من غزة والضفة الغربية: طلاب وأكاديميي الجامعات يقدمون رؤيتهم للمصالحة الوطنية
نظمت بال ثينك للدراسات الاستراتيجية مؤتمراً ختامياً بعنوان “الحوار الوطني بين ومن خلال الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني في فلسطين”، وذلك بالشراكة مع جامعة بيرزيت من الضفة الغربية وجامعتي الأزهر والجامعة الإسلامية من غزة، ومؤسسة سويس بيس، وبدعم من الحكومة السويسرية، وذلك بمشاركة واسعة من طلبة الجامعات ونخبة من الأكاديميين والكتاب والمثقفين ومؤسسات المجتمع المدني.
وافتتح المؤتمر عبر الفيديو كونفرنس د. عبد الرحمن إبراهيم عميد كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، وشكر المشاركين والحضور ومؤسستي “بال ثينك” و”سويس بيس”. وقال إننا كشعب لا يوجد بيننا انقسام فعلي، لأن لدينا نقاط التقاء أكثر من نقاط الاختلاف، وأننا متفقون على القضايا التي سببها الانقسام.
وأضاف إن الانقسام علامة سوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني، ومن السهل أن نتخلص من الانقسام بشرط وجود إرادة سياسية. وأشار إلى أن الأطر الطلابية أثبتت أن لديها أفكار خلّاقة لتجاوز أثار الانقسام.
بدوره، قال عمر شعبان مدير مؤسسة “بال ثينك للدراسات الاستراتيجية” إن هذا اللقاء يأتي ضمن جهود “بال ثينك” كمؤسسة فلسطينية مستقلة في مجال تحقيق الوحدة الوطنية وكسر الفجوة بين المؤسسات الفاعلة في كل الوطن من جنين إلى رفح خلال أكثر من عشر سنوات بالشراكة مع مؤسسة “سويس بيس”.
وأضاف إن الفصل الحزبي بين المؤسسات التعليمية الفاعلة التابعة للأحزاب هشّم المجتمع والحركة الطلابية. وأشار الى ان القطاع التعليمي جزء أساسي من الحركة الوطنية الفلسطينية، والكثير من قيادات العمل السياسي تخرجوا من الجامعات الفلسطينية. لذلك الطلبة اليوم سيقدمون أنفسهم، وسيتحدثون عن تأثير الانقسام عليهم، وكيف خلق الطلاب في غزة علاقة غير عادية مع طلبة جامعة بيزيت.
وخلال الجلسة الأولى التي أدارها حسن سيسالم من جامعة الأزهر، وحذيفة حامد من جامعة بيرزيت التي كانت بعنوان “تداعيات الانقسام على الحركة الطلابية”، تحدث عز الدين قوتة من الجامعة الإسلامية في ورقته البحثية بعنوان “تداعيات الانقسام على انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية”، عن أثر الانقسام على الحركة الطلابية، وقال إن غياب الانتخابات ومجالس الطلبة والاعتقال السياسي في شقي الوطن أثر سلباً على الطالب. وأشار إلى أن التغيير يتطلب وقف التدخلات الأمنية في الجامعات، وعقد انتخابات دورية، وتأصيل الديمقراطية.
بدورها، تحدثت الطالبة فيروز سلامة من جامعة بيرزيت في ورقة تقدير موقف بعنوان “أثر الانقسام على الحركة الطلابية” عن عوامل نشأة وتفكك الحراكات الشبابية لإنهاء الانقسام، واستعرضت نماذج محلية سابقة مثل: حراك 15 آذار2011، وحراك 29 نيسان 2015. وأشارت إلى أبرز عوامل تفكك الحراك هو غياب قيادة شبابية موحدة، وسياسة الاحتواء التي تنتهجها كل من حماس وفتح للحراكات.
أما الطالبة آلاء أبو سويرح من جامعة الأزهر، فأظهرت في ورقتها البحثية “تأثير الانقسام على الجامعات الفلسطينية وانعكاسه على الطالب الجامعي” أن الجامعات تخضع لإدارتين منفصلتين، إحداهما بالضفة الغربية والأخرى في غزة. ناهيك عن وجود ثمان جامعات وكليات في غزة غير معترف بها من وزارة التربية والتعليم في رام الله، وهذا يهدد مستقبل أكثر من 25 ألف طالب.
وفي السياق، أوضحت الطالبة أمل مناصرة من جامعة بيرزيت في ورقتها البحثية “الانتخابات الفلسطينية العامة: الإشكاليات والتحديات” مدى إمكانية تطبيق الانتخابات الفلسطينية، واستعرضت السيناريوهات المتوقعة لها، ومواقف الدول العربية تجاه المصالحة. وأكدت على أن الانتخابات لوحدها لا تشكل مخرجاً من الانقسام بل تعمقه.
وفي نهاية الجلسة الأولى تم عرض فيديو أنتجته الجامعة الإسلامية عن قصة شاب-يمثل الشباب في غزة-فقد مستقبله بسبب الانقسام واضطر للسفر لبحث عن مستقبل أفضل.
وخلال الجلسة الثانية التي أدارها هيثم بدير من الجامعة الإسلامية، ورامي الخضور من جامعة بيرزيت والتي استكمل الطلبة خلالها أوراقهم البحثية عن تأثير الانقسام الفلسطيني على الحركة الطلابية، تحدث الطالب فؤاد رشيد من جامعة بيرزيت في ورقة تقدير موقف “الانتخابات الفلسطينية في ظل الانقسام الفلسطيني”، وتحدث عن عدة سيناريوهات أهمها: إبقاء الوضع الراهن كما هو دون إتمام إجراء الانتخابات، أو رفض نتيجة الانتخابات من حماس أو من فتح.
بينما أظهر الطالب محمد جودة من جامعة الأزهر، في ورقته البحثية “دور الحركة الطلابية بالجامعات الفلسطينية في ظل الانقسام” عن أزمة الحركة الطلابية وأسباب تراجعها، وأبرزها: النظام السياسي الفلسطيني القائم، وفقدان القدرة على اتخاذ القرار بسب التبعية الحزبية، والملاحقات الأمنية على الخلفية السياسية. وترتب على ذلك تضرر الطلاب بشكل كبير، وانحسار الحراك الطلابي في نشاطات هامشية، ناهيك عن ارتفاع مستوى الكراهية بينهم.
أما لينا عاشور من الجامعة الإسلامية فسلطت الضوء في ورقتها البحثية ” واقع الطلبة الجامعيين في ظل الانقسام وتردي الوضع الاقتصادي”، على ثلاثة محاور، وهم: الانقسام وتردي الوضع الاقتصادي، وتبعات الانقسام الفلسطيني على الطالب الفلسطيني، وعن تأثير الانقسام على مستقبل الخريجين.
وفي نهاية الجلسة الثانية تم عرض فيديوهين من إنتاج جامعتي الأزهر وبيرزيت، عن تأثير الانقسام على المرأة الفلسطينية، والآخر عن أزمة الإضرابات والتعليقات الدراسية في الجامعات بسبب المناكفات السياسية وتأثيرها على الطالب.
وفي الجلسة الثالثة التي أدارها عمر شعبان مدير بال ثينك للدراسات الاستراتيجية ومرح خلف من جامعة بيرزيت، التي كانت بعنوان “تداعيات الانقسام على المسيرة التعليمية والأكاديمية من الجامعات”، والتي عُرض فيها أوراق بحثية لأساتذة الجامعات، حيث استعرضت د. لورد حبش من جامعة بيرزيت في ورقتها البحثية بعنوان “قراءة أولية في خطابات أساتذة بيرزيت حول الحالة الفلسطينية ودور الجامعات والمثقف تجاه الانقسام” وكانت عينة البحث 20أستاذ/ة من جامعة بيرزيت، وقالت إن المبحوثين وصفوا الانقسام بأنه “مؤسف ومدمر، والأخطر في تاريخ الشعب الفلسطيني، وأنه أعاد القضية الفلسطينية للوراء”.
وأشارت إلى أن وجهة نظر أكاديميي “بيرزيت” في أسباب الانقسام، تمثلت بالتالي: التعود على حالة الانقسام، والتنافس على السلطة من كلا الطرفين، وعدم وجود إرادة سياسية لإنهاء الانقسام لوجود منتفعين من الحالة القائمة.
ولفتت إلى أن دور الأكاديميين في إنهاء الانقسام هامشيا أو غير موجود، لعدم وجود أي أثر أكاديمي على الحياة السياسية، وترابط بعض الأكاديميين مع طرفي الانقسام. مع وجود بعض المبادرات الفردية من أكاديميين في كتابة أوراق بحثية ومقالات صحفية.
أما مقترحاتهم للمصالحة فكانت: النزول إلى الشوارع، والدفع باتجاه أن يكون للأكاديمي دور في السلطة، وتعزيز دور الطلاب، وتسهيل عمل اتحادات الطلبة.
بدوره، قدم د. وليد المدلل من الجامعة الإسلامية ورقة بحثية بعنوان “تصور أساتذة الجامعة الإسلامية لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام”، وكانت عينة البحث 23 أستاذ جامعي من مختلف التخصصات. وأظهرت دراسته أن الانقسام وصل لكافة مناحي الحياة بما فيها الحياة الأكاديمية، وأن الجامعات لم تلعب دورا فاعلا في إنهاء الانقسام رغم امتلاكها الكثير من المقومات المادية والبشرية، وذلك بسبب الأزمات المالية، وتأثرها بالمرجعيات السياسية.
وأن دور الأكاديميين اقتصر في كتابة الأبحاث والمقالات الصحفية، وذلك لاعتقاد بعض الأكاديميين أن المصالحة شأن سياسي، وانتشار حالة اليأس واللامبالاة في صفوفهم لعدم اهتمام الفصائل الفلسطينية بهم، ناهيك عن عدم وجود مركز لحل النزاع في قطاع غزة.
وقدم توصيات أبرزها: مبادرة الجامعات لتحقيق المصالحة بين موظفيها وطلبتها داخل وخارج الجامعة، ووضع البرامج العملية والأنشطة المنهجية والامنهجية التي تدعو لإنهاء الانقسام، والمبادرة لتأسيس مركز لحل النزاعات، وطرح مساقات أكاديمية تتناول ظاهرة الانقسام وجهود المصالحة لتكون إحدى مقررات الجامعة للطلبة كافة، وتشكيل تجمع للأكاديميين ليشكل قوة ضغط على صناع القرار لإنهاء الانقسام.
أما د. عبد ربه العنزي من جامعة الأزهر فأشار في ورقته البحثية بعنوان “دور الأكاديميين في جامعة الأزهر في المصالحة الفلسطينية”-عينة البحث 20 أكاديمي من “الأزهر”-إلى أن دور الأكاديميين، انحصر في أدوار شخصية وثانوية، وغُيّبت بسبب تغليب بعض الأكاديميين للانتماء الحزبي على الوطني.
وأن أكبر التحديات أمام الأكاديميين، هي: العزوف السياسي، إذ إن أغلبهم مصابون بحالة اليأس والإحباط من الحالة القائمة، وعدم وجود ثقة بين السياسي والأكاديمي، ناهيك عن أن النخب السياسية تقدم معالجات لموضوع الانقسام من زاوية أمنية أو عسكرية أو سياسية، ولا تستشير الأكاديميين إلا في مسائل محدودة.
وأكد على أن الانقسام شكل نكبة جديدة، وأثّر على النظام السياسي الفلسطيني وعطل تطوره وأنتج سلطتين مختلفتين.
وأوضح أن أبرز دواعي المصالحة: أن الانقسام يعمل ضد المصلحة الوطنية العليا، ويجب إنهاؤه للحفاظ على ما تبقى من القضية الفلسطينية، وأن الدواعي هي وطنية ولها أسبابها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
واقترح تشكيل تكتل للأكاديميين على مستوى الوطن، وعمل ورش عمل ومؤتمرات خاصة، ونشر الوعي الفكري بين طلاب الجامعات والعمل على إنهاء الانقسام، وإعطاء الأكاديميين دورا أكبر داخل التنظيمات والأحزاب السياسية، وإنشاء مراكز بحثية على غرار ما هو موجود في المجتمعات الديمقراطية.
وفي نهاية الجلسة الثالثة، تم عرض فيديو أنتجته الجامعات الثلاثة يتحدث عن تأثير الانقسام على الشباب الفلسطيني.
هذا ودارت أسئلة المشاركين حول أسباب استمرار الانقسام، وإمكانية نجاح الجهود الشبابية في انهاء الانقسام، وعن الانتخابات الفلسطينية وإمكانية تطبيقيها، وعن توحيد الأطر الطلابية في شقي الوطن. وسأل الطلاب في غزة زملاءهم في الضفة الغربية والعكس.
يذكر أن هذا المشروع استمر لمدة عام، وتضمن العديد من الأنشطة المشتركة بين جامعات غزة والضفة الغربية، كما تم تنظيم خلال المشروع تدريبا حول حل الصراع مع الخبير الدولي في الصراعات وتعزيز السلم الأهلي زاهد يوسف، شارك بها 20 طالبا من جامعات بيرزيت الأزهر والإسلامية.