يجب إختيار رئيس وزارء جديد غير د. سلام فياض .
بداية أود التنويه أن مقالي هذا لا يهدف إلى تقييم د. سلام فياض لا برنامجا و لا شخصا . بل يهدف إلى التأكيد على ضرورة تعزيز مبدأ تداول السلطة و تغيير الاشخاص إنطلاقاً من المبدأ الذي يقول ” إن الاستمرار في الحكم و الادارة لفترات طويلة يكبح بوادر التغيير الايجابي ويحرم أي مجتمع من إختبار تجارب جديدة .
إن خروج شخص ما من منصبه بغض النظر عن مستوى الأداء هو تقليد طبيعي في الديموقراطيات الحقيقية، وخروج الشخص من منصبه وتغييره لا يعني بالضرورة أن أداءه لم يكن مرضيا , بل العكس تماما ,فهناك الكثير من تجارب التاريخ التي شهدت خروج شخصيات عظيمة ممن خدموا بلدانهم وشعوبهم دون أن يكون لخروجهم أي تأثير سلبي على أوطانهم , بل ترك ذلك مجالا لدماء و خبرات جديدة و كما كان قدوم د. سلام فياض مرحلة جديدة في العمل الاداري و السياسي الفلسطيني فإن خروجه في هذه المرحلة يجب قراءته ببساطة ضمن هذا السياق أيضا . يكفي في هذا المقام أن نذكر شارل ديغول، قائد النضال الفرنسي ضد الاحتلال النازي، والذي استقال من منصبه بعد تحريره لفرنسا و ديفيد بن غوريون، الذي تزعم الحركة الصهيونية وحقق أهدافها بوضع أسس الدولة الاسرائيلية، فقد تقدم باستقالته بعد اقامة الدولة وذهب الى مزرعته في النقب كي يشجع الاسرائيليين للإستيطان و إعمار الصحراء.
د. سلام فياض، رئيس الوزراء منذ أربع سنوات، يعبر عن مرحلة فيها العديد من الايجابيات والسلبيات، ومع التقدير له ولدوره فلا بد من تغييره كرئيس للوزراء وذلك لعدة أسباب، أهمها:
• تغيير رئيس الوزراء سوف يبعث برسالة الى المجتمع الدولي مفادها أننا نمتلك ارادة التغيير، وان “الشخصنة” لا مكان لها في قاموس السياسة الفلسطيني، وأنه اذا كانت حركة التغيير في العالم العربي تتم بالدماء والنار، فالعكس يحدث في فلسطين متمثلاً بالتداول السلمي والحضاري للسلطة و المناصب الرئيسية داخلها دون وجود أي مظهر من مظاهر التمسك بالمنصب والكرسي والبقاء فيه مدة طويلة.
• لقد تولد انطباع لدى المجتمعين الدولي و المحلي بأن وجود د. فياض في منصب رئيس الوزراء هو شرط لاستمرار التمويل الدولي وهذا الأمر في حد ذاته ليس دقيقاً، و يضر بالشعب الفلسطيني ومنظومته السياسية التي لا يجب لها في أي حال من الأحوال ان ترتبط بأفراد معينين.
• التغيير يبث الروح في المؤسسات الوطنية والادارية، و يعطي أملا بالتغيير للشعب الفلسطيني الذي يشكل الشباب فيه أكثر من نصفه . كذلك سيؤكد إيمان الشعب الفلسطيني بمنافع تداول السلطة و تعزيز قيم المحاسبة و التقييم و ان الوطن أكبر من الافراد مهما كانوا عظماء
قد يجادل البعض بأن تغيير د. سلام فياض سيؤدي الى قطع التمويل الدولي عن السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذا خطأ كبير يقع فيه الكثيرين. إن التمويل الدولي للسلطة الوطنية الفلسطينية هو نتاج لمؤتمر المانحين الاول الذي عقد في أكتوبر عام 1993 في العاصمة الامريكية واشنطن و بمشاركة عدد من الهيئات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. حيث جاء التمويل الدولي لتمكين المولود الجديد ” السلطة الفلسطينية ” من القيام بدورها في تعزيز ثقافة السلام بين الفلسطينيين كما نصت عليه توصيات المؤتمر . إن المجتمع الدولي لن يسمح مطلقا 1) بإنهيار السلطة لانها مطلب دولي و 2) بالتوقف عن دعمها كي تتمكن من تحقيق وظيفتها .
إن التقاسم الوظيفي داخل السلطة بين مؤسستي الرئاسة و الحكومة يؤكد أن البرنامج السياسي للسلطة هو من إختصاص مؤسـسة الرئاسة لذا يقع على عاتقها عبء الوفاء بمتطلبات المجتمع الدولي كي تضمن إستمرار دعمه لها سياسيا و ماليا , و يبقى دور الحكومة مقتصرا على إدارة شؤون المجتمع الفلسطيني الحياتية و التنموية . لذا فإن التمويل الدولي للسلطة مرتبط أساسا بمدى قيامها بوظيفتها أي ببرنامجها السياسي بغض النظر عمن يقودها . فالمجتمع الدولي لم يتوقف عن دعم السلطة في عهد الرئيس الراحل عرفات إلا عندما أدرك ان السلطة الفلسطينية بقيادته لم تلتزم بما كان متوقعا منها سياسيا و ذلك على الرغم من التقارير الدولية العديدة التي أكدت وجود فساد بشكل كبير في تلك المرحلة , إلا ان التمويل الدولي تواصل دون تردد حتى بروز التناقض على المستوى السياسي بين توجهات السلطة الفلسطينية و توقعات المجتمع الدولي منها فقرر المجتمع الدولي الخلاص من ياسر عرفات مبقيا على السلطة الفلسطينية. إن حديث المجتمع الدولي عن الشفافية و الفساد ليس حقيقيا و لا صادقا بل هو لذر الرماد في العيون و للتغطية على اهداف أخرى وتوظيفه كسيف يسلط عند الحاجة على رقبة السلطة و الشعب الفلسطيني . يجدر الملاحظة هنا أن المجتمع الدولي ذاته لم ينبس ببنت شفة ‘عن أي شبهة فساد منذ أربع سنوات على الرغم من وجود مؤشرات عديده على وجوده . إن النهب المنظم و الضخم لثراوات الوطن العربي و العالم الثالث , والذي كشف عنه في مصر و تونس و ليبيا ما كان ليتم دون غطاء من المجتمع الغربي و بنوكه التي قبلت و سهلت تهريب مئات المليارات من الجنوب بإتجاه الشمال .
لقد أثبتت الثورات التي اجتاحت وما زالت تجتاح المنطقة العربية أن التغيير هو حتمية لا مفر منها، فالشعوب الثائرة التي أثقلها الجمود و عدم التغيير لم تعد تحتمل الأنانية في الاستفراد بالمناصب ومراكز القوة. أن الثورات العربية شكلت حداً فاصلاً بين ماضي التعسف في استخدام السلطة واحتكارها وبين حاضر ومستقبل يصبح فيهم تداول السلطة بشكل ديمقراطي وحضاري هو السمة الأساسية للنظام السياسي العربي.
إن الواقع الفلسطيني لا يمكن فصله بأي حال من الاحوال عن الواقع العربي العام، فرياح التغيير ستهب الى فلسطين عاجلاً أم آجلاً. من أجل ذلك، لا بد لمن هم في مراكز صناعة القرار الفلسطيني أن يدركوا أهمية وجدية ما يحصل حولهم، وأن يسارعوا في اتخاذ خطوات تعزز مبدأ تداول السلطات و المناصب وإنهاء مظاهر الاستفراد بالمناصب والبقاء فيها.
هذا ينطبق على الجميع سواء الرئاسة أو في رئاسة الوزراء أو الوزراء أنفسهم أو في دائرة المفاوضات التي قادها صائب عريقات 18 عاما مما أصابها بالتراخي و الترهل و التسيب و عدم الجدوى وفي صندوق الاستثمار الفلسطيني و سلطة النقد الفلسطينية و جميع المؤسسات الرسمية و شبه الرسمية و كذلك القوى السياسية الفلسطينية التي هرمت جدا و دخلت مرحلة الموت منذ سنوات و التي يستوطن قيادييها مناصبهم حتى من قبل وصول القذافي للسلطة . إن ما يقوم به القذافي من قتل هستيري لشعبه و نهب مجنون لموارد بلده يقدم دليلا أكيدا على خطورة التصاق القائد بالكرسي.
إن الأداء الجيد للرئيس أو المدير أو القائد لا يعني الابقاء عليه و عدم تغييره . فالأداء الجيد هو واجب ومسؤولية كل شخص في مركز صناعة القرار. لذلك لا بد من تغيير مفاهيمنا المتعلقة بتعاطينا مع من هم فوقنا من قادة ورؤساء، فهؤلاء، مثلهم مثل أي موظف في الدولة، يتقاضون رواتبهم ومعاشاتهم مقابل القيام بأداء جيد، وهم أيضاً في موضع مساءلة ومحاسبة و تغيير …فالتغيير هو المبدأ الثابت و الاشخاص هم العناصر المتغيرة .