بناء ميناء بحري في قطاع غزة: الآفاق والتحديات والفرص
بقلم عمر شعبان
إن ميناءً بحريًا في غزة لن يشكل قفزة اقتصادية وتنموية ضرورية لفلسطين فحسب، بل سيكون تعبيرًا عن وحدتها وسيادتها، ولتحقيق ذلك، هناك العديد من الخيارات المتاحة، ولكل منها مجموعة فريدة من التحديات والفرص.
قد يبدو الحديث عن ميناء غزة البحري في ظل الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالقضية الفلسطينية على المستوى الداخلي والدولي، غير واقعي، لا سيما وأن إنشاء أي ميناء لا يخضع للاعتبارات الاقتصادية بقدر ما يخضع للأبعاد السياسية والأمنية، وعلى رأسها مسألة السيادة الفلسطينية في ظل الانقسام الداخلي وتوقف عملية المفاوضات بين إسرائيل وفلسطين، كما أن القيود المفروضة على التنمية الاقتصادية تمنع معظم الأطراف الدوليين وحتى الفلسطينيين والقطاع الخاص منهم من ضخ الأموال في القطاعات الإنتاجية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية.
لن تنفكَّ أفضلُ خطط التنمية الموضوعة، خصوصًا في قطاع غزة، تفشلُ ما دام الفلسطينيون محرومين من الوصول إلى أرضهم ومواردهم الطبيعية، وممنوعين من تشييد موانئ لمزاولة النزر اليسير من الأنشطة التجارية والاقتصادية، خصوصًا بما أن الأطراف الدولية لم تنشغل بمعالجة القيود التي تفرضها دولة الاحتلال بقدر اهتمامها في التعامل مع تداعيات العنف المتكرر بين إسرائيل وغزة أو الضفة الغربية من خلال محاولات تبريد الأجواء وضخ أموال المساعدات الإنسانية، أو إعادة الإعمار من خلال آليات غير مباشرة وبطيئة ومكلفة لتفادي مشاركة حماس أو التعامل معها -ما يتيح لإسرائيل منع دخول المواد والمعدات إلى غزة- أو عبر ما يُسمى آلية إعادة إعمار غزة التي تقودها الأمم المتحدة منذ العام 2014، والتي تمنح إسرائيل حق الفيتو الأمني على أي سلعة، ولذلك أصبحت التنمية الاقتصادية رهينة المخاوف الأمنية الإسرائيلية، بغض النظر عن آثارها على صحة سكان غزة ورفاهيتهم.
وباتت التعقيدات الإسرائيلية المفروضة، وآثارها الاقتصادية المتزايدة، عقبة ملحة يواجهها العالم، تتطلب تحركًا سريعًا، وإعادة سردية النظرة السياسية بما يشمل عودة الحديث عن الميناء، والاستعاضة عن الآلية القديمة بأخرى تجمع أصحاب المصلحة الكبار وتؤكد على ملكية الفلسطينيين للعملية، الذين لا يعانون أبدًا من نقص الأفكار حول كيفية استثمار الموارد المتاحة لديهم، وإن كانت محدودة، وخلق رؤية إنمائية، مردفةً بأفق زماني فيما يتعلق بالأراضي التي يُديروها لتسهيل حياتهم وتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
في سياق تلك الظروف الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، يفترض إعادة الحديث عن ممكنات تشيد الميناء باعتباره من الروافد الاقتصادية في ظل غيمة الحلول الاقتصادية التي تلوح في الأفاق، لأن الفلسطينيين يحتاجون إلى ما هو أكثر بكثير من المساعدات الإنسانية لتحقيق الاستقرار على المدى البعيد؛ فهم بحاجةٍ إلى خطةٍ إنمائيةٍ مستدامة، والقدرة على التجارة، وفرص عملٍ، ومعالجة الأضرار البيئية التي تسببت بها عمليات القصف الإسرائيلية المتعاقبة، ناهيك عن المشاكل المتعلقة بمياه الشرب وخدمات الصرف الصحي.
من فكرة مقبولة إلى إنشاء متعطل
ينظر الفلسطينيون إلى إنشاء ميناء في غزة كأحد مقومات الاستقلال الوطني على طريق إقامة الدولة الفلسطينية، وهو أيضًا يشكل رافعة اقتصادية هامة، لأن غزة بحاجة إلى وسائل للنقل من أجل الاستيراد والتصدير، ويتمثل الطموح السياسي للفلسطينيين أساسًا في السيادة والاستقلال وتحسين الأوضاع المعيشية، فالعامل الرئيس لإنشاء ميناء هو “سياسي/اقتصادي”، حيث سيحقق الميناء الفلسطيني خدمات لكل الفلسطينيين بمختلف المحافظات، وسيخدم الأراضي الفلسطينية ككل، وسيكون متصلًا بشبكة الموانئ والمعابر البرية الأخرى، وهذا يفرض دراسة الاحتياجات الفلسطينية في إنشاء الميناء للنقل التجاري والإنساني.
وكان في غزة قبل العام 1967 ميناء تصدر وتستور منه ما تحتاجه، كما أن مسألة بناء ميناء ومطار في غزة، طُرحت في عملية التسوية، في اتفاق أسلوا سنة 1993 واتفاق شرم الشيخ سنة 1999، حيث اتُفق على البدء في عملية التنفيذ عبر اتفاقية شرم الشيخ الموقعة في سبتمبر/ أيلول سنة 1999.
وبالرغم من تعدد المقترحات المطروحة، لم تبد إسرائيل طوال السنوات الماضية أي موافقة رسمية على إقامة ميناء بغزة سوى في الاتفاقات الموقعة في أوسلوا 1993، وشرم الشيخ 1999. تلت هذه الاتفاقات إجراءات ومراسيم حكومية لتنظيم إنشاء الميناء وإدارته، حيث أُنشأت سلطة الموانئ البحرية الفلسطينية بموجب القرار الرئاسي رقم (47) لسنة 1999م، ثم أُصدر المرسوم الرئاسي رقم (1) بتاريخ 30 أبريل/ نيسان سنة 2000 لإنشاء ميناء في غزة يتبع لسلطة الموانئ البحرية، التي تتمثل مهامها في توفير نظام نقل بحري في فلسطين ذي كفاءة وإمكانيات عالية من خلال إنشاء وإدارة وتشغيل المرافق البحرية بما في ذلك الموانئ البحرية التجارية والسياحية والصيد.
وفي مطلع العام 2000، باشرت السلطة الفلسطينية في بناء ميناء بحري صغير وسط مدينة غزة بتمويل أوروبي، لكن إسرائيل قصفت ودمرت موقع الميناء في الانتفاضة الثانية -بعد ثلاث أشهر فقط من بدء بنائه. ثم استأنفت السلطة الفلسطينية البناء بعد الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة على إثر “اتفاقية المعابر سنة 2005″، التي تضمّنت بندًا ينص على عدم تدمير الميناء مرة أخرى.
مع ذلك، أدى الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الثانية في العام 2006، وكذلك الانقسام الفلسطيني سنة 2007، عندما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة وتراجع نفوذ السلطة إلى محافظات الضفة الغربية، إلى وقف عملية التنمية الفلسطينية في شتى المجالات، ومن ضمنها بناء الميناء. وفي ضوء تردي الأوضاع الاقتصادية وتصاعد الصراع والاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة طوال تلك السنوات، عاد الحديث من جديد حول الميناء بغزة سواء على صعيد كسر الحصار، أو محاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع الذي يعاني معدلات بطالة غير مسبوقة، بلغت 50% سنة 2021، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وفي ضوء استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة منذ العام 2008، طالبت حركة “حماس” في مفاوضات وقف إطلاق النار أعقاب العدوان على غزة في العام 2014، بإقامة ميناء غزة، لكن إسرائيل رفضت الفكرة كليًا، حيث صرّح الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري لقناة الجزيرة: “الرد الإسرائيلي الذي تلقاه الوفد الفلسطيني من الجانب المصري لم يتضمن حديثًا عن الميناء التجاري الذي يطالب الفلسطينيون بتشييده، ولا عن المطار الذي يطالبون بتفعيله”، ومن ثم بدأ الحديث يتسع حول إعادة بناء الميناء بقطاع غزة، وبرزت مقترحات متعددة حول ذلك.
ويعتمد الرفض الإسرائيلي بالأساس على عنصر الأمن، رغم أن تحقيقه يتطلب خفض الصراع وتحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين وليس العكس، وكذلك سيعمل الرفض على الإبقاء على احتياج الفلسطينيين للموانئ الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالسلع الضخمة التي تتطلب موانئ كبرى لنقلها.
خيارات للمضي قدمًا
طُرحت مجموعة بدائل في الأوساط الأكاديمية والسياسية لإعادة تفعيل “ممر مائي” بقطاع غزة، حيث ترتبط مسألة ميناء غزة بالمعابر والمنافذ بالقطاع، سواء معبر رفح البري أو الميناء والمطار، ولكن في ضوء ما آلت إليه الأوضاع الفلسطينية والاعتبارات الإقليمية، بدأ الحديث يدور حول حلول بديلة لتوفير منفذ بحري لقطاع غزة كبديل لميناء غزة، فقد طُرحت فكرة إقامة جزيرة بحرية قباله ساحل غزة، لإقامة ميناء ومطار، وهي أساسًا من أفكار رئيس الموساد السابق، مئير داغان، وتبناها فيما بعد وزير النقل الإسرائيلي السابق يسرائيل كاتس.
غير أن الحكومة الإسرائيلية رفضت مقترح إنشاء ميناء أمام سواحل غزة في 5 أغسطس/ أب 2016، لدواعي أمنية، وجاء رد حركة حماس على ذلك على لسان نائب رئيس المكتب السياسي آنذاك إسماعيل هنية الذي وصف إنشاء ميناء بغزة “حق أصيل لشعبنا الفلسطيني،” وكان يجب تحقيقه بعد توقف العدوان في العام 2014.
في المقابل، أعلنت سلطة الموانئ التابعة للسلطة الفلسطينية أنها تدرس مقترحات باستخدام ميناء العريش كميناء مؤقت واستحداث خطوط نقل بحري بين ميناء العريش ومرفأ الصيادين بغزة، للاستغناء عن استخدام الموانئ الإسرائيلية التي تُكبّد السلطة الوطنية الفلسطينية تكاليف باهظة تؤثر سلبًا على تنمية وتطوير قطاع التجارة في المناطق الفلسطينية.
أعادت الحكومة الإسرائيلية مناقشة فكرة الميناء بعد توالي الأحداث الأمنية والسياسية والاقتصادية في غزة سنة 2018، حيث ناقش وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، أفيغدور ليبرمان، في زيارته إلى قبرص فكرة إنشاء جسر بحري من قبرص إلى غزة في21 يونيو/ حزيران 2018.
ثم توالت المقترحات، وكان منها “رؤية مكانية لمحافظات غزة”، والتي تركزت على معايير الاقتصاد بحلول العام 2050، وقد طرحت 70 مشروعًا تحفيزيًا من ضمنها فكرة “ميناء عائم”، من أجل مجابهة التحديات التي وردت في تقرير الأمم المتحدة (غزة غير صالحة للحياة بحلول عام 2020).
وبحسب سلطة الموانئ، فقد درست السلطة الفلسطينية كافة البدائل المطروحة، لكنها لم تعط أي تصريح رسمي بشأنها، علاوة على ذلك، لم يقدم صناع القرار تلك الطروحات بعرض رسمي. ونظرًا لواقع قطاع غزة الصغير جدًا (362 كلم مربع) والازدحام السكاني الهائل ومحدودية الأراضي الزراعية والتداعيات البيئية لبناء الميناء، يمكن مناقشة تلك المقترحات في أربعة أقسام رئيسة وهي: إنشاء ميناء في قطاع غزة، أو إنشاء خطوط بحرية، أو استئجار رصيف في ميناء موجود بالفعل، أو بناء جزيرة بحرية قبالة ساحل غزة.
يمكن بناء ميناء في غزة في وسط أو شمال أو جنوب القطاع، ويقبل الفلسطينيون إنشاء هذا الميناء أيًا كان موقعه ما دام يحقق المصالح الاقتصادية والسيادة البحرية، خاصة إذا أُعيد استئناف بناء الميناء المقرر في اتفاقات أوسلو سنة 1993 وشرم الشيخ سنة 1999، ويحظى هذا المقترح بقبول وتمويل دولي.
لا ترغب إسرائيل في إقامة الميناء أو تحريكه تحت ذرائعها الأمنية وتطورات الأوضاع السياسية الفلسطينية. وبالرغم من أن إقامة ميناء في الشمال يسهل القبضة الأمنية الإسرائيلية إلا أنه يسبب لها مشاكل بيئة، خاصة تآكل السواحل.
أما النسبة للخطوط البحرية، فهي خطوط سياسية أكثر منها اقتصادية، وهي حلول مؤقتة لا تحقق تنمية اقتصادية كالميناء، وبالرغم من تصفير المشاكل البيئة والجغرافية، إلا أنها بحاجة لموافقات دولية وضمانات أمنية، وقد طرحت إسرائيل فكرة خط قبرص-غزة البحري، حيث يُبنى الميناء في قبرص وتُنقل البضائع بالسفن إلى غزة، ما يعني موافقتها المبدئية لكن الفكرة لم تتحول إلى طرح سياسي بعد.
ولم تعترض حركة حماس أو السلطة الفلسطينية على إنشاء ممر بحري ما دام حلاً مؤقتًا لحين استئناف إنشاء الميناء البحري، وعلى صعيد مماثل، قدم مجلس رئيس الوزراء الفلسطيني مقترح لدراسة إمكانية إنشاء ممر بحري “بين ميناء غزة وأقرب ميناء تركي” برعاية وإشراف تركي.
أما بالنسبة لاستئجار رصيف بحري، فالخيارات هي إما في مصر أو في إسرائيل، ويظل هذا حلًا مؤقتًا بالأساس ولا يعالج الحاجة لإقامة ميناء بقطاع غزة وتوسعته ليشمل النقل التجاري والإنساني.
قد تقبل إسرائيل بتأجير رصيف في ميناء أسدود، لأنه يحقق متطلباتها الأمنية، وليس له أي أضرار بيئة أو جغرافية، فهو ميناء قائم، ولكنها لن تقبل بإدارته فلسطينيًا. علاوة على ذلك، لن يحقق الاستئجار التطلعات السياسية والاقتصادية الفلسطينية، وسيكون له رسوم نقل بري وبحري باهظة من خلال إسرائيل.
من ناحية أخرى، قد تُوافق مصر صاحبة المنفذ البري الوحيد مع غزة، والتي تتعاطى مع احتياجات غزة الإنسانية حاليًا مع المقترح الذي يحظى بقبول الفلسطينيين الذين درسوا المشروع سابقًا، ولن يتعارض مع تطلعاتهم، لأنه حل مؤقت، وسيحقق عوائد مادية للمصريين والفلسطينيين، وسيوفر تكاليف النقل المرتفعة من ميناء أسدود، بالإضافة لانعدام وجود مشاكل بيئة وجغرافية جديدة، فالميناء قائم بالفعل، أما الموقف الإسرائيلي، فقد يكون إيجابيًا ضمن ترتيبات دولية وأمنية، ولينجح المشروع يجب أن يكون هناك إجماع إقليمي وحل سياسي وموافقة من السلطة الفلسطينية.
تُعتبر فكرة بناء جزيرة في البحر أمام ساحل قطاع غزة لإقامة “الميناء والمطار”، من الناحية البيئة والجغرافية والتشغيلية، من أفضل الأفكار المطروحة، لكنها ذات تكاليف عالية جدًا، أضف إلى ذلك المعضلة السياسية والأمنية التي قد تفرضها إسرائيل، فالجزيرة ستكون في الأراضي الفلسطينية والتحكم التشغيلي والأمني إسرائيلي.
إن أي حل سيكون بحاجة إلى إقرار سياسي بين الأطراف الرئيسية وينتهي باتفاق دولي، لأن الميناء ليس مشروعًا اقتصاديًا فحسب، بل تعبيرًا عن السيادة الوطنية والإدارة الحكومية التشغيلية، فالسفن والناقلات تسير وفق أنظمة دولية، كـ”معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982″ و”المنظمة البحرية الدولية بشأن تسهيل حركة الملاحة البحرية الدولية (FAL) عام 1965″، و”منظمة الملاحة الدولية (IMO)”، وغيرها من الاتفاقات الدولية التي تحكم التجارة الدولية في البحار، والتي قد تؤهل الفلسطينيين لإدارة الميناء عالميًا. وما زالت سلطة الموانئ تتابع انضمام فلسطين منظمة الملاحة الدولية، بما يكفل تطوير وتنمية قطاع النقل البحري في المناطق الفلسطينية، وهو ما يطرح سؤالاً حول قدرة غزة على تشغيل الميناء دوليًا، في الوقت الذي قد ترفض فيه السلطة الفلسطينية أي مقترح من شأنه تأمين العيش المشترك بين غزة التي تحكمها حركة حماس وإسرائيل دون حل سياسي. وفي ضوء ذلك، يُظهر اختلاف الرؤى الفلسطينية كافة الأطراف عاجزة عن المضي قدمًا في إنشاء الميناء وتشغيله، وهو ما تحاول إسرائيل ترويجه دوليًا.
إقامة الميناء يحقق مصلحة الجميع
بشكل عام، تنشأ الموانئ البحرية بين الدول المتجاورة من خلال توافقات واتفاقات دولية، فمشروع الميناء ليست مسألة بناء وإما مسألة تشغيل، ولذلك، نظرًا للخصوصية الحالة الفلسطينية، فقد طُرحت مسألة الميناء والمطار ضمن الحل السياسي وخضعت لاتفاقات ثنائية. إن إعادة تفعيل تلك الاتفاقيات هو البديل الواقعي، خاصة وأن التمويل الأوروبي مرصود بالفعل، وتكلفة البناء لا تتجاوز الـ(200 مليون دولار)، مقارنة بالتكاليف العالية لإقامة ميناء عائم في البحر والتي تقدر بـ(7 إلى 10 مليار دولار). فمن سيتحمل تكاليف الإنشاء، في ضوء تراجع الدعم المالي للشعب الفلسطيني؟
إن المخاوف الأمنية، قد تكون مدخلًا لإعادة استئناف البناء، فبدون توفير المتطلبات الاقتصادية ستبقى الأوضاع السياسية متأزمة، وإعادة استئناف البناء أولوية فلسطينية لما يحققه الميناء من خفض تكاليف النقل المرتفعة، حيث يدخل إلى قطاع غزة حاليًا ما بين 700 إلى 1,000 شاحنة شهريًا، سيقلل الميناء الفلسطيني من تكاليف نقلها ويوفرها لصالح الاقتصاد الفلسطيني، فغزة تستورد كل متطلباتها واحتياجاتها من الخارج. وخفض تكاليف الاستيراد يدعم الاقتصاد من جهة، ويمنح فرص تشغيلية من جهة أخرى ما يمكن أن يحد من نسب البطالة المرتفعة، وبالتالي، سيُحدث إنشاء الميناء طفرة في الاقتصاد الفلسطيني ككل. وعليه، يبقى الحل سياسيًا بالأساس، لأن تعقيدات إسرائيل الأمنية تُفشل أي بديل مطروح، وأول محاولات إعادة استئناف إنشاء الميناء تبدأ بإعادة تفعيل الاتفاقيات الدولية، فهي الضامن لتشغيل الميناء دوليًا.
في ظل استمرار الأوضاع الحالية -الانقسام السياسي- يمكن الاعتماد على أحد الحلول المؤقتة برعاية أممية ودولية لمواجهة الرفض الإسرائيلي، والتي من شأنها تغير نمط التفكير السائد في السياسة الفلسطينية. إن “إقامة الميناء وتعظيم المكاسب الاقتصادية” سيدفع كل الأطراف إلى المصالح المشتركة التي يمكن أن تتحقق لصالح الشعب الفلسطيني.
إن بناء ميناء غزة يشكل عاملًا مهمًا في تخفيف الأزمات الإنسانية في قطاع غزة، والتي هي سبب أساسي للتوتر والحروب المتعددة بين إسرائيل والتنظيمات الفلسطينية. ميناء في غزة سيشكل حافزًا قويًا للمصالحة الفلسطينية، حيث يمكن تحقيق مصالح طرفي الانقسام الفلسطيني. ميناء في غزة يمكن إشراك منظمات دولية في إدارته والإشراف عليه، كما كان الحال عندما كان في معبر رفح بعثة مراقبة أوروبية لتوفير ضمانات أمنية لأطراف جميعًا. ميناء في غزة لا يجب أن ينتظر تحقق المصالحة الفلسطينية بين غزة والضفة الغربية بل يكون هو الحافز لها. يجب تبنّي منظورًا جديدًا يقوم على أن ميناءً في غزة سيشكل عاملًا هامًا للاستقرار والتنمية والسلام في المنطقة.
تنويه:
المقالة صدرت باللغة الانجليزية على موقع The Cairo Review of Global Affairs