الكورونا في قطاع غزة… سیاق مختلف و تحدیات إضافیة
بقلم: عمر شعبان
لم یكن قطاع غزة بحاجة لتحدي جدید یعمق من مأساته و واقعه الكارثي. قطاع غزة صغیر المساحة ب 200 میل مربع و سكانه 2 ملیون نسمة ، یعیش حصارا من 14 عاما، تعرض لثلاث حروب دامیة 2008 و2009 و 2012 و 2014 إضافة للعشرات من الاشتباكات القصیرة . یواجه تحدي الكورونا بإمكانیات ضعیفة وموارد محدودة جدا.
ففي الوقت الذي یقضي وباء كوفید 19 على آلاف الناس یومیا في انحاء العالم . بما فیھا الدول المتطورة والثریة جدا كالولایات المتحدة و أوروبا ، والتي تملك أنظمة صحیة تعتبر الأقوى في العالم، فكیف لقطاع غزة یواجھه ھذا الوباء؟. كیف یمكن ذلك حیث الاحتلال والحصار وغیاب شبكات الأمان المالیة والقدرة الاقتصادیةعلى محاربة تداعیات المرض التي طالت كافة جوانب الحیاة.
في التقریر الذي أصدرته الامم المتحدة عام 2012 أن قطاع غزة لن یكون صالحا للحیاة بحلول العام 2020 حسب معاییر الصحة والمیاة والتعلیم والعمل وغیرھا. یوجد في قطاع غزة معدل 6 أسرّة في المستشفیات لكل 10 الآف مواطن، مقارنة بأكثر من 33 سریرا لنفس العدد في إیطالیا، و 46 سریرا في سویسرا. بالإضافة إلى نقص الأسرّة، تبقى أرفف الصیدلیات داخل المستشفیات فارغة من الكثیر من الأدویة وحتى المحالیل الطبیة الأساسیة حیث یطلب من بعض المواطنین شراء حاجتھم من ھذه الأدویة من الصیدلیات خارج المستشفى لشحھا وعدم توفرھا للمواطنین. حتى أن الكادر الطبي من أطباء وممرضین وغیرھم محرومین من تلقي رواتبھم كاملة منذ سنوات عدیدة، كما تمنعھم القیود على السفر من تلقي التدریبات والسفر إلى الخارج إلا في حالات محدودة جدا.
لقد راقب سكان قطاع غزة ظھور كوفید 19 في العالم بمشاعر مختلطة من القلق و السخریة، ماذا یعني إغلاق الحدود بین الدول وھو محاصر من 14 عاما؟ ماذا یعني إغلاق المطارات و توقف حركة السفر في مطارات العالم وقطاع غزة لیس لدیه مطار و ممنوع من السفر من 14 عاما. مع إقتراب الوباء إلى منطقة الشرق الاوسط بما فیھا إسرائیل و أراضي السلطة الفلسطینیة، بدا أن ظروف قطاع غزة التي خلقھا الحصار و القیود على الدخول و الخروج و كأنه نعمة علیھم. أخیرا برز جانب إیجابي غیر مقصود بالمطلق لھذا الحصار.
بلغ عدد حالات الإصابة بمرض كورونا في فلسطین إلى 160 إصابة، 12 منھم في غزة من القادمین عبر معبر رفح مع مصر وحاجز بیت حانون (ایرز) مع إسرائیل. تم وضع الوافدین إلى غزة منذ منتصف شھر مارس في مراكز الحجر الصحي الإجباري و عددھا 35 مركزا لمدة 14 یوما.ً تعمل مراكز الحجر الصحي في المستشفیات والمدارس والعیادات بشكل أساسي في تعزیز خط الدفاع الأول ضد تفشي مرض الكورونا في غزة، لكنه یحتاج إلى امدادات متزایدة من شرائح الفحص، التي دخل منھا لغزة 1200 شریحة فحص فقط، وھي لا تكفي لإجراء الفحصوات اللازمة لضمان سلامة المغادرین للحجر الصحي ومتابعة حالة المصابین المتواجدین في المستشفى المیداني بالقرب من معبر رفح.
في ظل حالة الطوارئ التي أعلنھا الرئیس محمود عباس، والتي تم تمدیدھا لاستمرار اغلاق المؤسسات التعلیمیة وأماكن العبادة والأسواق التجاریة وبعض أسواق الخضار والتي تم الاستعاضة عنھا بتخصیص مناطق متفرقة في عدة أحیاء للتعویض عن اغلاق الأسواق المركزیة لبیع المواد الغذائیة الأساسیة. كما ولجأت الكثیر من الشركات ومؤسسات المجتمع المدني لإغلاق مكاتبھا بشكل جزئي أو كامل مع الانتقال للعمل من المنزل عبر الانترنت. مما شكل تحدیا آخر أمام شركات توزیع الكھرباء والانترنت لزیادة ساعات وصل الكھرباء وزیادة استیعاب شبكات الانترنت للتعامل مع الطلب الزائد نتیجة استعانة الموظفین والطلاب بالانترنت لأداء وظائفھم المعتادة. وأثرت حالة الطوارئ أیضا على قطاعات أخرى مثل قطاع المواصلات، الذي كان یعتمد في السابق على حركة الطلاب والموظفین بین المحافظات وداخلھا، والقطاع الخاص، الذي اضطر كثیر من مؤسساته الى الاستغناء عن الایادي العاملة أو تقلیص ساعات العمل بما یضمن استمرار عملھم والالتزام بالقرارات الحكومیة في نفس الوقت. ھذا ما زاد من سوء الأوضاع الاقتصادیة لدى الفلسطینیین في غزة، حیث زادت معدلات البطالة لدى الشباب عن 75 % قبل الأزمة الحالیة، مما یھدد مستقبلھم وینذر بتبعات خطیرة من ازدیاد معدلات الجریمة وتوجه العدید من الشباب للتطرف الدیني وغیره من المشاكل بعیدة الأثر.
لا زالت بعض مصانع المواد الاستھلاكیة في منقطة غزة الصناعیة على رأس عملھا، بعض المصانع ضاعفت من طاقة إنتاجھا من المستلزمات الوقایة الطبیة، على سبیل المثال ، یوفر مصنع محلي اغلب احتیاج المستشفیات ومراكز الحجر الصحي من كمامات وبدل واقیة للكوادر الطبیة والمرضى. بل أن ھذه المصنع في قطاع غزة قام بتصدیر كمیات كبیرة من الكمامات و الالبسة الوقائیة إلى إسرائیل. ھذه المصنع و غیره یعتمد بشكل كلي إستیراد مدخلات الانتاج من و خلال إسرائیل .
كما رأینا في الكثیر من الدول، كانت الموجة الأولى للفیروس محصورة في حالات وافدة من الخارج، وصلتھم العدوى عن طریق الاختلاط بمن یحملون المرض من الدول التي أتوا منھا. إن خروج العدوى من مراكز الحجر الصحي عبر اختلاطھم باخرین من المجتمع سیكون له تداعیات خطیرة غیر قابلة للسیطرة إذا أخذنا ظروف قطاع غزة في الاعتبار. یعاني قطاع غزة من عدم توفر أجھزة التنفس الصناعي التي یمكنھا انقاذ أرواح المرضى عبر مساندة وظائف الجھاز التنفسي التي یضربھا المرض في اخطر مراحلھ. ویبلغ عدد تلك الأجھزة الموجودة في غزة 62 جھازا، منھا فقط 20 جھازا غیر مستخدم بالفعل من قبل مرضى آخرین من غیر المصابین بمرض فیروس كورونا، وبعض الأجھزة غیر الصالحة للاستخدام لعطلھا وحاجتھا لقطع غیار غیر متوفرة.
قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس منذ 14 عاما , ھي تنظیم في حالة عداء مع الجار إسرائیل و في حالة خصومة أیدولوجیة مع مصر التي تعتبر حركة حماس و الاخوان المسلمین حركات إرھابیة. وفي حالة إنقسام . سیاسي و برامجي مع السلطة الفلسطینیة . كیف لثلاث أعداء أن یواجھوا عدو جدید مشترك ھو كوفید 19 غزة تعتمده بشكل شبه كامل على ثلاث معابر ھي معبر إیرز مع إسرائیل و ھو مخصص لحركة الافراد و Karem Shalom crossing معبر كرم ابو سالم مع إسرائیل و ھو مخصص لدخول الواردات و خروج الصادرات ومعبر رفح مع سیناء/مصر و ھو مخصص للأفراد.
كیف لھذا القطاع الفقیر و المحاصر من مواجھة كوفید 19 ؟ ھل ستنجح السلطات في غزة في منع تفشي المرض خارج مراكز الحجر؟ وھل ستوفر الجھات المھنیة وتتحمل كافة الجھات مسؤولیاتھا المختلفة تجاه سكان قطاع غزة؟ وما مصیر معدومي الدخل والمسافرین الفلسطینیین العالقین خارج البلاد ممن فقدوا وظائفھم ومصادر دخلھم بسبب الأزمة العالمیة؟ ھل یبدوا التباعد الاجتماعي حلا منطقیا قابلا للتنفیذ حیث یتكدس 2 ؟ ملیون مواطن في بقعة جغرافیة لا تتجاوز مساحتھا 365 كم 2 تدرك إسرائیل جیدا أن تفشي الوباء في قطاع غزة یشكل كابوسا مروعا لھا بسبب التداخل و القرب الجغرافي مع قطاع غزة و مسؤلیتھا عنه طبقا لمعاھدات جنیف التي تلزم القوة المحتلة برعایة الناس تحت سیطرتھا .
صحیح أن إسرائیل سحبت قواتھا من داخل قطاع غزة في العام 2005 ، إلأ أنھا مازالت تتحكم في الجو و البر و البحر. كوفید 19 یعید تشكیل الاولویات بین الثلات جھات / حماس و إسرائیل و السلطة الفلسطینیة التي كانت في حالة خصام، أجبر كوفید 19 الاطراف الثلاثة على توحید جھودھا علنیا و سریا لمواجھة عدو جدید مشترك. الخلاف السیاسي تنحى جانبا لمصلحة مواجھة التحدي الجدید.
ھل كنا بحاجة لكوفید 19 كي یدرك السیاسیون و متخذي القرار أن سیاسة الحصار و التجییش و العداء لیست صالحة؟ في العام 2007 مع فرض فرض الحصار على قطاع غزة الذي جاء بعید سیطرة حرك حماس على مقالید الحكم في غزة ، منع دخول مواد البناء إلى قطاع غزة و إنسحبت العدید من المؤسسات الدولیة مثل من العمل في قطاع غزة، تدھور الوضع الصحي و إنتشر التلوث في البر و USAID الوكالة الامریكیة للتنمیة البحر بسبب توقف مشاریع معالجة المیاه العادمة. مع وصول التلوث البحري إلى شواطئ إسرائیل، إضطرت الحكومة الاسرائیلیة إلى السماح بدخول المواد الخام اللازمة وكذلك السماح لبعض المشاریع في مجال معالجة المیاه العادمة كي تمنع میاه المجاري غیر المعالجة، بسبب توقف المشاریع إلى شواطئھا.
الحصار قد یمنع دخول الافراد و تھریب السلاح والمخدرات ، لكنه بالمطلق لن یمنع دخول التطرف و التلوث والوباء. ھذه الامراض الفتاكة لا تعترف بالحدود و لا تتوقف على المعابر و لا تمیز بین فرد و أخر. فھي تصیب الجمیع. مواجھتھا تتطلب تكاتف الخصوم قبل الاصدقاء.
كوفید 19 الذي خلق واقع جدید أجبر ثلاث سلطات متخاصمة على التعاون حالیا، سیكون لھا تداعیات مستقبلیة أیضا، في تقییمي ان سیاسة التجییش و تخصیص الموازنات للحرب المعمول بھا سابقا ستتغیر ، ستدرك ھذه الجھات ان دعم الجھود الصحیة لا یقل أھمیة عن الجھود في المجالات الاخرى. كذلك ستدرك ان تحقیق الامن لایمكن أن یتم دون رفع الحصار و القیود و تعزیز التعاون و التنسیق.