض المساهمين و أعضاء مجالس الادارة .
9. الرقابة على حسابات هذه الشركات من قبل المؤسسات الرسمية المخولة بذلك .
10. مدى الصلاحيات التي تُعطى للسلطة الوطنية و مؤسساتها في بعض قرارت هذه الشركات الاستراتيجية كفصل عشرات من الموظفين دون سابق إنذار أو إغلاق فروعا لها ..إلخ .
11. نسبة الأموال التي توظفها هذه الشركات في إستثمارات داخل الوطن وفي أي مجالات !! و تلك التي توظفها خارجه
12. مدى إلتزام هذه الشركات بألافصاح عن نتائج أعمالها السنوية كما يلزمها القانون الأساسي .
13. مدى تعاون هذه الشركات مع الباحثين الراغبين في دراسة و تقييم هذه الشركات و إتاحة الكشوف المالية و الادارية للإطلاع العام من خلال مواقعها الالكترونية أو في جلسات النقاش والحوارات العامة كما يفرض عليها القانون .
14. مدى مساهمة هذه الشركات في التنمية الاجتماعية بما يندرج تحت ما يسمى ب ” صندوق المسؤلية الاجتماعية ” كما هو الحال في دول العالم ” وكيفية توزيعها على المناطق المختلفة للوطن !!
15. مصير أموال المكتتبين في شركات لم تعمل على الرغم من مضي سنوات على تأسيسها .
أخيرا و ليس آخرا
آملا في إحداث نقاش جدي حول مجال الشركات المساهمة سواء الخاصة و العامة و الحكومية. و هي دعوة للحكومة الفسلطينية برئاسة د.سلام فياض للنظر في وضع هذه الشركات بما يعزز الشفافية و المؤسساتية التي يسعه لها و دعوة أيضا للمؤسسات الرقابية و الجامعات و منظمات المجتمع المدني للإهتمام بهذا المجال من العمل. مؤكدا أن الحديث هنا ليس عاما و لا يشمل الجميع حيث هنالك الكثير من الشركات المساهمة التي لعبت و تلعب دورا هاما في التنمية الوطنية و هي مثال جيد نتمنى أن تتبعه تلك الشركات المساهمة التي مازالت تتعامل مع فلسطين على أنها فرصة إستثمارية يجب إستغلالها و بسرعة فقط .