‘بال ثينك’ تنظم ندوة سياسية بعنوان ‘توجهات الخليج نحو القضية الفلسطينية – وجهة نظر من الخليج’
نظمت مؤسسة “بال ثينك” للدراسات الاستراتيجية ندوة سياسية بعنوان: “قراءة في توجهات الخليج نحو القضية الفلسطينية – وجهة نظر من الخليج”، استضافت خلالها البروفيسور الكويتي عبد الهادي العجمي.
وحضر الندوة السياسية الرقمية التي أدارها أ. عمر شعبان مدير مؤسسة “بال ثينك” للدراسات الاستراتيجية نخبة من أساتذة الجامعات، ولفيف من الباحثين، وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني من داخل فلسطين وخارجها، يأتي ذلك ضمن جهود “بال ثينك” المستمرة لتعزيز النقاش في القضايا المحلية والإقليمية.
وقال أ. عمر شعبان مدير مؤسسة “بال ثينك” للدراسات الاستراتيجية في معرض افتتاح الندوة السياسية “إنَّ اللقاء السياسي مع البروفيسور العجمي يهدف لتعزيز دور العقل وأسس النقاش العلمي حول القضايا العامة والتحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية”.
وأضاف أ. عمر شعبان: “أنَّ الندوة السياسية المتخصصة تهدف لفهم سياسي عميق لتوجهات الدول الخليجية تجاه القضية الفلسطينية، وهي محاولة لاستشراف الفرص والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية”، مشيراً إلى انَّ الندوات السياسية واستضافة المختصين تعزز من مبادئ مؤسسة بال ثينك الهادفة للتفاكر والبحث بشكل مستقل”.
وشدد الدكتور شعبان على ضرورة التحلي بالخطاب العقلاني الرشيد في مخاطبة الشعوب، وعدم الانجرار لأي ردات فعلٍ غير محسوبة النتائج.
من “اللاءات الثلاث” إلى التطبيع!
ويرى البروفيسور عبدالهادي العجمي أنَّ مسارات وأحداثٍ وتراكمات تاريخية منذ الثمانينات ساهمتْ في تفكك وتشرذم الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية، مثل توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، وغزو العراق عام 2003 الذي أفقد منظمة التحرير جزءًا من تحالفاتها وعلاقاتها في المنطقة.
وأوضح العجمي أنَّ مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي تطور بعد سلسلة من الأزمات العربية والفلسطينية، وصولاً إلى إطلاق الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود “المبادرة العربية” للسلام عام 2002، والتي ترتكز على مبدأ انسحاب “إسرائيل” من الأراضي العربية المحتلة في مقابل تحرك الدول العربية نحو اقامة سلام مع “إسرائيل”.
وأشار العجمي إلى أنَّ الاحتلال الإسرائيلي لم يستجب بشكل فعلي وعملي للمبادرة العربية، قائلاً: “المشكلة الحقيقية التي يواجهها العرب هي أن الإسرائيليين لا يستجيبون على أرض الواقع للقرارات الدولية أو للمبادرات العربية أو الاتفاقيات مع الفلسطينيين، إذ أنَّ الحكومات الإسرائيلية تمتهنْ التسويف، والتلاعب، وتتهرب بطرقٍ عديدة من الالتزامات والقرارات”.
وذكر العجمي أنَّ “مبادرة السلام” التي أطلقها الملك عبدالله شكلت تحولاً جوهرياً في الموقف الرسمي العربي تجاه الاحتلال الإسرائيلي، إذ أنَّ الأنظمة العربية أصبحت مُقرة من حيث المبدأ بنيتها التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؛ لكن في مقابل إعطاء الفلسطينيين جزء من حقوقهم.
وشدد على أنَّ فكرة ومبدأ التطبيع مع الاحتلال تأسست ووُضعتْ بشكل واضح وجلي في مبادرة الملك عبدالله للسلام، ومثلت حينها الحد الأدنى بالنسبة للأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان.
انهيارات استراتيجية!
وذكر أنَّ اندلاع “الثورات العربية” في العقد الأخير وسقوط أنظمة وتماسك أخرى حاز على اهتمام الشارع العربي، كما أنَّ العنف الذي مارسته بعض الأنظمة أدى لمفاضلة في بعض الذهنيات العربية بين العدو التقليدي المتمثل في الاحتلال لإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية التي قتلت مئات الآلاف من مواطنيها مقابل أن تبقى في سدة الحكم، وصارت تلك العقليات ترى أن حكام العرب أقسى عليهم من الإسرائيليين، وهو ما أدى لتقبل بعضهم لفكرة التطبيع.
ترتيب المنطقة وانتخابات ترامب
ويرى البروفيسور العجمي أن الأمريكيين والإسرائيليين أعادوا ترتيب المنطقة العربية لصالحهم، وجعلوها في حالةٍ أضعف مما كانتْ عليه في الثمانينات والتسعينيات، مشيراً إلى أنَّ الحالة العربية تعاني من ضعفٍ كبيرٍ كلما تقدمت بها السنين، مبدياً قلقه من أن يكون الوضع الحالي أفضل مما ستؤول عليه الأوضاع في السنوات العشر المقبلة.
ويرى العجمي أن اتفاق الامارات والبحرين ليس تطبيعا مع “إسرائيل” بقدر ما أنه اتفاقاً تطبيعاً مع الولايات المتحدة، وتحديداً اتفاقاً لخدمة مصالح “ترامب” الانتخابية. واعتبر العجمي أن التطبيع هو خدمة من الأنظمة الخليجية لدونالد ترامب الذي سيواجه خلال الشهور المقبلة انتخابات رئاسية، على اعتقادٍ من تلك الأنظمة أنَّ تقديم أي منجز يرفع من حظوظ دونالد ترامب الانتخابية، ونجاحه بدورة رئاسية ثانية سيصبُ في مصلحتهم.
قطر الأولى خليجياً وعُمان الأكثر جرأة
وذكر البروفيسور عبدالهادي أن دولة قطر تأتي في المرتبة الأولى خليجياً في التواصل والمحادثات مع “إسرائيل” من الناحية التاريخية، قائلاً: “قطر في مرحلة مبكرة أرادت أن يكون لها ثقل سياسي في المنطقة، فوجدت أنَّ تطوير العلاقة مع الإسرائيليين عبر مكاتب تمثيل أو ما إلى ذلك، يمكنْ أن يمنحها تلك فرصة للعب دور أساسي في المنطقة”.
وأشار إلى انَّ سلطنة عُمان تأتي في المرتبة الثانية خليجياً من ناحية التواصل والعلاقة مع الإسرائيليين، لافتاً إلى أنَّ الموقف العُماني شكل صدمة كبيرة للمراقبين، إذ أنَّ زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لسلطنة عُمان واستقباله من قبل السلطان قابوس كان فيه جرأة غير عادية، مبدياً استغرابه من ردِ وزير الخارجية العماني عندما سُئِلَ عن حثيثات زيارة نتنياهو إلى مسقط وتداعياتها، فردَّ حينها قائلاً: “من حقنا أن نتواصل مع الجميع!”.
الإمارات تتذرع والبحرين “لا تبالي كثيراً”
وعن الإمارات، أوضح أنَّها تذرعت بالهرولة نحو التطبيع مع “إسرائيل” لتحقيق مصلحة للفلسطينيين، وأنها تمكنت مقابل الاتفاق وقف الضم الاسرائيلي لأراضي الضفة المحتلة، وهو ما نفاه مسؤولون إسرائيليون.
وفيما يتعلق بالبحرين، أشار إلى انَّ موقفهم من التطبيع كان مؤسفاً وخطيراً للغاية، إذ لم يأتوا على ذكر القضية الفلسطينية مطلقاً، قائلاً: “إذا كانت الإمارات تذرعت لإبرام الاتفاق بأنها تهدف من ورائه لتحقيق مصلحة فلسطينية، وذلك لامتصاص غضب الشعوب، فإن البحرين لم تأتِ على ذكر القضية الفلسطينية مطلقاً”.
حسابات الرياض الحذرة
وعن العلاقات السعودية – الإسرائيلي، ذكر أنَّ المواقف الرسمية المعلنة للرياض توحي بأنها لا تزال تتمسك بالمبادرة العربية شرطاً للتطبيع مع الكيان، مستدلاً على ذلك بتصريحات للأمير السعودي تركي الفيصل، الذي قال في أعقاب تطبيع الإمارات والبحرين: “ترامب لم يكن صادقًا بشأن قضية الدولة الفلسطينية لذلك هو وسيط غير نزيه (..) واعتقد أن الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود سيكون محبطاً وغاضباً للغاية من تطبيع الإمارات والبحرين دون ايجاد حل للفلسطينيين”، مشيراً إلى أنه على الرغم من الموقف الإيجابي من قبل الأمير تركي الفيصل؛ إلا أنه مرَّ على القضية مروراً سريعاً لاعتبارات سياسية كثيرة.
وأوضح العجمي “أن مرور الطائرات الاسرائيلية عبر الأجواء السعودية خطوة مهمة تصب في صالح الإسرائيليين وصالح رؤية التطبيع”.
الكويت وضريبة الصمود!
وعن موقف الكويت الرافض للتطبيع، قال: “إن الحكومة الكويتية ترفض أي وجه من أوجه التطبيع، كون التطبيع يتنافى مع الرغبة والإرادة الشعبية الكويتية (..) في الأيام الأخيرة ومع اشتداد حمى التطبيع في المنطقة تعاملت الحكومة الكويتية بذكاء، فعندما طلب ترامب تكريم الشيخ صباح الاحمد الصباح بوسام الاستحقاق العسكري، أرسلت الحكومة الشيخ ناصر صباح الأحمد، واعتقد أن الأمر فيه ذكاء سياسي كون الشيخ ناصر لا يملك منصباً حكومياً يمكن أن يستغله ترامب لصالحه”.
وأضاف: “على الرغم من أن الشيخ ناصر صباح الأحمد لا يملك أي منصبٍ حكوميٍ، إلا أنَّ ترامب أراد استغلال ذلك اللقاء إعلامياً، إذ خرج للإعلام وقال “إنه تبادل وجهات النظر مع الأمير ناصر، وأن الأخير بدا متحمساً للتطبيع”، وهو ما نفته الحكومة الكويتية جملة وتفصيلا.
ويرى العجمي أن هناك من يلعب على وتر ضرورة أنْ تكون الكويت في مقدمة الدول المطبعة بسبب عاملين مهمين وهما، العامل الاول أنْ الكويت حررها الأمريكان من العراق في حرب الخليج عام 1991، فهي مَدِينةٌ للأمريكان من وجهة نظرهم، والعامل الثاني يتمثل في موقف منظمة التحرير الفلسطينية التاريخي من الغزو العراقي للكويت عام 1990.
ويرى البروفيسور العجمي أن الكويت تتجاوز العاملين الخطيرين من خلال إصرارها على مبادئها السياسية الأصيلة، مبينًا أن المجتمع الكويتي من أكثر مجتمعات الخليج العربي تأثيراً على مواقف حكومته.
وقال: “الحكومة الكويتية لن تتجاوز مواقف الشعب الكويتي؛ كون أصحاب القرار في الكويت يدركون جيداً أنَّ القضية الفلسطينية هي قضية ثابتة وأولوية بالنسبة للكويتيين، إضافة إلى أن المشهد الكويتي مقبل على انتخابات مجلس الأمة في شهر نوفمبر، فلن يجرؤ أي نائب على الحديث عن القضية الفلسطينية أو أنْ يمسها بسوء”.
ويرى العجمي أنْ الكويت قد تعاني كثيرًا بسبب تمسكها بمبادئها الأصيلة من القضية الفلسطينية، غير أنه لم يستبعد تراجع الكويت في مرحلة من المراحل إذا ما تعرضت لضغوطات شديدة، لاسيما في حال فوز دونالد ترامب في ولاية رئاسية ثانية، متوقعاً تغير الأحوال حال خسارة ترامب وفوز منافسه الديمقراطي جو بايدن.
عاملان مهمان
وعلى الرغم من الاستعراض التاريخي للمراحل الصعبة التي مرتْ بها القضية الفلسطينية وصولاً إلى تطبيع أنظمة خليجية مع الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه يرى أنْ ثمة عوامل مهمة في تلك المعادلة الصعبة على القضية، أولها الصمود الفلسطيني، قائلاً “الصمود الفلسطيني عامل مهم في تلك المعادلة، وهو عامل ينمو مع الزمن”.
وذكر أن ثاني العوامل المهمة في المعادلة الصعبة الحالية، هو “تعاظم التأييد العالمي للقضية الفلسطينية على أساس أنها قضية إنسانية”.
كسب الشعوب والحذر من المكيدة
وحذر البروفيسور العجمي من تسويق التطبيع مع الاحتلال داخل الحواضن الشعبية الخليجية الرافضة لتبني مواقف حكوماتهم، عبر إذكاء نار الفتنة بين الفلسطينيين والشعوب الخليجية من خلال تبادل الشتائم، وعبارات التخوين، وحرق أعلام وصور رموز الدول.
وأشار إلى أنَّ هناك من سوَّقَ في الخليج العربي صورتين سلبيتين عن الفلسطينيين، الأولى تتمثل في فساد منظمة التحرير، وتركها مقاومة الاحتلال لصالح مكاسب شخصية لأفرادها، والصورة الثانية التي يتلقاها المواطن الخليجي تتمثل في إظهار حركة (حماس) أنها أحد أذرع إيران الخبيثة في المنطقة.
ودعا إلى كسب ودِ الشارع الخليجي عبر الخطاب الذي يحض على التعاضد والتكاتف من أجل قضية الأمة، والتذكير بمواقف الشعوب العربية وجهادها ومقاومتها في إطار الذود عن القضية الفلسطينية، ناصحاً الفلسطينيين بضرورة الابتعاد -قدر الإمكان- عن التصرفات العشوائية التي قد تزيد من حالة التشرذم العربي.
وقال: صناعة الرأي العام أصبح أمراً بغاية السهولة، وأخشى ما أخشاه تسويق التطبيع مع الاحتلال داخل المنظومات الشعبية الخليجية الرافضة لتبني مواقف حكوماتهم، من خلال استغلال ثغرات ردات الفعل من قبل الفلسطينيين، مثل استغلال حرق الأعلام، ورموز الدول، لتعزيز خطاب الكراهية بين الشعب الفلسطيني والشعوب الخليجية.