بين جدرانها العالية و أبوابها الضيقة .. وجه أخر شنيع للمؤسسات الدولية في قطاع غزة
بقلم: عمر شعبان
لا شك أن الانقسام الفلسطيني و الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة قدما فرصاً ذهبية لبعض المؤسسات الدولية و موظفيها للإستفادة بشكل هائل من التمويل الدولي و العربي الذي تم ضخه لمواجهة آثار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة. كثير من المؤسسات الدولية التي كانت على وشك الإفلاس فتحت مكاتب لها في قطاع غزة كي تستفيد من حصة التمويل الدولي و الإسلامي المخصص لقطاع غزة. هذه المؤسسات لا تستفيد فقط في تمويل مكاتبها في الاراضي الفلسطينية بل تخصص نسبة لا تقل عن 30% لدعم مكاتبها الرئيسة في بلدانها. تصنف بعض المؤسسات الدولية منطقة قطاع غزة كمنطقة عمل خطرة رغم مجافاة الواقع لهذا الزعم. إن الخطر الأساسي الذي يجعل قطاع غزة منطقة خطر هو الإجتياحات الإسرائيلية المتوقعة وعمليات الاغتيال التي تقوم بها القوات الإسرائيلية من وقت لآخر رداً على إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وهو ما انخفض كثيراً في الشهور الماضية.
يتقاضى موظفو المؤسسات الدولية العاملون في قطاع غزة مخصصات ضخمة مقابل ما يسمى “بدل مخاطر”، لذا فإنه من مصلحة بعض المؤسسسات الدولية و بعض موظفيها، خاصة الذين يعملون في مجال الأمن، أن يتم تضخيم المخاوف الأمنية بما يمكنهم من تسويق تبريرات حصولهم على هذا المخصصات و ضمان وظائفهم لأطول فترة ممكنة. إن تضخيم المخاوف الأمنية يصب في مصلحة بعض المؤسسات و موظفيها و يسبب إساءة شديدة لفلسطينيي قطاع غزة، و يرسم صورة قاتمة عن الحياة في القطاع و هو ما ينفيه الواقع. فعدد الحوادث التي تحدث في قطاع غزة هي أقل بكثير جدا من نظيرتها التي تحدث في أكثر عواصم العالم أمناً.
نتفهم جدا المخاوف الامنية للمؤسسات الدولية ، لكن أن يصل الأمر ببعض المؤسسات الدولية أن تتصرف كأنها كيانات مستقلة داخل قطاع غزة وبطريقة إستعلائية و متعجرفة، فهذا يتناقض مع أبسط أسس العمل الإنساني الذي تطرحه هذه المؤسسات في برامجها و ينتهك أصول الضيافة و الإحترام التي يكنها فلسطينيو قطاع غزة تجاه هذه المؤسسات.
منظمة الأونسكو في غزة أقامت بوابة صغيرة لا يزيد عرضها عن 60 سنتيميتر بداخلها عمود دوار يسمح بدخول شخص واحد فقط. هذه البوابة تلزم أي شخص يرغب بالدخول إلى جنة الانسكو أن يسلم نفسه لهذه البوابة كي تدور به لتلفظه إلى الناحية الثانية بعد التأكد من نقائه أمنياً. هي بوابة مشابهة تماما للبوابات الدوارة التي تستخدمها الحكومة الاسرائيلية على معابرها مع الاراضي الفلسطينية. يبدو أن الأونسكو، وهي إحدى منظمات الأمم المتحدة قد قررت أن تنقل تجربة الاحتلال الإسرائيلي في تنظيم حركة الفلسطينيين على المعابر. لكن الحق يقال أن بوابات الاحتلال الاسرائيلي بكل قسوتها هي أكثر رحمة و رأفة من منظمة الأونسكو، حيث أن البوابات المستخدمة على المعابر الاسرائيلية أكثر رحابة و إتساعاً من بوابة الأونسكو.
قبل عدة أعوام مرت سيارة تابعة للصليب الاحمر في قطاع غزة على لغم أرضي كان مزروعا على طريق بيت حانون، و هو حادث استنكره المجتمع الفلسطيني بشكل حاد. إلا أن مدير الصليب الأحمر في ذلك الوقت قرر أن يصادر نصف مساحة الشارع الممتد أمام مقر الصليب الأحمر السابق في شارع الجلاء بغزة مانعاً السيارات من التوقف أمام المقر. إن تصرف مدير الصليب الأحمر في حينه لم يختلف عن سلوك المستوطنين الاسرائيلين الذي يقومون بمصادرة عشرات الدونمات الزراعية في حال تعرض أحدهم إلى رشق بالحجارة. هذا ما قلته لمدير الصليب الاحمر الأسبق في محاولة لاستنكار هذا السلوك الذي يتناقض كلياً مع فلسفة عمل الصليب الأحمر، المؤسسة التي أسسها طبيب سويسري كي تعمل فقط في مناطق النزاع .
كيف يمكن لمؤسسة تتبع منظمة الأمم المتحدة التي تأسست في أربعينات القرن الماضي من أجل حماية السلم العالمي و مشاركة الشعوب المغلوبة على أمرها هموها، أن تقوم بهذ السلوك المشين، سلوك يفوق في قسوته نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، و كيف يمكن لهذه المؤسسات الأممية أن تطرح موقفا رافضا للإجراءات الإسرائيلية على المعابر و هي تمارس نفس السلوك و بدرجة أكثر بشاعة. أي فهم يحكم الموظف الأممي الذي تفتق عقله عن فكرة تركيب بوابة بمثل هذه البشاعة على مقر الأونسكو! كيف سمح هذا الموظف لنفسه بأن يبني هذه البوابة اللعينة بينه و بين مواطني قطاع غزة في حين ينص عقد وظيفته على خدمتهم و ليس إذلالهم! مثل هذه الموظف الذي يتمتع بكرم و احترام أهل قطاع غزة، كان يجب عليه ان يقابل المعاملة بالمثل !
يبدو أن كثير من موظفي الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية بحاجة ماسة إلى “إعادة تثقيف” و قراءة لأبجديات العمل الانساني و الأممي في مناطق النزاعات. عليهم أن يعرفوا أن أفضل أنواع الحماية هي تقدير المجتمع الذين يعملون معه و ليس من خلال الانفصال عنه و ممارسة سلكويات عنجهية و إستعلائية تمس كرامتهم، ألا يكفي قطاع غزة الحصار الإسرائيلي لتأتي مؤسسة أممية لتمارس نفس السلوك.
يبدو أن السيد بان كان مون، أمين عام منظمة الامم المتحدة الذي وصفته في مقال سابق بأنه رجل لا طعم له و لارائحة، لا تشعر به إذا حضر و لاتفتقده إذا غاب، يسعى مع موظفيه إلى تحويل مكاتب الامم المتحدة في العالم إلى ثكنات عسكرية بعد أن نجح بشكل مرموق في تحويل منظمة الأمم المتحدة من مؤسسة تعمل على منع الصراعات و تحقيق العدل في العالم إلى شركة مقاولات كبيرة.
على منظمات المجتمع المدني و الحكومة و الشعب في قطاع غزة التعبير بقوة عن رفضهم الشديد لهذا السلوك المعادي ليس للمجتمع الفلسطيني فقط بل لمبادئ تلك المؤسسات ذاتها.