بال ثينك تعقد لقاء حواري بعنوان “الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل”
في إطار التفاكر المعرفي، والجهود التي تبذلها “بال ثينك للدراسات الاستراتيجية” لمناقشة الإشكاليات والأزمات الفلسطينية، خصصت “بال ثينك” لقاء حواري لمناقشة الحق في التعليم بالشراكة مع مؤسسة (IFA) الألمانية حملت عنوان “الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل”، ضمن مشروع “أكاديمية بال ثينك للديمقراطية وحقوق الانسان” بحضور العشرات من نخبة الحقوقيين والخبراء والباحثين وممثلي المجتمع المدني من داخل قطاع غزة وخارجه.
وافتتح الجلسة مدير المؤسسة عمر شعبان بالترحيب بالحضور وبتهنئتهم بقدوم عيد الأضحى المبارك، وقال: “بال ثينك مؤسسة فلسطينية مستقلة قولًا وفعلًا تسعى دائما لإحداث تغيير في المجتمع للنهوض به على مختلف الأصعدة بمواردنا المحدودة، من خلال طرح ومناقشة أفكار جديدة واستضافة خبراء جدد من قطاع غزة وخارجه”. وأشار إلى موضوع الجلسة قديم وجديد في آن واحد، لكن يجب تناوله من زوايا جديدة، خاصة وأن هناك 86 ألف طالب توجيهي هذا العام فقد، يحتاجون على الأقل 40 ألف وظيفة و40 ألف شقة، متسائلًا “كم متوفر من ذلك؟”. واختتم بالقول: “البطالة أم الشرور وهي سبب كل الجرائم كونها تمحي كينونة الإنسان، وصناع القرار هم المسؤولون عن الواقع القائم بجانب الاحتلال وحصاره الخانق وحروبه المستمرة على القطاع”.
بدوره، قال أ. بهجت الحلو، منسق التوعية والتدريب في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إن حقوق العمل والتعليم في فلسطين تتراجع بشكل مستمر رغم أن معظم نصوص المواثيق الدولية تتحدث عنهما، ورغم أن الأمم المتحدة أدرجت التعليم ضمن أهدافها للتنمية لعام 2030. وأوضح أن هناك عدة معايير يجب أن تتحقق في الحق في التعليم مثل: إمكانية الوصول الجغرافي والمادي للتعليم، ونبذ التمييز، وموائمة المباني التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة، والتكيف مع العملية التربوية. وأضاف الحلو أن “القرار بقانون الذي منح التربية والتعليم حق جمع التبرعات في المدارس، يعد انتهاكًا خطيرًا لمبدأ مجانية التعليم؛ فأصبحت المدارس تجبي أموالًا تحت مصطلح التبرعات”. وبين أن الموازنة الرسمية الكافية غابت عن تسع جامعات حكومية تستوعب 79% من الطلبة، وأن نسبة 17% فقط من الميزانية مخصصة للتطوير التربوي: 87% منها رواتب وأجور. وشدد على أن الحق في العمل من الحقوق المنتهكة بشكل واسع النطاق بين أوساط الشباب، وأوصى الحلو بضرورة مناهضة التمييز وإيجاد موازنات فاعلة، ولفت انتباه صناع القرار ليأخذوا باعتبارهم بيانات العاطلين العمل غير المصنفة إحصائيًا.
من جهته، قال الباحث في الشأن الاقتصادي د.عبد الله أبو الهنود أن عدد خريجي مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية عام 2019م، بلغ 42 ألف خريج/ة، وفي المقابل يستوعب السوق الفلسطيني المحلي سنوياً معدل 8آلاف فرصة عمل من الخريجين، نتج عن ذلك مغادرة الكثيرون سوق العمل لفقدهم الامل في الحصول على فرصة، وأن هناك 83% من الشباب يعملون في الاقتصاد الغير منظم، و 54%من العمالة في غزة غير منظمة.
وأوضح أن السياسات الإسرائيلية عملت على خلق تشوهات عديدة في الاقتصاد الفلسطيني كان من نتائجها ضعف مقدرته على استيعاب القوى العاملة – أو ما يسمى ضعف القدرة الاستيعابية للاقتصاد الفلسطيني، ولقد برزت هذه المشكلة وازدادت عمقاً مع سنوات الانقسام فأصبح الاقتصاد الفلسطيني بشكل عام وسوق العمل فيه بشكل خاص يعاني من ضعف هيكلي وهشاشة قدرة محدودة على الصمود في مواجهة تدابير الاحتلال الاغلاق والحصار والحروب وحجز اموال السلطة من جانب وافرازات الانقسام الفلسطيني وغياب الحكومة المركزية من جانب اخر.
وبين أن سوق العمل الفلسطيني أصبح يصنف انه من ضمن أسوء الاسواق اداء في العالم حيث بلغت نسبة العمالة الي السكان (مؤشر لرصد قوة الاقتصاد لتوليد الوظائف) 33.1% وهو ثاني ادني معدل على مستوي العالم. مع التأكيد ان سوق العمل في قطاع غزة يصنف على انه الأسوء عالميا ب 18% العمالة الي السكان.
وأضاف: أن فئة الشباب الخريجين الذين يحملون مؤهل علمي دبلوم متوسط فأعلى الأكثر معاناة من البطالة حيث بلغ معدل البطالة بين الشباب (19-29) سنة الخريجين من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى 53% (ويشكلون ما نسبتهم 27% من اجمالي المتعطلين عن العمل)، أما على مستوى الجنس فقد بلغ 66% للإناث مقابل 39% بين الذكور، أما على مستوى المنطقة فقد بلغ معدل البطالة للشباب الخريجين في الضفة الغربية 36% مقابل 74% في قطاع غزة. وهذا يوضح مدي هشاشة الاقتصاد بشكل عام والقطاع الخاص بشكل خاص وعدم قدرته على توليد فرص عمل كافية للأعداد المتزايدة من الباحثين عن العمل.
أما د. محمود عساف، أ. التخطيط التربوي المساعد، فقال إن مؤسسات التعليم العالي تبذل جهودًا متواضعة لتحقيق التنمية، إلا أن حالة التنافس “غير الشريفة” تُخرّج طلبة غير مبدعين يبحثون فقط على الحصول على شهادة جامعية دون خبرة علمية وعملية حقيقية. وبين أن الدول تستثمر في التعليم العالي ليعود بعائد مالي على الدولة في المستقبل، أو لأنه مهم للأمن القومي، وبعض الأشخاص يتجهون للحصول على شهادات عليا ليكونوا ذا قيمة اجتماعية، أما هدف التعليم العالي في غزة فهو هلامي وغير معروف.
وأضاف عساف: “الجميع شركاء في هذه الحالة بدءًا من المسؤول مرورًا بمؤسسات التعليم العالي وأساتذة الجامعات وصولًا إلى الطلبة، وهذا ما شجع الجامعات على ممارسة سياسة التقشف على حساب جودة التعليم”. وأوصى الجامعات بضرورة إعادة النظر في سياسة قبول الطلبة، ووزارة التربية والتعليم بتشديد اختيار الطاقم التدريسي الجامعي، والحكومة بتمويل التعليم التقني لفترة زمنية معينة لتشجيع الإقبال عليه.
وخلال الكلمة الختامية، قالت أ. ولاء الحايك، منسقة مشاريع جمعية الخريجات الجامعيات في قطاع غزة، إن حاضنات الأعمال أداة مهمة لتطوير الأفكار الريادية وتساهم في إنشاء المشاريع الصغيرة التي تنشر المعرفة وتحارب البطالة وتوفر فرص عمل حقيقية خاصة للمهمشين. وأوضحت أن فلسطين تضم ست حاضنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، تعمل على استضافة المشاريع الصغيرة لتأهيلها للانطلاق إلى السوق. وأكدت على أهمية الحاضنات في المجتمع كونها تحارب البطالة وتحسن جودة الحياة وتدرب الأيدي العاملة وترفع الرفاهية وتقلل الجريمة.
هذا ودارات مداخلات الحضور حول أثر الانقسام على اتساع الفجوة بين التعليم العالي وسوق العمل، وأثر انخفاض نسبة تمويل تطوير جودة التعليم على ازدياد معدل البطالة، وعواقب سوء إدارة الجامعات على سوق العمل، وخطورة تسليع التعليم الجامعي، واهتمام الجامعات لعدد الطلاب على حساب جودة التعليم المقدم لهم في ضوء التقدم العلمي الهائل ودخول العالم الثورة الصناعية الرابعة.