هل يجب على الفلسطينيين الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية؟
ترجمة جهاد أبو سليم- بال ثينك للدراسات الإستراتيجية
حسين إيبش* – موقع السياسة الخارجية – Foreign Policy
25 مايو 2011
اعتقد غالبية المراقبين أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو سيوجه أشد الانتقدات للفلسطينيين بسبب المصالحة بين حركتي فتح و حماس و ذلك خلال زيارته للولايات المتحدة. بشكل مفاجئ، تحول كلامه ذو الاهمية العالية الى الطلب بأن يعترف الفلسطينيين بإسرائيل كـ”دولة” يهودية”. و للتأكيد، فإن نتنياهو استغل كل فرصة لشجب اتفاق الوحدة الفلسطينية، مقارناً حماس بالقاعدة و مشيراً الى اشادة بعض قادة حماس بأسامة بن لادن. و لكن موضوعه الأشد إشارة وعاطفية و تكراراً كان أن أساس النزاع و مفتاح الحل المهم له هو رفض الفلسطينيين الإعتراف بإسرائيل كـ”دولة يهودية”.
تحدث نتنياهو أمام الكونغرس قائلاً، “لقد حان الوقت للرئيس عباس من أجل أن يقف أمام شعبه و يقول ..أنا سوف أقبل بالدولة اليهودية، هذه الكلمات الستة سوف تغير التاريخ”.
و أكد زعيم الاغلبية في مجلس النواب إريك كانتو على كلام نتنياهو، مدعياً بأن “رفض الفلسطينيين و العالم العربي للاعتراف بحق اسرائيل في الوجود كدولة يهودية هو جذر الصراع بين اسرائيل و الفلسطينيين. القضية ليست حول خطوط 67”. رددت واشنطن صدى أصوات السياسيين الإسرائيليين و مؤيديهم مصرين على أن الصراع لا يتمحور حول الأراضي أو الاستقلال الفلسطيني، بل على النقيض، فهو يتمحور حول قضية الدولة اليهودية.
الفكرة التي تتمحور حول ضرورة إعتراف الفلسطينيين رسمياً بالصفة اليهودية لإسرائيل هي فكرة جديدة نسبياً. في الواقع، إنها لا تسبق مؤتمر أنابوليس عام 2007، حيث تم طرح هذه الفكرة بشكل وجيز من قبل الوفد الإسرائيلي. بالرجوع الى ذلك الوقت، رفض الفلسطينيون هذه الفكرة على اعتبار انها تحول غير ذي صلة بقضايا الحل النهائي مثل الحدود، الأمن، القدس، و اللاجئين. حتى أن إدارة جورج بوش الإبن لم تكن معجبة بهذه الفكرة أيضاً، و في خطابه للمؤتمر أشار الرئيس بوش ببساطة لإسرائيل كـ”وطن قومي للشعب اليهودي.”
الطلب التاريخي للفلسطينيين كان بكلمات قرار مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة 242، بالاعتراف “بحق إسرائيل في العيش بسلام في حدود آمنة و معترف بها و خالية من التهديدات و أشكال العمل المسلح.” قضية الدولة اليهودية لم تثر خلال مفاوضات إسرائيل مع مصر و الأردن. منظمة التحرير الفلسطينية إعترفت رسمياً بإسرائيل في رسائل الإعتراف المتبادل عام 1993، و التي كانت أسس عملية أوسلو و كل المفاوضات المنبثقة عنها، بينما في المقابل اعترفت اسرائيل ببساطة بكون منظمة التحرير ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني. بعد ذلك مرت م.ت.ف بسلسلة مضنية من التعديلات التي طالت وثائقها الأساسية. الفلسطينييون في تلك النقطة أشبعوا بشكل كامل كافة المتطلبات الدبلوماسية و القانونية بخصوص الإعتراف بإسرائيل، و انتظروا عبثاً الاعتراف الاسرائيلي بدولة فلسطينية مستقلة في المقابل.
بعد انتخابه عام 2009، جعل نتنياهو من هذا الطلب دعامة أساسية. في الواقع، هو و مؤيديه يقولون الآن أن هذا الطلب ليس مهماً فقط، ولكنه القضية الحقيقية، على الرغم من أن هذه القضية لم تتم اثارتها خلال معظم المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، حتى خلال فترته الأولى كرئيس للوزراء.
فكرة أنه يجب على دولة – أو في هذه الحالة دولة محتملة – بأن تقوم بالمشاركة في تعريف الصفة القومية لدولة أخرى هو أمر غير اعتيادي بدرجة كبيرة في العلاقات الدولية ، إن لم يكن نادراً. الموقف الفلسطيني، كما ورد على لسان الرئيس محمود عباس، بأن منظمة التحرير تعترف بإسرائيل، و أن إسرائيل حرة لتعريف نفسها بالشكل الذي تختاره.
هناك العديد من المخاوف الحاسمة التي تجعل من الصعب جداً على الفلسطينيين القبول بهذا الطلب، وبشكل خاص القبول به كشرط أساسي لمفاوضات إضافية.
و بصرف النظر بقوة عن شعور الفلسطينيين بأنهم قاموا بتنفيذ جميع الطلبات المعقولة التي يمكن أن تفرض عليهم بخصوص الاعتراف باسرائيل بدون اعتراف متبادل بدولة فلسطينية مستقبلة، فإن القادة الفلسطينيين قلقون بشان السبل التي يمكن أن تخل ببعض قضايا الحل النهائي، وبشكل أساسي قضية اللاجئين الفلسطينيين. القادة الفلسطينييون واعين جيداً بأن تطبيق واسع النطاق لحق عودة اللاجئين لاسرائيل هو أمر محكوم عليه بالفشل من وجهة النظر الاسرائيلية. و هو أيضاً، على أية حال، القضية السياسية الأشد تحدياً التي يجب على أي قيادة فلسطينية أن تبيعها للناخبين من أجل الفوز بدعم لاتفاق لانهاء الصراع، فعودة اللاجئين هي أمر واضح في الشرعية الدولية و أحد أهم القضايا الوطنية الفلسطينية. إنه أحد البطاقات الرئيسية القليلة التي بقيت للفلسطينيين ليلعبوا بها، و بينما يكون من المعقول تنبيه الفلسطينيين للعمل بشكل أكبر لتحضير الشارع من أجل التنازلات المطلوبة، فإنه ليس من المعقول أن نطلب منهم القبول بأي حل وسط قبل ابرام اتفاق عام و نهائي.
وبينما يقبل الفلسطينيون بكل وضوح منطق حل الدولتين، و دائماً ما أقروا بأن اتفاق الوضع النهائي سوف يشمل انهاء الادعاءات بين الاطراف، فانهم بشكل معقول يشعرون أن الطلب منهم بأن يوافقوا على اللغة التي مفادها بأن إسرائيل دولة ذات صفة يهودية، فإن هذه الخطوة قد تمس بفرصة حصول الفلسطينيين على أمور أخرى في حال قبولهم بتسوية لقضية اللاجئين و عودتهم. الغالبية من المراقبين الجديين قد أدركوا لفترة طويلة بأن قضية القدس هي مشكلة مماثلة للجانب الإسرائيلي، وأنه لا يهم ما إذا أحب القادة الإسرائيلييون و جمهورهم ذلك أم لا، فلا يوجد أي قيادة فلسطينية ستقبل باتفاق لا يضع العاصمة الفلسطينية في القدس. لذلك فإن قضية اللاجئين تمثل التأثير الأفضل، إن لم يكن الوحيد الذي من شأنه أن يجعل الإسرائيليين يتنازلون بشكل مؤلم فيما يخص مستقبل القدس.
بالاضافة الي ذلك، الفلسطينييون قلقون من أن الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية من شأنه أن يؤيد التمييز العنصري ضد الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، والتي تمثل 20 في المائة من السكان. حيث يشير الفلسطينييون الى ان اليهود الاسرائيليين لا يتفقون حول ماهية و معنى الصفة اليهودية لاسرائيل. أقسام هامة من القانون الاسرائيلي، والحياة، والمجتمع تم تركيبها بشكل تمييزي يستند على القومية (مثل “يهودي”، “عربي”، و عشرات التصنيفات التي صنعتها الدولة) وهذا يناقض مفهوم المواطنة. هذا التمييز ينطبق على الإسكان، التعليم، الخدمة العسكرية، و العديد من المنافع الأخرى، الوصول الى الأراضي المملوكة للدولة، و أوجه حياة اجتماعية و اقتصادية أخرى ذات أهمية. من المفهوم أن الفلسطينييون غير مرتاحين مع أي شيء من شأنه أن يجبرهم على الخضوع لهذه البنى التمييزية التي تتغلغل في المجتمع الإسرائيلي لصالح من تم تصنيفهم من قبل الدولة كـ”يهود”.
لعقود، قيل للفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل و أن ينبذوا العنف، و من خلال ممثلهم الدولي الشرعي الوحيد، م.ت.ف، فقد فعلوا ذلك قبل عشرين عاماً، على الرغم من أن ذلك معناه أن ينبذوا حقهم في 78% من الدولة التي كانوا فيها أغلبية عام 1948. لقد فعل الفلسطينييون ذلك بناء على فهمهم بأن ذلك سوف يقود، في فترة بسيطة، الى استقلالهم على جزء صغير مما يعتبرونه دولتهم مستندين بوثائق تاريخية لا تشوبها شائبة. هذا لم يظهر و لم يبدو وشيكاً، فالآن، يتم إعلام الفلسطينيين بأن ما فعلوه لم يكن كافياً، و أن هذا المفهوم الروائي هو القضية المركزية الآن، أي الاعتراف بيهودية إسرائيل، و أن عليهم يقرأوا من السيناريو الذي يعطى لهم من القيادات الاسرائيلية، و أنهم اذا قالوا تلك الكلمة السحرية، فإن المشكلة سيتم حلها.
أشك في أنه يوجد فلسطيني واحد لا يؤمن أنه وراء طلب نتنياهو يكمن نفور أساسي فيما يتعلق بالقبول بدولة فلسطينية مستقلة حقيقية وذات سيادة. في الواقع، في الكنيست يوم السادس عشر من مايو وفي الكونغرس يوم الرابع والعشرين من مايو، أصر نتنياهو على تواجد إسرائيلي عسكري بعيد المدى على طول نهر الأردن، بمعنى آخر فإنه ينكر السيطرة الفلسطينية المحتملة على حدودها الخاصة. هذا التصريح وضع نتنياهو في مربع الخلاف مع الإشارة الواضحة للرئيس أوباما حينما أشار الى ” انسحاب إسرائيلي كامل و مرحلي ” من المناطق التي ستصبح دولة فلسطينية، أضف الى ذلك موقفه الحاد والغير جدي في انه ليس مستعداً للتفاوض بجدية حول القدس. لذلك فإن اصرار نتنياهو بأن القضية الحقيقية لعباس هو أن يرتل تعويذة ” أنا أقبل بإسرائيل كدولة يهودية” هو طلب أجوف بشكل استثنائي.
طلب نتياهو هو طلب معقد يضاف الى شبكة معقدة بالاأساس، و لكن هذا الطلب غرق عميقاً في وعي الاسرائيليين و داعميهم بأن نوعاً ما من اللغة التي من شأنها أن ترضي هذا الوعي لا بد من يتم إيجادها في نهاية المطاف. الاعتراف المتبادل بالحق اليهودي في تقرير المصير في إسرائيل و الحق الفلسطيني في تقرير المصير في فلسطين يمكن أن يثبت بشكل جيد أنه شرط أساسي تزدهر عليه عملية السلام. و لكن التوقع من الفلسطينيين أن يقوموا وبدون أي مقابل بأن يزينوا اعترافهم باسرائيل من خلال تصريح إشكالي، سابق لأوانه، و في هذه المرحلة، مستحيل سياسياً بأن يعترفوا بأن إسرائيل “دولة يهودية” (مهما حملت هذه الكلمات من معنى)، فإنه يمكن تفسير هذا بأنه عقبة أخرى، لا مبرر لها، تقف في طريق السلام.
* حسين إيبش هو زميل أبحاث في فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين.
Hussein Ibish is senior research fellow at the American Task Force on Palestine. He blogs at www.ibishblog.com.