في ظل الازمة المالية الطاحنة :- وزير المالية نبيل قسيس آخر من تحدث !!
عمر شعبان*
لقد تحدث الكثيرون عن الازمة المالية الخانقة التي تعيشها السلطة الوطنية الفلسطينية و التي تمظهرت في تأجيل دفع رواتب موظفيها عن شهر يونيو حتى إشعار آخر . فقد تحدث أحمد مجدلاني وزير العمل , الذي نقلت الاخبار أنه طالب بإنفصال إحادي الجانب للسلطة الوطنية الفلسطينية عن قطاع غزة لكونه سبب الازمة, و كذلك مدير مكتب الاعلام الحكومي غسان الخطيب , الذي يبدو أن وظيفته قد أختصرت في الاعلان عن التأخير في دفع رواتب موظفي الحكومة أو في الاعلان عن التوقف عن تزويد قطاع غزة بالوقود الصناعي اللازم لتوليد الكهرباء بسبب تقاعس حكومة غزة عن دفع ماعليها, مرورا بالصحافيين و الكتاب , ومنهم نقيب الصحافيين أ. عبد الناصر النجار الذي أكد قاطعا في مقال له أن قطاع غزة هو السبب في الازمة المالية التي تعيشها السلطة و كأنه أراد أن يقترح أيضا إنفصالا أحادي الجانب للسلطة الوطنية الفلسطينية عن قطاع غزة كحل لهذه الازمة , وكما كان متوقعا فقد قابل الرئيس ابو مازن هذه الاقتراحات التي تثير الاشمئزاز بالرفض القاطع . و كذلك تحدث الكثير من السياسيين من كل الاطياف السياسية و التنظيمات الميكروسكوبية , و منهم من لا يعلم في الشؤون المالية شيئا , وانتهاء برئيس الوزراء د. سلام فياض الذي نبه فقط إلى أن الازمة جدية وأنها تتجه للأسوأ دون أن يقول ما المخرج !! و منهم من منحته هذه الازمة موضوعا يخرج من خلاله ليطل على الشعب الصبور , ومنهم من رأى فيها فرصة ذهبية كي يعيد التأكيد على وطنيته و على ظلم المانحين و تعنت إسرائيل التي هي بالطبع , حسب هؤلاء هي المسؤولية بشكل حصري عن جميع مشاكلنا . لقد تحدث الجميع و بقي وزير المالية آخر المتحدثين رغم أنه المسئول الأول عن هذه القضية التي تضغط على المجتمع الفلسطيني بكامله .
للحق يجب القول أن السيد قسيس قد إكتفى فقط بوضع خبر متحرك و باللون الاحمر على صفحة وزارة المالية يقول بالحرف الواحد : وزير المالية : تأخير صرف الرواتب بسبب الازمة المالية و إعلان حالة التقشف ” . دون أي كلمة إضافية عن هذه القضية , التي لا تهدد فقط موظفي السلطة الوطنية و عائلاتهم ولكن تضرب سلامة المجتمع الفلسطيني برمته . لا شك أن الوزير قد دخل في مهمة إنتحارية بقبوله منصب وزير المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية في الوقت الذي تعاني فيه من أزمة مالية خانقة متواصلة منذ شهور بل منذ عدة سنوات . من هنا نعلن تضامننا الكامل معه و تمنياتنا بالتوفيق في المهمة المستحيلة .
وإذا كان الفيلم الامريكي المشهور mission impossible كما يعرف الجميع من نسج الخيال, فالشعب الفلسطيني أمام مهمة واقعية جدا و حقيقية تمس حاضره و مستقبله و لا مجال فيها للخيال و المزايدة السياسية و هي الادارة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية و الشعب الفلسطيني و كليهما تحت الاحتلال . دعني في هذه المناسبة أن ادلي بدلوي كما فعل الاخرون راجيا ان يتسع صدرك لهذه الملاحظات التي تهدف إلى المساهمة في عملية إصلاح حقيقي و جدي للوضع المالي للسلطة الفلسطينية .. و لأن الاصلاح الحقيقي يبدأ بالمكاشفة و المصارحة و تعزيز الشفافية الكاملة :-
– إن الموقع الالكتروني لوزارة المالية فقير جدا لا يليق مطلقا بكم فمستواه لا يرق للكثير من الموقع الفردية أو مواقع مؤسسات محلية تعاني فقر الموارد .. فمعظم صفحاته تحمل عنوان coming soonأو قريبا . الموقع بحاجة إلى تطوير هائل ليس فقط في تعبئة المحتوى و لكن في تقديم شرح واف و مبسط للوضع المالي للسلطة الوطنية . يعرض الموقع تقارير عن الوضع المالي للسلطة بمصطلحات غريبة عامة جدا يمكن أن تخفي تحتها الكثير من الغموض الذي قد يكون متعمدا , في حين أن بعض التقارير توقفت عند العام 2009 و نحن في العام 2012 . رغم ذلك فقد قمت بكتابة رسالة لكم من خلال الموقع منذ عدة أيام اطلب فيها توضيحات عديدة كي يكون مقالي مسندا بالمعلومات الرسمية و انتظرت من مكتبكم الرد … لكن دون جدوى حيث لم استلم اي رد لغاية الان.. نرجو أن يكون المانع خيرا .. لذا اقترح عليكم إلغاء فقرة إتصل بنا من الموقع لأنها لا تعمل ..
– لقد حمل الخبر الموضوع على الموقع الالكتروني لوزارة المالية المشار إليه سلفا تناقضا فاضحا بين عدم دفع الرواتب و إعلان حالة التقشف .. كان من المفترض القول : وزارة المالية تعلن حالة التقشف كي تتمكن من دفع مرتبات موظفيها . . أم المقصود أن حالة التقشف ستبدأ بعدم دفع رواتب الموظفين !! وإذا كان الحال كذلك !! فبمن ستنتهي حالة التقشف يا ترى !
السيد الوزير : أقترح عليك أن تخرج عن صمتك و تتكلم عن الوضع المالي للسلطة الوطنية و بدرجة عالية جدا من التفصيل , مقترحا عليك أن تتناول هذه القضايا:-
أولا : فيما بالموظفين :
– كم عدد موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية حتى تاريخ يوليو 2012. وماهو إجمالي مرتباتهم و ملحقات المرتبات من حوافز و مزايا …
– كم عدد المتعاقدين مع السلطة بعقود إستشارية !! و هل صحيح أن المكافآت المالية لهذا العقود تصل إلى عشرة آلاف دولار شهريا , وهل يتم تأخير دفع مخصصاتهم المالية بسبب الازمة المالية كما هي الحال لباقي الموظفيين الرسميين أم لا !! ما هي الاسس التي يتم التعاقد مع هؤلاء المستشارين !! وهل هناك نية لوقف هذه العقود ضمن حالة التقشف المعلن عنها ؟؟ حيث أكد قانون الموازنة لعام 2012 انه سيتم تقليل مخصصات التعاقد بنسبة 30% .
ثانيا : فيما يتعلق بقطاع غزة:
– كم عدد موظفي السلطة حاليا من محافظات غزة و مستوياتهم الوظيفية الذين مازالوا يتقاضون مرتباتهم و إجمالي قيمة المرتبات و نسبتها من إجمالي المرتبات! كم عدد الموظفين الجدد من سكان قطاع غزة الذين تم تعيينهم في السنوات الخمس الاخيرة و عدد الذين قطعت مرتباتهم لأسباب عديدة !. تفيد تقارير سابقة لوزراة المالية أن عدد موظفي قطاع غزة ينخفض من عام لآخر وأنه لم يتم تعيين أحد من قطاع غزة في الاعوام الخمس الاخيرة . نرجو التوضيح ..
– ماهي بنود الصرف الاخرى التي تتحملها السلطة الفلسطينية تجاه قطاع غزة و قيمها بالتفصيل و عدد المستفيدين منها و آلية الصرف و كيفية المتابعة؟؟ يقول قانون الموازنة العامة لعام 2012 أن قطاع غزة يستهلك 45% من إجمالي النفقات العامة و ليس من إجمالي الموازنة العامة.. لذا وجب التوضيح ما المقصود بذلك !! و تفصيل النسب المخصصة لقطاع غزة من كل بنود الموازنة العامة كل على حده. هذه القضية بحاجة إلى توضيح كي نحد من ثقافة الكراهية و التحريض التي يمارسها البعض من قصيري النظر و فقيري الانتماء الوطني .
ثالثا : فيما يتعلق بالمديونية
– ماهو إجمالي ديون السلطة الوطنية الفلسطينية و مراكز المديونية كما يلي :-
– ديون للبنوك الفلسطينية
– ديون للقطاع الخاص.. مقاولين, شركات توريد الادوية… و غيرها ..
– ديون للبنوك الخارجية
– ديون اخرى
– قيمة الفوائد التي تدفعها السلطة على هذه الديون \ القروض .
– هل صحيح أن السلطة الوطنية الفلسطينية قد استدانت من صندوق التقاعد و المعاشات الخاص بالموظفين أكثر من مليار دولار! لدي معلومات بأن المبلغ أكثر من ذلك .. أتمنى أن أكون مخطئا .. و إذا كان الحال كذلك !! ماهي خطة السلطة لإعادة المبلغ المقترض لصندوق الادخار و المعاشات ! و ماهي السيناريوهات المحتملة لرد هذا المبلغ في حال تم حل السلطة الوطنية كما يطرح البعض من حين لآخر !!! اسمح لي أن اذكرك هنا أن السلطة لا يحق لها الاستدانة من الصندوق دون الحصول على موافقة المدخرين و أصحاب المعاشات حيث هم في النهاية أصحاب هذا المال .
رابعا فيما يتعلق بالدول المانحة:
– ما هي المبالغ التي دفعتها الدول التي تعهدت بدعم السلطة الوطنية الفلسطينية و المساهمة في عملية إعادة إعمار قطاع غزة في مؤتمر المانحين الذي عقد في الثاني من مارس 2009 في مدينة شرم الشيخ المصرية و الذي نظم خصيصا لدعم إعادة إعمار قطاع غزة بعيد الحرب الاسرائيلية على القطاع . حيث قدمت السلطة الوطنية الفلسطينية خطتها للإعمار بقيمة إجمالية وصلت 2.8 مليار دولار خصص منها 1.3 مليار لإعمار قطاع غزة (40%) في حين خصص الباقي لدعم الموازنة العامة للسلطة الوطنية الفلسطينية.و قد إنتهى المؤتمر بتعهدات فاقت كثيرا ما طالب به الفلسطينيون .
– ما هي الدول و الجهات الاكثر دعما للسلطة الوطنية و مدى مستوى إلتزامها بالوفاء بتعهداتها !! نعرف أن الدول و الجهات المانحة عادة ما تتعهد بدعم السلطة بشكل سنوي وليس بشكل شهري أو يومي . كذلك فإن معظم الدول و الجهات المانحة , ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية لا تربط مواصلة الدعم بمواقف سياسية معينة كما حدث في سبتمبر الماضي عندما أوقف الكونغرس الأمريكي دعمه للسلطة الوطنية الفلسطينية إحتجاجا على خطوة الرئيس محمود عباس بالذهاب للامم المتحدة لطلب العضوية الكاملة لفلسطين في الامم المتحدة.. كيف يمكن تفسير الازمة المالية التي تتفجر من وقت لآخر في ظل تعهدات الدول سنويا بدعم السلطة الوطنية .
– حسب ما صرح به الكثير من رموز السلطة الوطنية .فإن الازمة حدثت بسبب إستنكاف بعض الدول العربية عن دفع ما تعهدت به …هل لك توضيح من هي هذه الدول !!و لماذا لم تلتزم بتعهداتها !! و هل هنالك إشتراطات سياسية تختبئ خلف تلك المواقف!!
خامسا : فيما يتعلق بموارد السلطة الوطنية :
– تحقق المقاصة الضريبية مع إسرائيل ما نسبته %66 من الايرادات العامة للسلطة الوطنية بإجمالي 1.5مليار دولار كما يقول خطاب الموازنة العامة للسلطة لعام 2012 . لذا فإن صافي المقاصة مع إسرائيل مضافا إليها العوائد الضريبية الاخرى التي تقدر بحوالي مليار دولار تكفي , وفي أصعب الاحوال و في حال توقف الدعم الخارجي لدفع ثلثي مرتبات موظفيها .
– كم عدد سفارات و ممثليات السلطة في الخارج و عدد موظفيها و حجم الموازنات المخصصة لها و الجدوى من تلك النفقات في ظل تواضع الاداء الدبلوماسي الخارجي للسلطة الوطنية , سيكون مفيدا جدا لو تمت الاشارة إلى عدد السفراء و الموظفين الجدد في هذا البعثات الذين تم توظيفهم من سكان محافظات قطاع غزة و طريقة التعيين !!
فيما يتعلق بصندوق الاستثمار الفلسطيني
– أين صندوق الاستثمار الفلسطيني من المساهمة في حل الازمة !! صندوق الاستثمار الفلسطيني هو محفظة الشعب الفلسطيني و هو المشرف على إدارة إستثماراته في الداخل و الخارج , و قد كان الرئيس الراحل أبو عمار بعيد النظر في تنويع الاستثمار داخليا و خارجيا حتى يتجنب الخضوع و الخنوع للدول المانحة . لماذا لا يساهم الصندوق في مواجهة الازمة التي تهدد بقاء السلطة و مشروعها السياسي و تثير إرباكا شديدا في الشارع الفلسطيني … لقد سبق لصندوق الاستثمار الفلسطيني أن قام بإقراض السلطة الوطنية في عامي 2005 و 2006. لماذا لا يقوم الصندوق بإقراض\ مساعدة السلطة الوطنية في ظل أزمتها الشديدة بدلا من تضخيم ثروات أفراد وشركات إحتكارية تستفيد جدا من إستثمارات الصندوق ! و ما جدوى هذا الصندوق الابيض إن لم ينفع في اليوم الاسود .
السيد الوزير :: لقد ورثت إرثا ثقيلا .. ليس من السهل حمله .. من حقنا أن نعرف الحقيقة .. لذا فمن الواجب عليك تجاهنا و تجاه نفسك أن تعرض علينا الواقع المالي و بالتفصيل حتى لو كان مؤلما جدا ..
و للحديث بقية
10 يوليو 2012