ضرورة تصدير خدمة العمل لمواجهة أزمة البطالة والتوترات الاجتماعية والسياسية
بقلم: عمر شعبان
تلجأ الكثير من الدول كثيفة السكان و تلك التي تعاني من نسب بطالة مرتفعة ، لعدم قدرة السوق المحلي على خلق فرص عمل كافية إلى تصدير خدمة العمل ( تشجيع عمل مواطنيها في الخارج) . يحقق تصدير العمل سواء من خلال تسفير بعض المواطنين إما بشكل مؤقت أو دائم الكثير من المزايا أهمها تقليل الطلب على العمل محليا و تخفيف الضغوط الاجتماعية و السياسية التي تسببها البطالة و زيادة التحويلات الواردة لها سواء نقدية أو سلعية من مواطنيها الذين يعملون في الخارج .
تعتمد الكثير من الدول على التحويلات المالية remittances كمصدر هام لتغذية الموازنة العامة بالعملة الاجنبية و تعزيز النشاط الاقتصادي و حركة الشراء و البيع و رفع نسب الادخار البنكي و المنزلي و تشجيع الاستثمار . التحويلات سواء كانت نقدية أم عينية هي تلك الاموال و السلع التي يقوم العاملون في الخارج بإرسالها إلى بلدانهم الأصلية .
في العقود الماضية شكلت تحويلات الفلسطينيين العاملين في دول الخليج و في السوق الإسرائيلي و غيرها من مناطق العمل لعائلاتهم في فلسطين أحد أهم مصادر الدخل القومي الإجمالي الفلسطيني و في تمكين عائلاتهم و تنشيط حركة السوق و الاستهلاك و الاستثمار . لكن مع دخول العراق للكويت عام 1990 و ما تلاه من طرد لعشرات آلاف العائلات الفلسطينية من الخليج العربي عامة ومن الكويت خاصة ، و نشوب الانتفاضة الثانية في سبتمبر 2000 م مما قلّص بشكل كبير عدد العمال الذين يعملون في سوق العمل الإسرائيلي ، فقد المجتمع الفلسطيني المتواضع في حجمه و إمكانياته أحد أهم مصادره.
في دراسة حديثة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للسكان، بلغ عدد العاملين سواء بشكل مؤقت أو دائم في غير بلداتهم حول العالم حوالي 200 مليون شخص، يحصلون على إيرادات سنوية قيمتها ثلاثة تريليون دولار (3000 مليار دولار يتم تحويل 15% ( نصف مليار دولار) إلى بلدانهم الاصلية.
تستحوذ بعض الدول العربية على نصيب مهم من هذا التحويلات مثلا: مصر17 مليار دولار ، المغرب 7 مليار ، الاردن 5 مليار ، لبنان 7 مليار ، اليمن 4 مليار و الضفة الغربية وقطاع غزة حوالي 2 مليار دولار. على المستوى الدولي تحتل المكسيك المرتبة الاولى من حيث قيمة التحويلات بقيمة تصل 24 مليار دولار سنويا يليها الصين بـ 18 مليار و الهند بـ 11 مليار دولار .
في حين أن تصدير خدمة العمل للخارج يحقق الكثير من المزايا مثل اكتساب خبرات و ثقافات جديدة، تمثيل بلدان العاملين في الدول المستقبلة لهم ، تخفيف الطلب على الوظائف في بلدانهم و تعزيز السياحة و تشغيل شركات الطيران المحلية و الدولية منها و إليها . فإن له تداعيات سلبية منها : حرمان بلدانهم من خبراتهم والتسبب في مشاكل اجتماعية و أسرية أحيانا و اضطرار الدول المصدرة إلى مراعاة و محاباة الدول المستقبلة لمواطنيها كما يحدث بين دول الخليج و بعض الدول العربية. و غيرها من التداعيات السلبية الاخرى .
ولأهمية التحويلات سواء للموازنة العامة أو المجتمع ذاته كأفراد و مؤسسات بالنسبة للدول المصدرة للعمل و كذلك حاجة الدول المستقبلة لها، فقد لجأ الطرفان إلى مأسسة و تنظيم سوق العمل بينهما من خلال ما يطلق عليه ” نظام الإعارة أو الانتداب و ذلك بما يحقق عدالة الاختيار بين الراغبين بالعمل في الخارج و تقليل تداعيات خروج آلاف الكفاءات على السوق المحلي . كذلك إعطاء ضمانات للدول المستقبلة على أن العمالة القادمة إليها ستكون عناصر مفيدة لها و لن تتسبب في مشاكل سياسية او اجتماعية أو أمنية في ظل زيادة مخاطر العمليات الإرهابية و سرعة تنقلها عبر الحدود .
فلسطينيا : حسب دراسة صادرة عن صندوق الامم المتحدة للسكان ، يتوقع أن ينمو عدد السكان في الاراضي الفلسطينية من 4,7 مليون نسمة حاليا إلى 6,9 مليون عام 2030 وإلى 9,5 مليون نسمة عام 2050 . حتى سنة 2030 سيزداد حجم القوى العاملة من 1,3 مليون شخص حاليا إلى 2,3 مليون شخص عام 2030 وإلى حوالي 4 مليون نسمة عام 2050 .
في ظل الضغوط التي يعانيها الاقتصاد و المجتمع الفلسطيني من الارتفاع الكارثي لنسب البطالة حاليا خاصة بين حديثي التخرج ، مع الاخذ في الاعتبار صغر حجم الاقتصاد الفلسطيني و آفاق النمو و التي ستظل محدودة فلن يكن بمقدوره استيعاب عشرات آلاف الخريجين الجدد سنويا . لذا لا مناص من تصدير خدمة العمل الفلسطيني للخارج لمواجهة كارثة البطالة حاليا و مستقبلا .
لذا يتوجب العمل و بشكل فوري على توقيع اتفاقيات رسمية من قبل السلطة الفلسطينية والجامعات الفلسطينية ومراكز التدريب المهني مع دول أخرى تكون بحاجة للقوى العاملة بكافة أنواعها لاستيعاب آلاف العاطلين عن العمل حاليا أو مستقبلا في فلسطين . فمهما يحدث من تطور على سوق العمل الفلسطيني ، سواء تحت الاحتلال أو بعد زواله لن يكن بمقدوره مواجهة متطلبات النمو السكاني مستقبلا. ولأن البطالة هي مصدر كل الشرور فإن العمل الجاد و المجدي كفيل بحل عشرات الأزمات و الأمراض الاجتماعية المترتبة عليها.