ماذا يفعل مبعوثو السلام في منطقة الشرق الاوسط
بقلم عمر شعبان
يزدحم المثلث الصغير بأضلاعه الثلاث تل أبيب و رام الله و القدس بأكبر عدد من مبعوثي السلام في العالم. كلهم يسعون لتحقيق السلام بين إسرائيل و الفلسطينيين، لن نأتِ بجديد بالقول أن السلام المنشود لم يتحقق بعد رغم كثرة الباحثين عنه،. فهناك مبعوث الاتحاد الاوروبي لعملية السلام، و مبعوث الامين العام للأمم المتحدة لنفس العملية و مبعوث الادارة الأمريكية لذات الهدف و الرابع هو مبعوث الرباعية الدولية لذات الموضوع، إضافة للمبعوثين الصيني والروسي لعملية السلام. ناهيك عن مئات المؤسسات الأممية التي يفترض أنها تعنى بالأمن، التنمية، اللاجئين، البيئة، السكان، الأسرى. وإن كان لبعض المؤسسات الدولية التي تعمل في مجال التنمية والاغاثة دور ملحوظ لا يمكن تجاهله و يكن لها الشعب الفلسطيني كل تقدير، فإن ذلك لا ينطبق إلى حد كبير على مبعوثي السلام في منطقة تفتقر إلى السلام منذ عقود، منطقة تشهد حروبا من وقت لآخر، منطقة تئن تحت ضغط الصراع السياسي و العسكري منذ عقود طويلة رغم أنها المنطقة الأكثر إزدحاما بمبعوثي السلام. منطقة تتراجع حظوظ تحقيق السلام فيها كل لحظة. لا يمكن لأحد منهم أن يزعم بأنه لا يعرف، لا يرى أو لا يسمع، ففرص السلام تموت يوميا على مرأى ومسمع منهم و بالقرب من منازلهم و مكاتبهم الوثيرة، يشاهدون في تجوالهم كيف يتراجع حل الدولتين حتى بات أقرب للوهم منه للواقع. يتجاوزون بسيارتهم الفارهة و المصفحة التي تتكلف الواحدة منها مئات ألوف الدولارات عشرات الحواجز و نقاط التفتيش دون انتظار، يقرأون في تقاريرهم البادرة عن سياسات الاستيطان الساخنة. ويهمسون همسا عن الحصار المتواصل على مليون ونصف فلسطيني في قطاع غزة منذ 2007. قد يختلفون في المسمى والمظهر ومستوى النفقات، لكنهم جميعا متشابهون من حيث إنخفاض مستوى الأداء مقارنة بتضخم مستوى التكاليف وتضخم المسمى.
أولهم: مبعوث الرباعية لعملية السلام:
هو السيد توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والحليف الأساسي للرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، تفاءل الفلسطينون به خيرا عند تعيينه معتقدين أنه سيكون قادرا على تحقيق السلام في فلسطين كما ساهم في تحقيقه في ايرلندا الشمالية. تفاءل الفلسطينيون بتعيينه بسبب قربه من السياسة الإسرائيلية وحليف إستراتيجي للإدارة الأمريكية بما يمكنه من التأثير عليهما لمصلحة السلام العادل في المنطقة. في بدايات عمله كان السيد بلير يتواجد كثيرا في الإعلام لكن دون إنجاز كبير في الواقع. تركز دوره في تسهيل دخول المواد الخام لبعض لمشاريع البنية التحتية والمساهة في تنظيم مؤتمري الاستثمار في بيت لحم، لا فرق هنا بين الرباعية الدولية التي تضم أربع قوى عظمى وبين منظمة أهلية دولية تعمل في بناء الطرق ومشاريع البنية التحتية. في العامين الاخيرين غاب السيد توني بلير حتى عن شاشة الاعلام ليتفرغ لتقديم خدمات إستشارات لشركات كبرى تدفع له ملايين الدولارات كما تحدثت وسائل الاعلام. مما دفع الكثيرون للسؤال : اين ذهب توني بلير !! هل مازال هومبعوث الرباعية أم ترك وظيفته ليأسه من تحقيق نتائج ملموسة أم مايزال يعمل،لكن في صمت. حتى أن السلطة الفلسطينية التي رحبت به كثيرا عند تعيينه وصفته لاحقا بأنه عديم الجدوى وغير مرغوباً به في فلسطين وكذلك منظمات المجتمع المدني. سيذكر التاريخ أن شروط الرباعية الدولية كانت سيفا مسلطا على رقبة المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية وحلت محل جميع القرارات الدولية والأممية المتعلقة بالقضية الفلسطينية. الرباعية الدولية التي تضم أمريكا، روسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. هي متناقضة مع طبيعة الأشياء، فكيف يمكن للأم المتحدة أن تكون عضوا مساويا لدول هي أعضاء أصلا لديها.
ثانيهما مبعوث الاتحاد الأوربي لعملية السلام :
هو السيد أندرياس رينيكيه، مبعوث السيدة كاترين أشتون، المندوب السامي للإتحاد الاوروبي للشؤون السياسية الخارجية والأمن. تم تعيينه في هذا المنصب في فبراير 2012 بعد أن قام الاتحاد الأوربي بإغلاق مكتب مبعوثه لعملية السلام في الشرق الاوسط لمدة عام. قد يكون الاتحاد الأوروبي قد فعل خيرا بإغلاق المحل بسبب قلة الأعمال لكنه عاد ليعين السيد رينيكه من جديد. السيد رينيكه ليس معروفا للمجتمع الفلسطيني نظرا لقلة حركته وتفضيله السكوت، فلا نسمع منه لا طحنا ولا طحينا. موقف السيد رينيكه يتماشى تماما مع موقف الاتحاد الأوربي فيما يتعلق بدوره في الشرق الاوسط، الاتحاد الاوربي يتبوأ كرسي القيادة من حيث حجم التمويل للشعب الفلسطيني، لكنه يجلس في الكرسي الخلفي من حيث التأثير السياسي. أعاد الاتحاد الاوربي فتح مكتب مبعوثه لعملية السلام في فبراير 2012 بعد إغلاقه لمدة عام. الغريب في الامر أن إغلاق الاتحاد الاوربي لمكتب مبعوثه للسلام في تل أبيب وإعادة فتحه لم يثر أي خبر في الإعلام حتى لو بحجم خبر عن حادث طرق عادي.
ثالثهما مبعوث الامين العام للامم المتحدة لعملية السلام
هو السيد روبرت سيري، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام. السيد سيري يمثل الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون و هو الذي تكرم بزيارة قطاع غزة مرتين منذ توليه منصبه كأمين عام للأمم المتحدة، لم تزد مدة كل منها عن 3 ساعات. لذا قد نجد العذر للسيد سيري في صمته عن موت السلام فهو ينفذ تعلميات رئيسه الذي هو أكثر صمتا. فالسيد بان كي مون ليس له ملامح، لا تشعر به إذا حضر و لا تفتقده إذا غاب. بل من الصحي جدا أن لا تستمع لتصريحاته كي لا تصاب بإرتفاع الضغط من إنخفاض الحرارة في حديثه و مواقفه، فقاموس كلماته لا يختلف كثيرا سواء عندما يتحدث عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أو عن المجازر في ليبيا و سوريا و إفريقيا أو عندما يتحث عن البيئة و طبقة الاوزون. لكن سيذكر التاريخ أن السيد بان كان مون قد نجح فعلا في تحويل الأمم المتحدة إلى شركة مقاولات بدلا من أن تكون حامية للسلم العالمي. فالأمم المتحدة التي لم تتدخل لمنع تدمير ليبيا، سارعت لإرسال المئات من مستشاريها الذي يتقاضون مرتبات خيالية للمساعدة في إعمارها. هذه الأمم المتحدة التي لم تفعل شيئا ملحوظا لوقف المجازر و التدمير في سوريا، لاشك أنها ستسارع لاحقا لإرسال مقاوليها، ليس لتعمير سوريا بل من اجل ضمان فرص عمل لموظفيها وإعطاء الشرعية على الدويلات السورية التي ستولد لاحقا.
رابعهما المبعوث الامريكي لعملية السلام
منذ تولي الرئيس اوباما تم تعيين مبعوثين أمريكين إثنين لعملية السلام في الشرق الاوسم أولهما السيد : جورج ميتشل الذي عين في منتصف يناير 2009، ليقدم إستقالته بعد ذلك بخمسة شهور بسبب فشله في تحقيق أي تقدم في عملية السلام بسبب عدم الانسجام داخل البيت الابيض حول ماهية الدور الامريكي في المنطقة. ليتم تعيين نائبه السيد: ديفيد هيل كمبعوث جديد لعملية السلام. الشي الجديد في المبعوث الامريكي لعملية السلام هو تغيير مبعوث الربان فقط رغم أنه الاكثر أهمية نظريا لكنه الاقل حركة فعليا، ماذا يفعل تغيير المبعوث إذا كانت سفينة البيت الابيض و ربانها ليس لديهم النية الكافية، حتى الان على الاقل لخوض معركة تحقيق السلام.
بعض هؤلاء المبعوثين يأتون إلى قطاع غزة مع موظفيهم على فترات زمنية متباعدة، يتجولون في مناطق معينة، يقيمون في فنادقها الفاخرة و يتناولون وجبات فاخرة من سمك غزة اللذيذ و يلتقون بنخبة من أبنائها. زياراتهم لها شكلية و بروتوكولية لا تستمر سوى بضع ساعات.
أليس غريبا أن مبعوثي السلام جميعا يبحثون عن شء واحد هو السلام دون أن يجتمعوا معا لينسقوا جهودهم ! مظلوم هذا السلام التائه، فعلى الرغم من كثرة الباحثين عنه، مازال تائها في صحراء السياسة الدولية الظالمة في انتظار من يبحث عنه بإخلاص .