جلسة حوارية “مشروع بناء القدرات الاستراتيجية للمؤسسات في فلسطين”
نظمت مؤسسة بال ثنيك للدراسات الاستراتيجية جلسة حوارية ضمن مشروع بناء القدرات الاستراتيجية للمؤسسات في فلسطين, حيث نوقش خلالها ورقتين بحثيتين بعنوان “اشراك المجتمع المدني الدولي: المدافعين عن حقوق الانسان وحملات المناصرة والتضامن” للدكتورة سيسليا بايزا أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية, وتناولت الورقة موضوع ” تقييم المشهد الجيوسياسي الدولي وموقع القضية الفلسطينية” للكاتب توفيق حداد مؤلف كتاب “نحو أممية جديدة”.
ورحب الأستاذ عمر شعبان بالحضور والذي جمع اطياف من النخب الفكرية والسياسية والشبابية, مؤكدا على استمرار مؤسسة بال ثنيك في التشبيك والتواصل مع الجميع, ووضع المجتمع الفلسطيني في صورة التطورات الاقليمية والدولية, واستعرض بعض الأنشطة السابقة للمؤسسة في هذا المضمار, ومنها مشروع مناقشة أوراق بحثية من انتاج مركز مدار للدراسات الاسرائيلية تناولت الوسط الفلسطيني في المجتمع الإسرائيلي لباحثين من الداخل, واستعرض أيضا ما ستيم تنظيمه هذه الفترة من عرض لأوراق بحثية تتناول الموقف الاقليمي والدولي من القضية الفلسطينية وفق رؤية مشروع تقرير فلسطين 2020.
وبدورها استعرضت الدكتورة سيسليا بايزا, أبرز التطورات الدولية التي أثرت علي عمل حملات المناصرة والتضامن, ومنها صعود اليمين المتطرف والشعبوية بوصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة وصعود اليمين في كلا من الهند والبرازيل, وتتساوق مصالحهم بشكل كبير مع الموقف الإسرائيلي وبدرجة أقل مع الموقف الفلسطيني. إضافة إلي أن الزعماء المناصرين للقضية الفلسطينية يواجهون مشاكل داخلية تحد من مناصرة القضية الفلسطينية بشكل قوى مثل فنزويلا على سبيل المثال. كما أن الإتحاد الأوروبي أصبح غير قادر على إتخاذ سياسات مستقلة, وأصبح مترددا في إتخاذ مواقف حاسمة.
وتري سيسليا أن هذه العناصر مجتمعة جعلت من حملة التضامن مع فلسطين أكثر اهمية وعمقا, واصبح لازما العمل بشكل مضاعف لتعزيز جهود هذه الحملات لمواجهة اليمين والشعبوية. وترى سيسليا أن هذه العوامل هي بنفس الوقت عوامل يمكن استغلالها لجعل حركة المقاطعة أكثر جدوى وتحدي, وتستعرض هنا بعض التحديات التي تواجه حملات المقاطعة ومنها:التحدي الأول: الحملة القانونية لمواجهة حملة المقاطعة واتهام اعضاءها بمعاداة السامية, ومنع عناصرها من الدخول الي البلاد, وهذا يضع تحدى كبير أمام جهود BDS. التحدي الثاني: عدم قدرة حركة المقاطعة على تحويل انجازاتها الي سياسات, وتفتقد أدوات معاقبة إسرائيل وفشلها في التحول الي قوة دولية لها ادواتها. التحدي الثالث: هناك عدم انسجام واضح بين موقف حركة المقاطعة والسياسة الرسمية للسلطة الفلسطينية, وفي بعض الاحيان تتضارب مصالح الطرفين وتوجهاتهم السياسية وهذا يضعف موقف حركة المقاطعة ويقلل من جهودها.
ولمواجهة هذه الاشكاليات ولتعزيز منهجية حملة المقاطعة ترى سيسليا ضرورة العمل في مسارين لتحقيق ذلك. المسار الأول: كيفية تعزيز وتوعية المجتمع الفلسطيني الداخلي حول مفاهيم حركة المقاطعة وقيمها, وهذا يقع علي عاتق منظمات المجتمع المدني بالدرجة الاولي. والمسار الثاني: وهو مسار دولي يقوم على التشبيك مع كل الفعالين وتعزيز التواصل والجهود بين الجميع, وترى ان صعود اليمين في العالم يعطي فرصة ذهبية لتعزيز الترابط بين الجهات الفعالة في حركات المقاطعة. وحول مسارات استراتيجية التدخل للحركة المقاطعة, ترى سيسليا كمسار أول: ضرورة إعادة الاولويات في مواجهة الادارة الأمريكية في جعل القضية الفلسطينية أقل أهمية مقابل رفع أهمية قضية إيران, ومواجهة التحالف العميق بين الولايات المتحدة ودول أوروبا الشرقية التي تشهد تصاعد لليمين والشعبوية. أما المسار الثاني يقوم علي مواجهة ومحاربة الخلط والجدل بين معاداة إسرائيل ومعاداة الصهيونية ومعاداة السامية وتوضيح المقصود بكل مصطلح. ويقوم المسار الثالث لاستراتيجية التدخل علي تعزيز العلاقات بين حركة المقاطعة والمؤسسات الحقوقية حول العالم لتحقيق العدل. وبناء على هذا وعلى المدى القصير استطاعت حركة المقاطعة تحقيق انتصارات ملحوظة, مثل استغلال الثغرات في الدول التي يتصاعد بها اليمين مثل إسبانيا والمكسيك. وتبقي الاستراتيجية الثابتة في هذا المضمار هو التعزيز والتشبيك مع القواعد والجامعات في هذه الدول والتحالف مع ضحايا اليمين المتطرف في أوروبا.
تقييم المشهد الجيوسياسي الدولي للكاتب والباحث توفيق حداد المستشار السياسياتي لشبكة السياسات الفلسطينية .
تناول الباحث في ورقته الفرص المتاحة أمام الحركة الفلسطينية في العالم استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا, والعلاقات بين الحركة الفلسطينية والادارة الأمريكية والاتحاد الاوروبي ودول البريكس. وتناول أيضا بعض الملاحظات المطلوب اخذها بعين الاعتبار عند وضع دراسة من هذا النوع فإنه يتطلب منا معرفة التعقيدات في النظام الدولي والنظام الاقتصادي وتحليلها وايجاد امكانيات لتطوير سياسياتنا وفق فهم هذه المنظومة. هذا النوع من الدراسات يقوم علي فهم العلاقات الثنائية وعلاقات ودور المجتمع المدني وكيفية تأثيرها في صناعة السياسيات, وحتي يكون لهذه الدراسات معني وأهمية فيجب علينا تحديد الأهداف والسياسات وتحديد الأجوبة على ذلك, على صعيد الدولة وعملية السلام وحق والعودة, وماذا نحن نريد؟ والبداية تكون بتحديد أدوات تنفيذ هذه الأهداف.
ويرى حداد, عوامل فهم علاقة الحركة الفلسطينية مع القوى الكبرى من خلال فهم اهمية منطقتنا العربية في السياسة الدولية, ودور القوى الكبرى في نشوء دولة إسرائيل, والحرب العالمية الثانية والهولوكوست, واسقاطات ذلك على المنطقة وفهم أهميتها. ويؤكد حداد رغم وجود العوامل السابقة يجب علينا فهم السياسة وفق المصالح الموضوعية وكيف يمكن تحقق أهدافها , مع الأخذ في عين الاعتبار فهم النظام السياسي للدولة والية عمل المنظمات الدولية.
واستعرض الباحث المشهد الجيوسياسي للمنطقة من بدايات تشكله, فمنذ العام 1967 والصراع العربي الاسرائيلي السياسي يقع تحت رعاية الادارة الأمريكية, والأهم أن هذه السياسات لا تأتي من اللوبي اليهودى, وإنما من النظام الاقتصادي والمصالح الذاتية, ومن هذا المنطلق كان الدعم بمختلف الاتجاهات لإسرائيل هو مصلحة امريكية, وكان الأمركان يقولون أن إسرائيل هي أكبر حاملة طائرة لا يمكن اسقاطها. اضافة لا يمكن التغافل عن حقيقة أن إسرائيل كيان أوروبي أمريكي, الا ان بعد العام 1956 يمكن القول المشهد تحول من الاوروبية الي العالمية بخروج فرنسا وبريطانيا من ملفات الشرق الأوسط وتحديدا القضية الفلسطينية, وعجز الاتحاد الاوروبي عن بلورة سياسة مستقلة عن الادارة الامريكية بعيد الحرب العالمية الثانية بل تقاسم الادوار معها في المنطقة, وروسيا اصبحت لاعب غير مؤثر في المنطقة وتحديدا في القضية الفلسطينية ومشغولة في ملفات اقليمية تتعلق بأمنها القومي.
ويركز الباحث في الورقة عن دور ومكانة مجموعة البريكس, التي لها تواريخ متنوعة بالنسبة للقضية الفلسطينية, ومنها من كان مواليا لمنظمة التحرير الفلسطينية, يقدم لها الدعم المالي والعسكري والسياسي, وكان لها دور السند في الامم المتحدة. الا أن دورها الحالي لا يتعدى المساعدة المعنوية, وليس لديهم المقدرة على تحدى الادارة الأمريكية, ولا تمثل دورا منافسا للمشروع الأمريكي في المنطقة. ومع توقيع اتفاق أوسلو بين الحكومة الاسرائيلية ومنظمة التحرير, أدى هذا التغير “اتفاق اوسلو” الي محاولة بعض الدول التي كانت ترفض اقامة سلام مع اسرائيل الي اعادة النظر في هذه القضية, واصبحت اليوم الهند حليفا قويا لاسرائيل على سبيل المثال, وتعزيزت التجارة بين الهند واسرائيل وكذلك الصين في موضوعات التكنولوجيا, الا ان سقف العلاقة التجارية بين اسرائيل والصين بقي دون التطور في العلاقة العسكرية. فالصين اليوم حصلت علي مشروع ادارة ميناء حيفا, وصفقة تطوير ميناء عسقلان. تبقى جنوب أفريقيا هي الأكثر قربا لفلسطين, الا أن حدودها لا يتجاوز الاقليمي وهذا يمنع من ان يكون لها دورا دوليا كبيرا.
ويخلص الباحث الي القول أن هذه المنطقة هي خاضعة بالكامل للرعاية الامريكية, وتقدم لإسرائيل الدعم الكافي, فيما موقع القيادة الفلسطينية مهمشة وضعيفة وليس لها القدرة علي القفز في مواقفها. ولكن هل من امكانيات ؟ اذا كنا سنبقى نركز على حكومات أوروبا وأمريكا, لن نطور أنفسنا, فهؤلاء حليف أساسي لاسرائيل والاتحاد الاوروبي مكلف بإدارة الصراع, بل علينا ان نركز على الشارع الأوروبي ومؤسسات المجتمع المدني, فالسياسة في الغرب تصنع من الأسفل, وعلينا استغلال هذه الشرائح لتعزيز موقف فلسطين في القواعد واقناع المواطنين في أوروبا وامريكيا أن ما يدفعه من ضرائب يذهب لحماية إسرائيل, ولتحقيق ذلك يجب توحيد جهود حركة المقاطعة, والعمل على سياسات تقنع الغرب تخفيض الدعم المقدم لاسرائيل, لذلك علينا دراسة الدول ونظمها وكيف يمكن الوصول اليها والتعاطي معها. يجب علينا تطوير ادوات التواصل مع المجتمعات الاوروبية ليس لمصحلتنا فقط, بل لمساعدتهم في تعزيز التقدمية.