هل تستطيع غزة محاربة كوفيد-19؟
بقلم: عبد العزيز أبو زايد
يقضي يومياً الآلاف من ضحايا مرض كوفيد-19. والذي أثر بشكل تاريخي على المناخ الاقتصادي وأنماط الحياة الاجتماعية المختلفة، لا سيما في بؤرة المرض في الولايات المتحدة وأوروبا حالياً، والتي تملك أنظمة صحية تعتبر الأقوى في العالم، رغم عجزها حالياً عن التعامل مع المرض بشكل فعّال. هذا العجز في الإمكانيات لا يمكن مقارنته بما تعانيه المستشفيات والكوادر الصحية في الدول النامية، لا سيما هنا في فلسطين، حيث الاحتلال والحصار وغياب شبكات الأمان المالية والقدرة الاقتصادية على محاربة تداعيات المرض التي طالت كافة جوانب الحياة.
أعلنت وكالة الغوث (اونروا) قبل ثلاث سنوات أن غزة لن تكون صالحة للحياة بحلول العام 2020، مع أنها لم تكن تصلح للحياة حسب معايير الصحة والمياه والتعليم والعمل وغيرها. ويتمثل الخطر الأكبر في حالة شبه شلل يعاني منها القطاع الصحي في فلسطين، وفي قطاع غزة بشكل خاص. حيث يساهم الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني في نقص تمويل ودعم وتجهيز وصيانة المنشآت الصحية. حيث يتواجد في غزة معدل 6 أسرّة في المستشفيات لكل 10 آلاف مواطن، مقارنة بأكثر من 33 سريراً لنفس العدد في إيطاليا، و46 سريراً في سويسرا. بالإضافة إلى نقص الأسرّة، تبقى أرفف الصيدليات داخل المستشفيات فارغة من الكثير من الأدوية وحتى المحاليل الطبية الأساسية حيث يطلب من بعض المواطنين شراء حاجتهم من هذه الأدوية من الصيدليات خارج المستشفى لشحها وعدم توفرها للمواطنين. حتى أن الكادر الطبي من أطباء وممرضين وغيرهم محرومين من تلقي رواتبهم كاملة منذ سنوات عديدة، كما ويحرمهم الاحتلال واغلاق المعابر من تلقي التدريبات والسفر إلى الخارج إلا في حالات معدودة.
وصل اليوم عدد حالات الإصابة بمرض كورونا في فلسطين إلى 217 إصابة، 12 منهم في غزة من القادمين عبر معبر رفح وحاجز بيت حانون (ايرز)، حيث يتم وضع الوافدين إلى غزة منذ منتصف الشهر الماضي في مراكز الحجر الصحي الإجباري لمدة 14 يوماً حيث توزع 35 مركز حجر صحي في مناطق القطاع المختلفة من الشمال إلى الجنوب في المستشفيات والمدارس والعيادات وحتى في بعض المساكن الخاصة. بينما يساهم الحجر الصحي بشكل أساسي في تعزيز خط الدفاع الأول ضد تفشي مرض الكورونا في غزة، لكنه يحتاج إلى امدادات متزايدة من شرائح الفحص، التي دخل منها لغزة 1200 شريحة فحص فقط، وهي لا تكفي لإجراء الفحوصات اللازمة لضمان سلامة المغادرين للحجر الصحي ومتابعة حالة المصابين المتواجدين في المستشفى الميداني بالقرب من معبر رفح.
دعت منظمة جيشا الحقوقية الإسرائيلية المختصة في الدفاع عن حق حرية الحركة للفلسطينيين في رسالة عاجلة موجهة لوزارة الدفاع الإسرائيلية ومكتب المنسق إلى رفع الحصار عن القطاع فوراً لضمان الأمن الغذائي ومنع انهيار اقتصادي في غزة. كما وجهت العديد من الجهات المحلية والدولية نداءات لرفع الحصار المستمر منذ اكثر من 13 عاماً على قطاع غزة لتدارك الأمور قبل انهيارها الكامل، مما لا يشكل مصلحة لأيٍ من الأطراف.
في ظل حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس محمود عباس، والتي تم تمديدها لاستمرار اغلاق المؤسسات التعليمية وأماكن العبادة والأسواق التجارية وبعض أسواق الخضار والتي تم الاستعاضة عنها بتخصيص مناطق متفرقة في عدة أحياء للتعويض عن اغلاق الأسواق المركزية لبيع المواد الغذائية الأساسية. كما ولجأت الكثير من الشركات ومؤسسات المجتمع المدني لإغلاق مكاتبها بشكل جزئي أو كامل مع الانتقال للعمل من المنزل عبر الانترنت. مما شكل تحدياً آخر أمام شركات توزيع الكهرباء والانترنت لزيادة ساعات وصل الكهرباء وزيادة استيعاب شبكات الانترنت للتعامل مع الطلب الزائد نتيجة استعانة الموظفين والطلاب بالإنترنت لأداء وظائفهم المعتادة. وأثرت حالة الطوارئ أيضاً على قطاعات أخرى مثل قطاع المواصلات، الذي كان يعتمد في السابق على حركة الطلاب والموظفين بين المحافظات وداخلها، والقطاع الخاص، الذي اضطر كثير من مؤسساته الى الاستغناء عن الايادي العاملة أو تقليص ساعات العمل بما يضمن استمرار عملهم والالتزام بالقرارات الحكومية في نفس الوقت. هذا ما زاد من سوء الأوضاع الاقتصادية لدى الفلسطينيين في غزة، حيث زادت معدلات البطالة لدى الشباب عن 75% قبل الأزمة الحالية، مما يهدد مستقبلهم وينذر بتبعات خطيرة من ازدياد معدلات الجريمة وتوجه العديد من الشباب للتطرف الديني وغيره من المشاكل بعيدة الأثر.
لا زالت بعض مصانع المواد الاستهلاكية في منقطة كارني الصناعية على رأس عملها، وبطاقة انتاج مضاعفة لإنتاج مستلزمات الوقاية الطبية، حيث يوفر المصنع اغلب احتياج المستشفيات ومراكز الحجر الصحي من كمامات وبدل واقية للكوادر الطبية والمرضى. ولكن يعتمد عمل هذه المصانع على توافر ودخول المواد الخام من معابر القطاع التي تفرض عليها إسرائيل قيوداً مكثفة منذ 2007.
كما رأينا في الكثير من الدول، كانت الموجة الأولى للفيروس محصورة في حالات وافدة من الخارج، وصلتهم العدوى عن طريق الاختلاط بمسافرين آخرين أو يحملون المرض من الدول التي أتوا منها. وخروج العدوى من مراكز الحجر الصحي عبر اختلاطهم باخرين من المجتمع خارج مراكز الحجر له تداعيات خطيرة في كافة الجوانب السابق ذكرها، بالإضافة لعدم توفر أجهزة التنفس الصناعي التي يمكنها انقاذ أرواح المرضى عبر مساندة وظائف الجهاز التنفسي التي يضربها المرض في اخطر مراحله. ويبلغ عدد تلك الأجهزة الموجودة في غزة 62 جهازاً، منها فقط 20 جهازاً غير مستخدم بالفعل من قبل مرضى آخرين من غير المصابين بمرض فيروس كورونا، وبعض الأجهزة غير الصالحة للاستخدام لعطلها وحاجتها لقطع غيار غير متوفرة.
هل سيستطيع قطاع غزة مواجهة الوباء العالمي بأقل الخسائر في ظل هذه الظروف؟ وهل ستمنع إجراءات الحكومة في غزة تفشي المرض خارج مراكز الحجر؟ وهل ستوفر الجهات المهنية وتتحمل كافة الجهات مسؤولياتها المختلفة تجاه سكان قطاع غزة؟ وما مصير معدومي الدخل والمسافرين الفلسطينيين العالقين خارج البلاد ممن فقدوا وظائفهم ومصادر دخلهم بسبب الأزمة العالمية؟ هل يبدوا التباعد الاجتماعي حلاً منطقياً قابلاً للتنفيذ حيث يتكدس 2 مليون مواطن في بقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 365 كم2؟
على الجميع تحمل مسؤولياتهم تجاه عدم تفاقم الأزمة ووصولها لحدود كارثية، فعلى المواطنين التزام منازلهم قدر الإمكان وإلغاء كافة مظاهر التجمع، وعلى الاحتلال والمجتمع الدولي رفع الحصار فوراً عن قطاع غزة، وعلى الجهات الحكومية الاستمرار في الإجراءات الجادة والصارمة لضمان سلامة المجتمع والتعويض عن تباطؤ عجلة الاقتصاد الوطني بدعم المواطنين من خلال رزم دعم اقتصادي عاجل لكافة القطاعات والعمال حتى انتهاء الأزمة الحالية.